خطبة عن ( خطة الرسول لفتح مكة )
يونيو 10, 2017خطبة عن ( أسباب فتح مكة )
يونيو 10, 2017الخطبة الأولى ( الاستعداد لفتح مكة)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) الفتح ، وقال الله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) الفتح
إخوة الإسلام
ونواصل الحديث عن فتح مكة : فبعد أن نقضت قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في التجهيز للخروج شطر مكة لفتحها ، وكان من عادة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قيادته الحربية، أنه إذا أراد التوجُّه لجهةٍ ما ورَّى بغيرها، ليباغت عدوَّه مباغتة، وليُخْفِي الأمر عن عيون العدوِّ وجواسيسه. إلا أنَّه حين أراد فتح مكَّة خالف عادتَه، فأمر المسلمين بأن يتجهَّزوا للخروج، وصرَّح لهم بالجهة التي يريدُ التوجُّه لها، والتجأ إلى الله داعيًا فقال : ((اللَّهُمَّ خذِ العُيُون والأخبار عن قُرَيْشٍ، حتَّى نبغَتَها في بلادِها)). وفي رواية أنَّه قال: ((اللَّهُمَّ خذْ على أسماعِهم وأبصارِهم، فلا يروْنَنا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فلتة)) ، وأمر المسلمين بالكتمان. ويبدو أنَّ الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – قد صرح بمقصده في هذه المرَّة؛ لأنَّ فتح مكَّة حدث خطير جدًّا من شأنه أن يعلم المسلمون به، ليستعدَّ كلُّ القادرين منهم لاكتساب شرف المساهمة فيه، وإنقاذ بلَدِ الله من سلطان الشرك، وتطهيره من رجس الأوثان وعبادتها فيه. واستجاب الله لرسولِه دعاءَه، فعمَّى الأخبار عنْ قُرَيْشٍ، وكشَف لرسولِه خيانة حاطب بن أبي بلتعة، قبل أن تصِلَ رسالتُه إلى قريش، كما سيأتي بيانه. وأخذ الرسول الحيطة مَخافةَ تسرُّب الأخبار إلى أهل مكَّة فأقام الرُّقباء على الأنقاب (وهي الطرق في الجبال) وجعل عليْها عمر بن الخطاب، وأمرَ أصحاب الأنقاب أن لا يدعوا أحدًا يمُرُّ بهم ينكرونه إلا ردُّوه. وفي الوقت نفسِه إذِ المسلمون يتجهَّزون لفَتْحِ مكَّة، وهم يُراعون الكتمان والسرية، بعث رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – سرية من ثَمانية رجالٍ بِقِيادة أبي قتادة بن ربعي، إلى بطن أضم، وهم قوم تقعُ منازلهم على ثلاثة بُرُدٍ من المدينة. وكان ذلك مع أوائل شهْرِ رمضان الذي خرج الرَّسُول في نَحو العاشر منه لفتح مكة، وسارتْ هذه السرية حيثُ وجَّهها الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – ولمَّا بَلَغَهَا خروجُه بالمسلمين لفتْحِ مكَّة لحقت به. وبعْثُ هذه السرية يوهم العرب أنَّها بعثة استكشافية، وطليعة لجيش الرسول القادم شطر الجهة التي انطلقت إليها، فتسير بذلك الأخبار بين العرب، فيظل المقصود منهم قارًّا لا يستعد للمواجهة، حتى إذا فاجأَتْه مباغتة الجيش العرمرم، لم يجد بدًّا من الاستسلام، إذ يرى نفسه عاجزًا عن المقاومة، وبذلك يَحْصُل مقصودُ الفتح، وتُحْمى الدماء، ولا تستحل الحرمات في بلد الله الحرام، وتبقى له مهابته ومكانته، ويظلُّ بين الناس معظَّمًا أبد الدهر. وهذه الخطة خطة حكمة ورشد.
أيها المؤمنون
ولما أجمع الرسول – صلى الله عليه وسلم – المسير إلى مكَّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش، يخبرهم فيه بالذي عزم عليه الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، وجعل لها جعلاً (أجرًا) على أن تبلغه قريشًا، فجعلته في رأسها، وفتلت عليه قرونَها ( ضفائر شعرها) ثم خرجت به في اتجاه مكة. ونزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الخبرُ منَ السَّماء بما صنع حاطب بن أبي بلتعة. فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَلِىٍّ – رضى الله عنه – قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ « انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ » . فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْنَا الْكِتَابُ . فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ . فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا ، فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ . فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ » . قَالَ حَاطِبٌ وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « صَدَقَ ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا » . فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ . فَقَالَ « أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ » . فَقَالَ « لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ » . فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ) ،فلقد راعى الرسول صلى الله علي وسلم لحاطب مأثرةَ شهودِه بدرًا، فعفا عنه رغم أنَّ الذي بدر منه قد كان أمرًا عظيمًا، وهو في أعراف الحكم العسكري من قبيل الخيانة العظمى. وأنزل الله بمناسبة ما كان من حاطب، قوله عز وجل في سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الممتحنة: 1 – 3].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الاستعداد لفتح مكة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم- أصحابه بأن يتجهَّزوا للخروج، فلمَّا أتَمُّوا جهازهم، تجمَّع له منهم عشرة آلاف، من مهاجرين وأنصار، بأدواتهم الحربية، ومؤنهم، ومراكبهم من الخيل والإبل. ثم أرسل إلى مَن كان من القبائل المسلمة حول المدينة يدعوهم للخروج، فتلاحق منهم بالجيش ألفان، من قبائل (أسلم، ومزينة، وجهينة، وغفار، وسليم). وعقد الرسول الألوية والرايات ودفعها إلى أمراء الكتائب وزعماء القبائل، وقاد الجيش، وسار به متوكلا على الله، واثقا من نصره وفتحه، متجها به شطر مكة. واستخلف على المدينة “أبا رُهْم كلثوم بن حصين الغفاري”. وكان خروجه في شهر رمضان، والناس صائمون. وعند ابن إسحاق أنَّ الخروج قد كان لعشْرٍ مَضَيْنَ من شهر رمضان، فصام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصام النَّاسُ معه، حتَّى إذا كان بالكديد (اسم مكان في الطريق إلى مكة) أفطر. وثَبَتَ في الصَّحيح أنَّ المُسْلِمين خرجوا من المدينة صيامًا، ثم نزلوا منزلا في وسط الطريق، فقال لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم)). فرغَّبهم بأن يفطروا دون إلزام، ثم لما صار بينهم وبين مكة نحو ليلة قال لهم: ((إنكم مصبحو عدوِّكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا)). فأمرهم بالفطر أمر إلزام، فكان عزيمة، ليكون ذلك قوة لهم على مواجهة عدوهم. ولما وصل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بجيش المسلمين إلى (الجحفة) لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب معلنًا إسلامَه، ومهاجِرًا بعياله إلى المدينة، وكان قبل ذلك مقيمًا بِمَكَّة على سقايته، ورسولُ الله عنه راض، ووجد الرَّسول متوجِّهًا لغزو مكة فعاد معه. ولما وصل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بِجَيْشِ المسلمين إلى (الأبواء) لقيه ابن عمه: “أبو سفيان المغيرة بن الحارث بن عبدالمطَّلب” وابن عمَّته عاتكة بنت عبدالمطلب “عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم”. فالتمسا مقابلته، فكلمته “أمُّ سلمة” فيهما، فقالت: “يا رسول الله، ابن عمك، وابن عمَّتك وصهرك” وقالت له: “لا يكون أشقى الناس بك”. قال: ((لا حاجةَ لي بِهما، أمَّا ابن عمِّي فهَتَك عرضي، وأمَّا ابن عمَّتِي وصهْري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال)) . وخرج الخبر إليْهما بذلك، وكان مع ابن عمِّه أبي سفيان بني له، فقال: “واللهِ ليأذنَنَّ لي، أو لآخذنَّ بيدي بني هذا، ثم لنذهبنَّ في الأرض حتَّى نَموتَ عطشًا وجوعًا”. وبلغ رسول الله ذلك فرقَّ لهُما، وأذِنَ لهُما فلقِيَاهُ وأسلما. وروي أنَّ عليَّ بن أبي طالب قال لابن عمه أبي سفيان المغيرة بن الحارث: ائت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: 91]. فإنَّه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا. ففعل ذلك ابن عمه أبو سفيان، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)). قالوا: وقد حسُن إسلامه، وكان لا يرفَعُ رأسَه إلى الرَّسولِ حياءً منه، ثُمَّ أحبَّه الرَّسول، وقال فيه: أرجو أن يكون خلفًا من حَمزة. ونستكمل الحديث عن فتح مكة إن شاء الله في اللقاء القادم
الدعاء