خطبة عن ( القرآن شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ )
مايو 15, 2017خطبة عن ( خطة الرسول لفتح مكة )
يونيو 10, 2017الخطبة الأولى (فتح مكة) (جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ) (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) الإسراء
إخوة الإسلام
ونواصل الحيث عن فتح مكة : فقد دخل الجيش الإسلامي الفاتح مكة، فلما وصل الرسول إلى ذي طوى، أوقف راحلته وكان معتجرا ( متعممًا بعمامة دون ذؤابة) بشقة برد حبرة حمراء. وطأطأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأسه خضوعًا لله، وذلا وشكرًا له، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى كان عثنونه يمس واسطة رحله ، فلم يأخذه ما يأخذ الفاتحين من تعاظُمٍ واستِكْبار، وعلو في الأرض وطغيان، واستباحة لكل شيء دون رحمة ولا ابتغاء للخير. بل دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكة فاتحًا متواضعًا لله، برًّا رحيمًا، جوادًا كريمًا، سمحًا رؤوفًا، عفوًّا عطوفًا. وفي موقفه بذي طوى وزع جيشه إلى ثلاثة أقسام، وعهد إلى أمراء الجيش: أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا مَنْ قاتلهم، باستثناء نفر سماهم، فأمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة.ودخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُردفًا وراءه أسامة بن زيد، حتى نزل بأعلى مكة، وضربت له هنالك قبَّته، وأعلاها يومئذ ما بين الحجون إلى مسجد الفتح، مقابل مبنى البريد المركزي الآن، ويقع بينهما مسجد الجن. وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة (الفتح) ويُرجع فيها (أي: يردد ويعيد). ودخل من دخل من أهل مكة دورَهم وأغلقوا أبوابَهم ليأمنوا، ودخل من دخل منهم المسجد، ولم يواجه المسلمون جيشًا مُحاربًا من أهل مكة، باستثناء حدثٍ صغيرٍ ضعيفِ الشأن، قمعه خالد بن الوليد وكتيبته بسرعة، وفرَّ الفلول إلى بيوتِهم ليأمنوا. وروي أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – دعا خالدًا فسأله: ((لِمَ قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟)) قال: يا رسول الله، هم بدؤُونا بالقتال، وقد كفَفْتُ يدي ما استطعت. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((قضاء الله خير)). ونزل الرسول – صلى الله عليه وسلم – يوم الفتح في القبة التي ضربت له في الحجون، فاستراح بها بعض الوقت. وفي صحيح مسلم : (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ « وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ ». وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِىٌّ شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ. ) ،وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في رواية أخرى عند البخاري: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ « مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِى كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ » . وأبى الرسول – صلى الله عليه وسلم -أن ينزل في بيت أحد، وقال: ((لا أنزل في البيوت)). وترك الرسول – صلى الله عليه وسلم – المجاهدين معه يوم الفتح، ليستجمُّوا، ويأخذوا قليلا من الراحة، إثر النصب الذي نصبوه في رحلة الجهاد. ونَهض الرسول – صلى الله عليه وسلم – من قبَّته في الحجون، ومعه خَلْقٌ كثير من المهاجرين والأنصار، قد أحاطوا به، ودخل المسجد الحرام، ومعهم جُمْهُور ممن أسلم من أهل مكة يومئذ، وممن لم يسلم. فأقبل الرسول إلى الكعبة، فاستلم الحجر الأسود، ثم طاف بالبيت على راحلته سبعًا، يستلم الرُّكْن بِمحجن في يده. قالوا: وكان في يده قوس، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا، مشدود بالرصاص، فجعل يطعن كلا نمها بقوسه، ويقول: ((جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)). ((جاء الحق وما يبدئُ الباطل وما يعيد)). فتتساقط الأصنام على وجوهِهَا أو أقفائِها، فما أشار إلى صنم منها لوجهِه إلا وقع لقفاه، ولا أشار إلى قَفاه إلا وقع لوجهه. ونحن اليوم نقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله, كم من صنم في هذا الزمان يرنو إلى قوسك الطاهر, ويراعك النقي ليخر صريعًا على وجهه في الثرى, أصنام الآراء والأفكار المسعورة, أصنام العلمنة والحداثة, أصنام النعيق والتبعية واللهث وراء الغرب الكافر, ألا كم من صنم في هذا الزمان لا يسجد له ولا يتمسح به, لكنه أشد على الإسلام من ألف صنم وحجر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فتح مكة) (جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ) (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلمَّا أتَمَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – طوافه، دعا “عثمان بن طلحة” سادن الكعبة، فأخذ منه مفتاحها، فأمر بفتح بابها ففتحه له، فدخلها، فرأى في داخلها صورًا للملائكة وغيرهم، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – يستقْسِمان بالأزلام، فقال: ((قاتلهم الله، والله ما استَقْسما بِها قط)). وقال: ((جعلوا شيخَنا يستقْسِمُ بالأزلام، ما شأن إبراهيم والأزلام؟ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] ،ورأى في الكعبة تمال حمامة من عيدان، فكسره بيده ورماه، وأرم بالصور فطمست . ثم أغلق عليه باب الكعبة ليخلو بربِّه في عبادة وصلاة، وكان معه فيها “أسامة بن زيد” و”بلال”. فاستقبل الجدار الذي يُقابل الباب، وتقدَّم حتَّى إذا كان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع وقف. وجعل عمودَيْن عن يسارِه، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، إذ كان سقف البيت يومئذ على ستة أعمدة. ثم صلى حيث وقف، ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحد الله. ثُمَّ وقف على باب الكعبة، وقد اجتمع في المسجد خلق كثير، وقد استكفوا له (أي: وقفوا ينظرون إليه من بعيد، وقد وضعوا أكفَّهم على جباههم ليساعدهم ذلك على النظر، ولعل الشمس كانت تِجاه وجوههم) فخطب الناس يومئذ فقال فيما ذكر ابن إسحاق: ((لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صَدَقَ وعده ونصر عبدَه، وهزم الأحزاب وحده. ألا كل مأثرة (أي: من مفاخر الجاهلية) أو دمٍ أو مالٍ يُدعَى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج. ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا، ففيه الدية مغلَّظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونِها أولادُها. يا معشر قريش، إنَّ الله قد أذهب عنكم نَخْوَةَ الجاهليَّة وتعظمها بالآباء. الناس من آدم وآدم من تراب. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟)). قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] اذهبوا فأنتم الطلقاء)). قال موسى بن عقبة: (وانصرف الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى زمزم، فاطلع فيها، فدعا بماء فشرب منه وتوضَّأَ، والناس يبتدرون وضوءَه، والمشركون يتعجبون من ذلك ويقولون: “ما رأينا ملكًا قط، ولا سمعنا به مثل هذا”. وأخر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ مقام إبراهيم، وكان ملصقًا بالبيت. ونستكمل إن شاء الله
الدعاء