خطبة عن ( فضل بناء المساجد وعمارتها )
يناير 6, 2018خطبة عن ( الوصايا العشر في سورة الأنعام)
يناير 6, 2018الخطبة الأولى ( فتنة الأولاد ) (إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (28) الانفال، وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (14)، (15) التغابن ، وروى الإمام أحمد وابن ماجة : (عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْعَيَانِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ « إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ».
إخوة الإسلام
أبناؤنا فلذة أكبادنا ، ونعمة من الله سبحانه وتعالى علينا , وزينة في الحياة الدنيا , وعون لنا في الشدائد والكروب , وراحة نفسية وقرة عين عند استقامتهم ونضوجهم وصلاحهم . وهم في نفس الوقت ، شقاء ونقمة , وبلاء وفتنة , ومسئولية ثقيلة , وهم بالليل والنهار , وقلق وألم , إن هم انحرفوا وتنكبوا الجادة , وعصوا ربهم , واتبعوا الشهوات ، وقعدوا عن الإيجابيات ، وفعلوا السيئات ، وصحبوا الأشرار ، واقتدوا بالفجار ، وسهروا الليل ، وناموا النهار ، يقول الغزالي : ” الصبي أمانة عند والديه , وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة , خالية ن كل نقش وصورة ,وهو قابل لكل ما نقش عليه , ومائل إلى كل ما يمال به اليه ، فإن عُود الولد الخير ، نشأ عليه , وسعد أبواه في الدنيا والآخرة , وإن عُود الشر ، شقي وهلك , وكان الوزر في رقبة القائم عليه “وجاء في أسباب نزول قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ التغابن : 14-15 ] ، قال الإمام البغوي عند تفسير هذه الآية : ” وقال عطاء بن يسار : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي : كان ذا أهل وولد ، وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه ، وقالوا : إلى من تدعنا؟ فيرق لهم ويقيم ، فأنزل الله : ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ﴾ ، بحملهم إياكم على ترك الطاعة ، فاحذروهم أن تقبلوا منهم “. وفي الحديث التالي تأكيد لهذا المعنى ، ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى : بُرَيْدَةَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ « صَدَقَ اللَّهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِى وَرَفَعْتُهُمَا ». ويعلق سيد قطب رحمه الله تعالى على الآية السابقة فيقول : ” … وكلمة فتنة تحتمل معنيين : الأول : أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم ، فانتبهوا لهذا ، وحاذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء ، وتخلصوا وتتجردوا لله ، كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب! والثاني : أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله “.
أيها المسلمون
هكذا حذر الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان من الولد ، وأخبرهم أن من أولادهم من هو عدو لهم، فعداوتهم لكونهم ربما أبعدوا المؤمن عن سبيل ربه , ودفعوه إلى الشهوات , والارتكان للدنيا ومحباتها , ويشغل الإنسان بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على الخطأ ، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم , فالأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله ، كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان , كما جاء في الحديث المتقدم « إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ ». أخرجه أحم ، فهو مبخلة تدفعه إلى البخل عن الإنفاق في سبيل الله سبحانه بحجة حاجة الولد لهذا المال , فهو يحتاجه وهو صغير لينفق عليه , ثم يحتاجه وهو شاب ، ثم عند زواجه وهكذا . وهو مجبنة لأنه يدفعه إلى الجبن ،وترك الجهاد والدفاع عن كلمة الحق ، خوفا أن يصيبه أذى ، فيتقاعس عن الغزوات بسبب حب الأولاد والخوف من الموت عنهم. وهو مجهلة كونه يدفعه للقعود بجواره غافلا عن تعلم العلم بأنواعه ،ولكونهم يحملونه على ترك الرحلة في طلب العلم والجد في تحصيله لاهتمامه بتحصيل المال لهم ، وهو محزنة عند إصابته بمرض أو أذى أو ضرر, وعند غيابه , وعند غضبه , فيصيب الوالدين بالغم والهم والحزن ولا ينعمان بالراحة إلا عند راحته وذهاب حزنه . وللتأكيد على أن الأولاد فتنة قال ابن عمر لرجل : إنك تحب الفتنة . قال : أنا؟ قال : نعم فلما ، رأى ابن عمر ما داخل الرجل من ذاك ، قال : تحب المال والولد . وقال رجل ، وهو عند عمر بن الخطاب : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فقال عمر : أتحب أن لا يرزقك الله مالاً ولا ولداً [إنما أموالكم وأولادكم فتنة] ، ثم قال : أيكم استعاذ من الفتن فليستعذ من مضلاتها ( أي من مضلات الفتن ) ،وفي الحديث أيضا تحذير من هذا الصفات ، وتلك الأخلاق ، لأن الجبن والبخل والجهل من الأدواء المذلة، ولهذا أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منهما ، ففي صحيح البخاري (عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فتنة الأولاد ) (إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد يصل الأثر السيء للأبناء إلى درجات سيئة للغاية ، فيكون الأولاد سببا في الكفر , يقول سبحانه في قصة الخضر : (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) (80) الكهف ، وكم من امريء تساهل في كسب الحرام , وأكله وشربه لأجل أبنائه وزوجته , وهذه من أخطر الصور وأضرها على المرء وعلى أهله وأولاده، وفي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْفَارِسِيَّةِ « كَخٍ كَخٍ ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ » ، وفي صحيح البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ ) ، وكثير ن الناس تسيطر عليه عواطف المحبة لأبنائه , فيكون جل اهتمامه من الدنيا تلبية احتاجاتهم ومحباتهم ورغباتهم, ثم هو يقصر في واجباته تجاه ربه سبحانه . وآخرون يقدمون أبناءهم ورغباتهم على آبائهم وأمهاتهم , تقديما يضر بنفسية الوالدين , ويقلل من برهما والإحسان إليهما .
أيها المسلمون
ولكن ماذا إذا ربَّى الإنسان ولده ليكون عونا له على مشقات الطريق ، وعامل ثبات لا فتنة ، وقوة تقدم لا تقهقر ، فقد روى محمد بن سويد الطحان قال : ” كنا عند عاصم بن علي ومعنا أبو عبيد ، وإبراهيم بن أبي الليث وجماعة ، وأحمد بن حنبل يضرب ، فجعل عاصم يقول : ألا رجل يقوم معي ، فنأتي هذا الرجل ، فنكلمه؟ قال : فما يجيبه أحد ، ثم قال ابن أبي الليث : أنا أقوم معك يا أبا الحسين ، فقال : يا غلام : خُفِّي. فقال ابن أبي الليث : يا أبا الحسين .. أبلغُ إلى بناتي ، فأوصيهم ، فظننا أنه ذهب يتكفن ويتحنط ، ثم جاء ، فقال : إني ذهبت إليهن ، فبكين. قال : وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط : يا أبانا! إنه بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل ، فضربه على أن يقول : القرآن مخلوق ، فاتق الله ، ولا تُجِبه ، فو الله لأن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت!! ” فلنتق الله في أبنائنا و ولنحسن إليهم وفقا لما أمر الله سبحانه وتعالى به , ولنتوسط في حبهم , ولنقدم محبات الله سبحانه وواجباته على محبتهم وواجباتهم , ولنستدعي الحكمة في سلوكياتنا تجاههم ومعهم وفيما يخصهم .
الدعاء