خطبة عن ( أسباب فتح مكة )
يونيو 10, 2017خطبة عن(التوبة) (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
يونيو 18, 2017الخطبة الأولى ( فرح الله بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
في صحيح مسلم :(عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ.أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ».
إخوة الإسلام
الفرح من الله تعالى : صفة من صفاته اللائقة به، وهو العالم بكل شيء، سبحانه وتعالى وتقدس، فلا يدخل فرحَه شيء من النقص الذي يلحق فرح المخلوق. لقول الله عز وجل في كتابه العظيم : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (11) الشورى، ولقوله سبحانه: ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (74) النحل، وقوله عز وجل-: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) سورة الإخلاص ،وهذا الحديث هو من أعظم ما يبيِّن رحمة الله بعباده، وهل أعظم رحمةً وأجلُّ رأفة من أن يفرَح بتوبتك خالِقُك وسيِّدك مع غناه عنك وفقرك إليه؟ ، قال ابن القيم: “وهذه فَرحة إحسانٍ وبرٍّ ولُطف لا فرحة محتاجٍ إلى توبة عبده منتفعٍ بها، وكذلك موالاته لعبده إحسانًا إليه ومحبَّة له وبِرًّا به؛ لا يتكثَّر به من قلة، ولا يتعزَّز به من ذلَّة، ولا يَنتصر به من غلبة، ولا يعدُّه لنائبة، ولا يستعين به في أمر؛ ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، فنَفى أن يكون له وليٌّ من الذلِّ”. وإنَّ القلب ليقِف محبًّا معظِّمًا أمام هذا الفرح الإلهي، بل إنَّ العبارة لتعجز عن وصفٍ أو بيان؛ ولذا يطلِق ابن القيم على هذا الفرح: “السر الأعظم الذي لا تقتحمه العِبارةُ، ولا تجسر عليه الإشارة، ولا ينادي عليه منادي الإيمان على رؤوس الأشهاد؛ بل شهدَتْه قلوبُ خواص العباد، فازدادَتْ به معرفةً لربِّها ومَحبَّة له وطُمأنينة به وشوقًا إليه ولهجًا بذكره، وشهودًا لبِرِّه ولطفه، وكرمِه وإحسانه، ومطالعة لسرِّ العبودية، وإشرافًا على حقيقة الإلهية”. ومن رحمته أن وعد المسيءَ بتبديل سيِّئاته حسنات، قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]. ومن رحمته أنَّه لا يؤاخِذك بمعاصيك؛ بل يكلؤك ويَرعاك ويعفو عنك ويمهل أمرَك، فأيُّ رحمة أعظم من ذلك، وفي الصحيحين : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِى إِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ». في صحيح مسلم :((عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ». وفي صحيح مسلم : ( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْىٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ تَبْتَغِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ ». قُلْنَا لاَ وَاللَّهِ وَهِىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ». وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ يا أيها العبد العاصي يامن أخطأت وتجاوزت ولهوت وأسرفت؟ هل تظن أن الله يردك ولا يرحمك إذا أقبلت عليه صادقاً راجياً نادماً مستجيباً وهو القائل: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (82) طه
فيا من مد في كسب الخطايا ……خطاه أما آن لك أن تتوبا
فيا خجلاه من قبح إكتسابي ……إذا ما أبدت الصحف العيوبا
أنا العبد المفرط ضاع عمري ……فلم أرع الشبيبة والمشيبا
أنا الغدار كم عهدت عهداً ……وكنت على الوفاء به كذوبا
أنا العبد المخلف عن أناس……حووا من كل معروف نصيباً
أنا المضطر أرجو منك عفواً ……ومن يرجو رضاك فلن يخيبا
أيها العاصون
إن باب التوبة مفتوح حتى الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها ،فهل من تائب إلى الله؟ وهل من عائد إلى رحاب الله؟ وهل من توبة صادقة؟ وهل من عودة حميدة؟ فيا شيخاً كبيراً احدودب ظهره، ودنا أجله، ماذا أعددت للقاء الله؟ وماذا بقي لك في هذه الدنيا فمتى تتوب ،ويا شابا غارقا في معاصيه متى تتوب فبادر بالتوبة قبل ان يغلق بابها فلن تنفعك التوبة عند الموت ، يقول سبحانه ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ الاْنَ [النساء:18]. ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الترمذي: ((إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه)) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)
أيها الإخوة:
إن الحياة فرصة عظيمة للتوبة والإنابة والرجوع إلى الإستغفار ما دمنا أحياء قبل فوات الأوان وقبل أن تقول نفس: ياحسرتي على ما فرطت في جنب الله، وللتوبة شروط فما هي شروط التوبة النصوح ،الأول: الإقلاع عن المعصية. فلا توبة مع الإصرار ، والثانى: الندم على فعلها. فالندم توبة ، والثالث: العزيمة على ألا يعود إليها أبداً. أما إذا كانت متعلقة بحق آدمي فيضاف إلى ما تقدم من الشروط شرط رابع وهو البراءة من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو حقاً رده إليه، وإن كانت حداً مقترفا مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها واستغفر له حتى يرى أنه أدى حقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ »)). ولابد أن يتبع التوبة بعمل الصالحات، وهذا الرجوع الذي ينبغي أن يكون رجوع إصلاح، لا يتم إلا بثلاثة أشياء، بالخروج من التبعات، وبالتوجع للعثرات، وباستدراك الفائتات. وإذا تاب العبد من بعض الذنوب قبلت توبته فيما تاب منه وبقي عليه وزر وإثم ما لم يتب منه
أيها المسلمون
ومن علامات التوبة النصوح كما قال عمر ابن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما: (التوبة النصوح هي أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع). وقال الحسن البصري رحمه الله: “التوبة النصوح أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على أن لا يعود فيه”، وقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله: “يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان, ومهاجرة سيئ الإخوان”.والتوبة المقبولة الصحيحة لها علامات منها: أن يكون التائب بعد التوبة خيراً مما كان عليه قبلها، مر عبد الله بن مسعود ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة فإذا فتيان فساق قد اجتمعوا يشربون وفيهم مُغَنٍّ يقال له: زاذان يضرب ويغني، وكان له صوت حسن، فلما سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صوته، قال: ماأحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله، فسمع زاذان قوله فقال: من كان هذا؟ قالوا: عبد الله بن مسعود صاحب رسول لله صلى الله عليه وسلم، قال: وأي شيء قال؟ فكرروا عليه الكلام، فقام زاذان وضرب العود في الأرض فكسره، ثم أسرع إلى عبد الله بن مسعود يبكي، فاعتنقه عبد الله بن مسعود ورق له، وجعل كل واحد منهما يبكي، فتاب الشاب إلى الله تعالى ولازم عبد الله بن مسعود حتى تعلم القرآن ثم أخذ حظاً من العلم وتدرج فيه حتى صار فيه إماماً.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فرح الله بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ)
الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
والتوبة المقبولة الصحيحة من علاماتها : أن لايزال الخوف مصاحباً له لا يأمن مكر الله طرفة عين ومنها انخلاع القلب ندماً وخوفاً، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفاً تقطع قلبه في الآخرة إذا حقت الحقائق وعاين ثواب المطيعين وعقاب العاصين ،ومن علامات التوبة كسرة خاصة تحصل للقلب لا يشبهها شيء ولا تكون لغير المذنب تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً وليس شيء أحب إلى الله من هذه الكسرة ،والحقيقة الثالثة من حقائق التوبة هي الغيرة لله عند مخالفة الناس لأوامره ، فإنه لمن أعظم دلالات صدق التوبة الندم، الندم الذي يجعل القلب منكسراً أمام الله، مخبتاً لذكر الله وجلاً من هول عذاب الله. وإن من تمام صدق التوبة، العودة بالإيمان إلى أعلى درجاته: ) كما في قوله تعالى :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الانفال (2) . فمن رأى من نفسه أو من غيره وجلاً وإخباتاً وخشوعاً وانقياداً لله بعد توبته فذاك إن شاء الله دليل على صدق التوبة، أما أن يكون الواحد يذنب الذنب فيقول: أستغفر الله بلسانه ولكن جوارحه لا تقلع، وقلبه لا يفتر عن الهم والقصد والتزيين، فذاك قد يصدق عليه الأثر: ((إنما المنافق الذي يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، أما المؤمن فيرى ذنوبه كجبل يوشك أن يقع على رأسه فهو خائف وجل من ذلك)) ، وإنه لمن رحمة الله بالعبد وإرادته الخير به أن يوفقه للتوبة وأن يحوله إلى عمل صالح يميته عليه، ففي الحديث الحسن في سنن الترمذي ((عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ». فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ » )).
الدعاء