خطبة عن قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)
أكتوبر 20, 2018خطبة عن (من أسباب النصر وعوامل الهزيمة
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى : فضائل القرآن الكريم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (9) ،(10) الاسراء
إخوة الإسلام
ماذا عن فضائل القرآن الكريم ؟ ، وما تقولون في فضائل كتاب أنقذ الله به أمة من جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، كان دأبهم السلب والنهب، ومعبودهم الأوثان والحجارة، وديدنهم توارث العداوات والأحقاد، لا تعرف من الحق رسماً، نحلتها ما وجدت عليه آباءها, وما استحسنته أسلافها, من آراء منحرفة، ونحل مخترعة، وملل مبتدعة، فأنزل الله عليهم هذا الكتاب فأنقذهم منها به، وانتشلهم به من أوحالها. ما تقولون في فضائل كتاب ختم الله به الكتب، وأنزل على نبي ختم به الأنبياء، وبدين ختمت به الأديان. ما تقولون في فضائل كتاب فتحت به الأمصار، وجثت عنده الركب، ونهل من منهله العلماء، وشرب من مشربه الأدباء، وخشعت لهيمنته الأبصار، وذلت له القلوب، وقام بتلاوته العابدون, والراكعون, والساجدون. ذلكم القرآن الكريم، إنه : (كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه) ، ذلكم القرآن الكريم: كلام الله العظيم، وصراطه المستقيم، ودستوره القويم، ناط به كل سعادة، وحكمته البالغة، ونعمته السابغة. ذلكم القرآن الكريم: حجة الرسول صلى الله عليه وسلم الدامغة، وآيته الكبرى شاهدة برسالته، وناطقة بنبوته. ذلكم القرآن الكريم: كتاب الإسلام في عقائده ،وعباداته، وحكمه ،وأحكامه، وآدابه، وأخلاقه، وقصصه ،ومواعظه، وعلومه، وأخباره، وهدايته، ودلالته. ذلكم القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء ،التي لا يزغ عنها إلا هالك. ففضائل القرآن ومكانته لا يدانيها فضائل، ولا تسموا إليها مكانة، وفيها فضائل عامة، وفضائل خاصة لبعض سوره وآياته،
أيها المسلمون
أما فضائل القرآن الكريم العامة، فقد وردت في آيات عديدة وأحاديث كثيرة ، فمن القرآن ننهل أصدق الأوصاف لفضائله، وأوفاها لحقه، فمن ذلك قوله تعالى: (ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2]، وهي أول جملة بعد الفاتحة يقرأها المسلم في القرآن الكريم، ولك أن تتفكر في المراد بذلك الكتاب الذي جاء هدى للمتقين ،وفيه الهدى للمتقين . ومن فضائل القرآن في القرآن: أن عد إنزاله في شهر رمضان مزية كبرى لهذا الشهر، فما ظنكم بالمنزل نفسه، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ) [البقرة: 185]. وعلق الله الرحمة عند تلاوة القرآن بالاستماع إليه، فقال الله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ القُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف: 204]. ووصفه الله بالعظمة، فقال الله تعالى : (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ) [الحجر: 87]، ووصفه الله بالهداية ، فقال الله تعالى : (إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]. وأقسم الله به، فقال الله تعالى : (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) يس (1) :(5) ،وأمر الله بتلاوته ، فقال الله تعالى : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) [النمل: 91-92]. وأمر الله بتدبره ، فقال الله تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ ) [محمد: 24]، وذم الله تعالى الذين لا يسجدون عند تلاوته، فقال الله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ) [الانشقاق: 21]، وشهد الله له بالسلامة من العوج، فقال الله تعالى : (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) [الزُّمر: 28]، وقال الله تعالى : (الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) [الكهف: 1]. بل إنه لكثرة فضائل القرآن تعددت أسماؤه وصفاته، وورد في القرآن الكثير من ذلك، فهل رأيتم فضلاً أكبر من هذا، ومنزلة أعظم من هذه المنزلة، يتبوأ عليها القرآن مستحقاً. هذا هي بعض فضائل القرآن عند منزله سبحانه وتعالى،
أيها المسلمون
أما فضائل القرآن الكريم التي جاءت على لسان مبلغه رسول الله الصادق الوعد الأمين عليه الصلاة والسلام فكثيرة، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . وفي صحيح البخاري :(عَنْ عُثْمَانَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » . وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ ». وفيه: (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : فضائل القرآن الكريم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن فضائل القرآن الكريم : فقد روى مسلم في صحيحه : (أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا قَالَ أُسَيْدٌ فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا – قَالَ – فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِى مِرْبَدِي إِذْ جَالَتْ فَرَسِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ». قَالَ فَانْصَرَفْتُ . وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ». وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أُبَىُّ ». وَهُوَ يُصَلِّى فَالْتَفَتَ أُبَىٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ وَصَلَّى أُبَىٌّ فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ مَا مَنَعَكَ يَا أُبَىُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ فِي الصَّلاَةِ. قَالَ « أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ أَنِ :(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ». قَالَ بَلَى وَلاَ أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ « تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا ». قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ تَقْرَأُ فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُعْطِيتُهُ ». وفي السلسلة الصحيحة للألباني : (أخبرنا أبو معاوية عن الهجري عن أبي الأحوص: ” إن هذا القرآن مأدبة الله ، فتعلموا مأدبته ما استطعتم و إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين و الشفاء النافع عصمة من تمسك به و نجاة من تبعه لا ،يعوج فيقوم و لا يزيغ فيستعتب و لا تنقضي عجائبه و لا يخلق عن كثرة الرد ، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات ،أما إني لا أقول بـ ( ألم) و لكن بألف عشرا وبالام عشرا وبالميم عشرا ” . وكما فاضت فضائل القرآن ،فقد عم الشهر الذي أنزل فيه فصار أفضل الشهور، والليلة التي أنزل فيها ،فصارت أفضل الليالي، كما عم فضله أيضاً على الناس ،فصار خيرهم من تعلمه وعلمه.
الدعاء