خطبة عن (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)
نوفمبر 12, 2023خطبة عن (فضل الله ورحمته)
نوفمبر 12, 2023الخطبة الأولى (فضائل حامل القرآن)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (29)، (30) فاطر، وفي الصحيحين: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ»
إخوة الإسلام
القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والمتعبد بتلاوته، وهو كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، فيه هداية للناس، قال الله تعالى: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (1)، (2) البقرة، وقال الله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (1) إبراهيم، فمن قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم. وفي القرآن تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه، وطلب الهدى في غيره، فقد ضل ضلالاً بعيداً،
وتلاوة القرآن الكريم من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، قال الله تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (91)، (92) النمل، وفي صحيح مسلم: يقول صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )، وفي سنن الترمذي: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم َحَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». والرسول صلى الله عليه وسلم حث على قراءة القرآن ورغب فيها، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَاقْرَءُوهُ وَأَقْرِئُوهُ فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ بِرِيحِهِ كُلُّ مَكَانٍ وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ وُكِئَ عَلَى مِسْكٍ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ).
وبشَّر الرسول صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن بالأجر العظيم، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ زِدْهُ فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَتُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً»، وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة، ولِحَفَظَة كتاب الله خاصة، تعاهد القرآن، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»
أيها المسلمون
وسُمِّي الحافظُ حاملًا للقرآن: لِمَا يتحمَّلُه من المشاقِّ الكثيرة، والتي تزيد على الأحمال الثَّقيلة، فَحُقَّ له أن يُكْرَمَ ويُعظَّمَ ويُبَجَّلَ؛ لأنَّ في ذلك تبجيلًا وتعظيمًا وإجلالًا لله تعالى، ذلك أَنَّ الحافِظَ قد حَوَى صدرُه كلامَ الله تعالى، فمن هنا ينبغي إكرامُه، وإنزالُه المنزلةَ اللاَّئقة به.
ومن أهمِّ وأبرز فضائل حامل القرآن الكريم، والتي ينفرد بها عن غيره: أن حامل القرآن الكريم يُصبح من أهل الله في الدنيا والآخرة، ففي سنن ابن ماجه ومسند أحمد: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ».، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أنَّ القرآن يرفع من يحفظه حتى يبلغ به منزلة الملائكة الكرام البررة، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ». ومن فضائل حامل القرآن الكريم: رفعة القدر في الدنيا: فيُصبح صاحب القرآن رفيع القدر، ومن أهل الإجلال والتقدير عند الناس، يحترمه الناس لما يحمل في قلبه من القرآن، وفي صحيح مسلم: (أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِىَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ ابْنَ أَبْزَى. قَالَ وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى قَالَ مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى قَالَ إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»، وفي سنن أبي داود وغيره: (عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ».
ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن حافظ القرآن مغبوطٌ في الدنيا والآخرة: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ»، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن حامل القرآن له الأولوية في إمامة الناس في الصلاة: ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن القرآن يشفع لحافظه يوم القيامة: ففي صحيح مسلم: (قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ)، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن حافظ القرآن وحامله يرتقي في منازل الجنة: ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا»، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن الله تعالى يُكرم والدي حافظ القرآن، ويُعلي من قدرهما، ويرفع منزلتهما: ففي سنن أبي داود: (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا».
أيها المسلمون
ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن حفظ القرآن ينجي صاحبه من النار, فقد روى البيهقي، وصححه الألباني. واحمد في مسنده: (أن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِىَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ»، ومن فضائل حامل القرآن الكريم: أن الحفَّاظ هم المقدَّمون في البَرْزخ: فكما أعلى اللهُ تعالى شأنَ حافظِ القرآن في الدُّنيا، فقد أعلى شأنه في الآخرة، فهو أَولى النَّاس بالتَّقديم، حتَّى بعد موته: ففي صحيح البخاري: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ». فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فَقَالَ «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ)، قال ابن حجر رحمه الله: «وفيه فضيلةٌ ظاهرة لقارئ القرآن، وَيُلحق به أهل الفقه والزُّهد وسائر وجوه الفَضْل». ومن فضائل حامل القرآن الكريم: ثناء الله تعالى عليهم: فقد مَدَحَ الله تَعالى حفظة كتابه وأثنى عليهم بِأَنْ جعل كتابَه آيات بيِّنات في صدورهم، وفي هذا مَنقبةٌ عظيمة لهم، دون غيرهم، فقال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]. «أي في صدور العلماءِ به وحُفَّاظِه، وكونه محفوظًا في الصُّدور بخلاف سائر الكتب؛ وَوَصَفَهم بالعلم؛ لأنَّهم مَيَّزُوا بأفهامهم بين كلام الله، وكلام البشر والشَّياطين، فهنيئًا لمن حَفِظَ كتابَ الله تعالى فجَمَعه في صدره، وعَمِلَ بما فيه، فهل من مُشَمِّرٍ؟، فمن لا يحفظ شيئاً من القرآن فهو كالبيت الخرب كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضل حامل القرآن )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وينبغي لحامل القرآن أن يتأدب بجملة من الآداب ومنها: ما جاء عن عبد الله بن مسعود قال : ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون (الفرح الذي يدعو إلى الأشر والبطر)، وببكائه إذ الناس يضحكون (الضحك الذي يدل على اللهو والغفلة)، وبخشوعه إذ الناس يختالون. وعن الفضيل ابن عياض قال: حامل القرآن حامل راية الإسلام ينبغي أن لا يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن .وقال الإمام النووي: من آداب حامل القرآن أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل يرفع نفسه عن كل ما نهى عنه القرآن، إجلالاً للقرآن وأن يكون مصوناً عن دنيء الاكتساب، شريف النفس، مرتفعاً عن الجبابرة والجفاة من أهل الدنيا متواضعاً للصالحين وأهل الخير والمساكين. وقال الإمام الحداد الحضرمي: ينبغي لقارئ القرآن :أن يعرف للقرآن حقه وما يجب له من الاحترام والتعظيم، وما يتعين عليه من الأخذ به والعمل بما فيه. وما أرشد إليه من جميل الأوصاف وكريم الاخلاق وصالح الأعمال. وهذا وإن كان مطلوباً من عامة المسلمين فهو على قارئ القرآن أوجب وآكد وهو به أجدر وأولى، لفضله وفضل ما معه من كتاب الله وبياناته وحججه ”. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ” اقْرَأ الْقُرْآنَ مَا نَهَاكَ، فَإِذَا لَمْ يَنْهَكَ فَلَسْتَ تَقْرَأُهُ ” (رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ). يعني بسبب مخالفته له وعمله على خلاف ما يدعو إليه. وفي بعض الآثار أن قارئ القرآن إذا ركب المعاصي فيناديه القرآن في جوفه: أين زواجري أين قوارعي أين مواعظي ؟
الدعاء