خطبة عن (فضائل حامل القرآن)
نوفمبر 12, 2023خطبة عن حديث (فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)
نوفمبر 12, 2023الخطبة الأولى (فضل الله ورحمته)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (58) يونس
إخوة الإسلام
فضل الله ورحمته بالمؤمنين: تتمثل فيما جاءهم من الله- تبارك وتعالى- من دين قويم، ورسول كريم، وقرآن مبين. فبفضل الله تبارك وتعالى، وبرحمته سبحانه، وبما جاءهم من الهدى ودين الحق، فبذلك فليفرح المؤمنون؛ فليفرح المؤمنون بالإسلام الذي دعاهم الله إليه، وبالقرآن الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل هذا خير مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة. وعن ثوبان رضي الله عنه قال : (نزل بنا ضيف بدوي، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام بيوته، فجعل يسأله عن الناس، كيف فرحهم بالإسلام ؟، وكيف حَدَبُهم على الصلاة (أي إقبالهم عليها) ؟، فما زال يخبره من ذلك بالذي يسرّه، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نَضِرا) (السلسلة الصحيحة)
فبفضل الله تعالى، وبرحمته، وبعبادته، وبمحبته، وبمعرفته: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فنعمة الدين متصلة بسعادة الدارين، وأما نعم الدنيا فهي منقطعة زائلة،
وأمر الله تعالى لعباده المؤمنين بالفرح بفضله وبرحمته، ذلك مما يوجب لهم انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان، الداعي للإزدياد منهما، والفرح بفضل الله وبرحمته هو فرح محمود، بخلاف فرح الناس بشهوات الدنيا ولذاتها، أو فرحهم بالباطل، فإن هذا كله فرح مذموم، قال الله تعالى عن قوم قارون: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} القصص (76). وقال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} غافر (83)، واعلموا أن فضل الله ورحمته وسعت كل شيء، وهي بالمؤمنين أوسع،
وفي قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فيه حض للناس على اغتنام ما في تعاليم الإسلام من الخيرات، وإيثارها على ما في الدنيا من الشهوات والملذات. وفرحة المؤمنين بالإسلام وشرائعه أولى من كل أمور الدنيا وحظوظها، لذلك فإن هذه الآية مرتبطة بالآية التي قبلها، وذلك في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (57) يونس. فالهدى رحمة، والإيمان رحمة، ودين الله رحمة للعالمين، وكل ما تفضل الله به رحمة تستحق الفرحة في قلب المؤمن، فالحب فرحة ،وفرج الله على القلوب فرحة، وعلى حسب حياة القلب تكون فرحته، وكلما كان القلب في الايمان أرسخ كان أشد فرحًا،
أيها المسلمون
وفضل الله تعالى ورحمته من أجل النعم، ومن أعظم المنح والعطايا، فلولا فضل الله ورحمته ما زكت نفوسنا، ولا طهرت وملئت بالإيمان قلوبنا، لذا قال الله تعالى: ” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” [ النور :21 ]، ولولا فضل الله ورحمته لاجتالتنا وتسلطت علينا الشياطين، ولابتعدنا عن الصراط المستقيم، قال الله تعالى: ” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ” [النساء : 83 ]، ولولا فضل الله ورحمته لتسلط علينا الأعداء، ولحل بنا مكرهم، وأصابنا بأسهم، قال الله تعالى: ” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ” [النساء :113 ]، ولولا فضل الله تعالى ورحمته ما قبل الله توبتنا، ولعذبنا بمعاصينا، قال الله تعالى: ” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ” [النور : 10 ]، وقال الله تعالى: ” وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” [ النور : 14 ]،
ولمنزلة فضل الله ورحمته، وحاجة المؤمن إليها، كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: ” اللهم إني اسألك من فضلك ورحمتك ، فإنه لا يملكها إلا أنت ” [ رواه الطبراني وصححه الألباني ]، فكان ديدنُ النبي – صلى الله عليه وسلم- أن يسأل الله من فضله، وأرشدَنا صلى الله عليه وسلم أن يقول أحدنا إذا خرج من المسجد: “اللهم إني أسألكَ من فضلكَ”، وفي المعجم الكبير للطبراني: (عن عبد الله قال: ضاق النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن فقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت فأهديت إليه شاة مصلية فقال: هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ يَقُولُ «سَمَّعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ وَحُسْنِ بَلاَئِهِ عَلَيْنَا رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذًا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ». وقوله صلى الله عليه وسلم: “وأفضل علينا”؛ أي: تَفَضَّلْ علينا بإدامة النعمة، والتوفيق للقيام بحقوقها، وقد أفضَل اللهُ على نبيِّه، وأكرَمَه أيَّمَا إكرامٍ، قال تعالى: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) [النِّسَاءِ: 113]، وقال سبحانه: (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) [الْإِسْرَاءِ: 87]، واصطفاه برسالته، وأنزل عليه كتابه العزيز، وأبان له الحق، وأيَّده بنصره، وعصَمَه من الزيغ والضلال، وغفَر له ذنبه، وجعله سيد ولد آدم، وأعطاه المقام المحمود، وغيرها من النعم التي لا تحصى .
أيها المسلمون
ومن فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين: أن حبَّب إليهم الإيمانَ وزيَّنَه في قلوبهم، وبغَّض إليهم الكفرَ والعصيان، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الْحُجُرَاتِ: 7-8]. ومن فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين: بعثة الرسل -عليهم السلام-، وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي امتنَّ اللهُ على الأمة ببعثته، فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الْجُمُعَةِ: 2-4]. ومن فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين: أن أصطفاهم وأنزل لهم الكتاب العزيز، قال الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فَاطِرٍ: 32]. ومن فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين: توبته عليهم، وتجاوُزه عن خطاياهم، وتوفيقهم لتزكية أنفسهم، قال تعالى :(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النُّورِ: 21]. وكذا توفيقهم وتأديبهم وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون، وإرشادهم إلى أنواع المصالح، وتحذيرهم من حبائل الشيطان، والعصمة من متابعته، قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النِّسَاءِ: 83]. وكذا عدم معاجَلَتَهم بالعقوبة على معصيتهم، كما قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) [النَّمْلِ: 73].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضل الله ورحمته )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضل الله تعالى ورحمته بالمؤمنين: ما يُنعم به عليهم من الفتح والغنيمة، والنصر والظَّفَر والتمكين، وكل ذلك يُنسَب إلى المنعِم المتفضِّل سبحانه، كما في قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ) [النِّسَاءِ: 73]، وكذلك أغناهم من الفقر والفاقة وضيق العيش، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) [التَّوْبَةِ: 28]، كما أنهم يبتغون من فضل الله في الكسب الحلال، قال تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [الْمُزَّمِّلِ: 20]، ومن فضل الله على العباد أن جعَل لهم الليلَ ليسكنوا فيه، فيُحقِّقوا راحتَهم، وجعل النهار مضيئًا ليُصرِّفوا فيه أمورَ معايشهم، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [غَافِرٍ: 61]. وعندما نستوعب وندرك جيداً أهمية نعمة (فضل الله ورحمته)، وما يترتب عليها في واقع حياتنا، وأنها صلةٌ لنا بالله “سبحانه وتعالى”، ونحظى من خلالها بمعونته، ونحظى من خلالها بالخير من عنده، وبرعايته الشاملة والواسعة، وبتوفيقه، وألطافه العظيمة، ونحظى بنصره، ونحظى بتأييده، ونحظى بكل ما ننشده من الفلاح، وعندما نستوعب وندرك هذا؛ سنفرح، سنفرح من أعماق قلوبنا، فنحن جميعا نحتاج إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى”، ونحتاج إلى فضله.
الدعاء