خطبة عن (الناس والحساب)
أبريل 28, 2023خطبة عن أحوال أهل القبور وحديث (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ)
أبريل 29, 2023الخطبة الأولى ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى أبو داود في سننه وصححه الألباني : (عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ».
إخوة الإسلام
العِلْمُ نورٌ للعُقولِ ، وضِياءٌ للحَضاراتِ، وقد حَثَّ الإسْلام عَلى طَلبِ العِلْم النَّافِعِ بِكُلِّ فُروعِه؛ لِمَا فيه من إعْمارٍ للأَرْضِ ،وإقامةِ الدِّينِ الحَقِّ على الهُدى والنُّورِ والبَيِّناتِ، وجَعَلَ لِطُلابِ العِلْمِ ولِلعُلَماءِ مَنزِلةً رَفيعةً بين النَّاسِ ، فطلب العلم في الإسلام واجب على كل مسلم ومسلمة ، والمؤمن العالم عند الله خير من المؤمن الجاهل، والعلماء هم سادة الناس وقادتهم الأجلاء، وهم منارات الأرض وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، ومن أجل هذا جاءت الآيات الكريمة والأحاديث لتكريم العلم والعلماء، وللإشادة بمقامهما الرفيع، وتوقيرهم في طليعة حقوقهم المشروعة ، لتحليهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المجتمع الإسلامي والمجتمع،
كما حثَّنا الإسلام منذ لحظاته الأولى على العلم والتعلم وأمرنا به، فكان أول ما نزل من القرآن قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ،عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق 1: 5] ، وكانت أول سورة أُنزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مفتتحةً بقسم في القرآن الكريم هي سورة القلم، قال الله تعالى:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] ، والأمر بالقراءة يفيد الوجوب، كما أن القسم بالقلم يدل على أهمية العلم وعلوه لإنارة البصائر إلى طريق الحق، وفتح العقول وإحياء القلوب، وما يجب معرفته : أن حق التعلم لم يقتصر في الإسلام على طلب العلوم الشرعية فقط، بل يزيد ذلك إلى ما هو نافع للناس من العلوم الأخرى في الدنيا : من طب، وتكنولوجيا، وهندسة، وغيرها من الأمور التي تفيد البشرية، فصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم العالم بالقرآن كابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، والعالم بالسنة كمعاذ بن جبل، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، والسيدة عائشة، ومنهم العالم بفنون الحرب كخالد بن الوليد، ومنهم العالم بفنون التجارة كعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، ومنهم العالم بالقضاء كأبي بكر، وعلي، وعمر، وأبي موسى الأشعري، ومنهم العالم بالشعر كحسان بن ثابت، ومنهم العالم بالأنساب كأبي بكر الصديق، كما حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعلم اللغات الأخرى، وخير دليل على ذلك عندما طلب من زيد بن ثابت أن يتعلم العبرية، وهكذا يتبين لنا أهمية طلب العلم وفضل العلماء في الاسلام
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث – الذي هو بين أيدينا اليوم- ، يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلب العلم ، فيقولُ كُثَيرُ بْنُ قَيْس-: «كُنْتُ جالِسًا عند أبي الدَّرْدَاءِ في مَسْجِدِ دِمَشقَ، فأتاه رَجُلٌ، فقال: يا أبا الدَّرْداءَ، أتَيتُكَ من المَدينةِ- مَدينةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؛ لِحديثٍ بَلَغَني أنَّكَ تُحدِّثُ به عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال أبو الدَّرداءِ رَضِي اللهُ عنه: «فَما جاءَ بِكَ تِجارةٌ؟»، قال الرَّجُلُ: «لا»، فقال أبو الدَّرداءِ: «ولا جاءَ بِكَ غَيرُه؟»، قال الرَّجُلُ: «لا»، وهذا الاسْتِفْهامُ للإيضَاحِ عن سَببِ المجيءِ، وأنَّه لم يَأتِ لِطلَبِ تِجارةٍ أو عَرَضٍ من أعراض الدُّنيا، وأنَّه ما جاء به غيرُ طَلبِ ذلك الحَديثِ، فقال أبو الدَّرداءِ رضِيَ اللهُ عنه عِندَما عَرَفَ نِيَّةَ الرَّجُلِ، وأنَّ سَفرَه إنَّما كان لطَلَبِ العِلْم: «فَإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا»، ودَخَلَ فيه أو مَشى، «يَطلُب فيه عِلْمًا»، أي: يَطلُب فيه عِلمًا نَافعًا خَالصًا لله تَعالى، «سلَك اللهُ به طَريقًا إلى الجَنَّةِ»، وذلك بالتَّوفيقِ إلى عَملِ الطَّاعاتِ والخَيراتِ في الدُّنيا، أو إدْخالِه الجَنَّةَ بلا تَعبٍ في الآخِرَةِ، «وإنَّ المَلائِكةَ لَتضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطالِبِ العِلْمِ»، وهذا يَحتَمِلُ أن يَكُون مَعناه على حَقيقَتِه، أي: تَضعُ أجْنِحتَها وإنْ لم يُشَاهَد، فَتضَعُها لتَكونَ وِطاءً له إذا مَشى، أو تَكفُّ أجْنِحَتَها عن الطَّيرانِ وَتنْزِلُ لِسماعِ العِلمِ ، قال: «وإنَّ العالِمَ ليَستَغْفِرُ له مَن في السَّمواتِ ومَن في الأَرضِ، والحيتانُ في جَوفِ الماءِ»، أي: تَطلُبُ له المَغفِرةَ من اللهِ إذا لَحِقهُ ذَنبٌ، أو تَستَغْفِرُ له مُجازاةً على حُسنِ صَنيعِهِ؛ وذلك لِعمُوم نَفعِ العِلمِ؛ فإنَّ مَصالِحَ كُلِّ شَيءٍ وَمنافِعَه مَنوطةٌ به ، ثم قال مُبيِّنًا فضْلَ العالِمِ على العابِدِ: «وإِنَّ فَضْلَ العالِمِ»، وهو المُشْتَغلُ بالعِلمِ النَّافِعِ بأصولِهِ وقَواعِدِه الصَّحيحةِ، «على العابِدِ»، وهو من غَلبَ عَليهِ العِبادةُ مع اطِّلاعِه على العِلْمِ الضَّروريِّ، «كَفَضْلِ القَمَرِ ليلةَ البَدرِ على سائِرِ الكَواكِبِ»؛ لأنَّه يَعُمُّ بِنورِه الأرْضَ، على عَكْسِ الكَواكِب التي لا تُنير مع وجودِها في الكَون، وفيه تَنبيهٌ على أنَّ كَمال العِلمِ ليس للعالِمِ من ذَاتِه، بل بما تَلقَّاه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كنورِ القَمر؛ فإنَّه مُستفَادٌ من نُورِ الشَّمسِ، «وإِنَّ العُلَماءَ هم وَرَثةُ الأنْبياءِ، وإنَّ الأنْبياءَ لم يُورِّثوا دِينارًا ولا دِرهَمًا»؛ فليس من شَأنهم تَوريثُ المالِ، «وَرَّثوا العِلمَ؛ فَمنْ أَخَذَه» أي: بحقِّهِ، وحافَظَ عليه، وعَمِلَ به، وعلَّمَهُ للنَّاسِ، «أَخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ»، أي: بَنَصيبٍ تامٍ وكامِلٍ، والعُلماءُ مَنوطٌ بهم تَعليمُ طُلابِ العِلمِ؛ فَينبَغي عليهم أن يُراعوا حُقوقَهم في التَّعلُّم والتَّعليمِ، ونَقلِ أمانةِ العِلمِ إليهم، وهذا يَستَلزِمُ من الطُّلابِ إكْرامَ العُلماءِ أيْضًا وتَبجيلَهم.
أيها المسلمون
وقد كان العلم صفةً ملازمةً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن رحمة الله تعالى على البشرية أنه لم يرفع العلم بذهاب الأنبياء، بل جعل علمهم يورث قبل موتهم إلى طائفةً معينةً من البشر ،للقيام بدور الأنبياء من تعليم الناس في حياتهم، وهذه الطائفة من البشر هي : (العلماء)، ففي معجم الطبراني :(عن أبي هُرَيْرَةَ : أنَّه مرَّ بسُوقِ المدينةِ فوقَف عليها فقال يا أهلَ السُّوقِ ما أعجَزَكم قالوا وما ذاكَ يا أبا هُرَيْرَةَ قال ذاكَ ميراثُ رسولِ اللهِ يُقسَمُ وأنتم ها هنا لا تذهَبونَ فتأخُذونَ نصيبَكم منه قالوا وأينَ هو قال في المسجِدِ فخرَجوا سِراعًا إلى المسجِدِ ووقَف أبو هُرَيْرَةَ لهم حتَّى رجَعوا فقال لهم ما لكم قالوا يا أبا هُرَيْرَةَ فقد أتَيْنا المسجِدَ فدخَلْنا فلَمْ نَرَ فيه شيئًا يُقسَمُ فقال لهم أبو هُرَيْرَةَ أمَا رأَيْتُم في المسجِدِ أحَدًا قالوا بلى رأَيْنا قومًا يُصلُّونَ وقومًا يقرَؤونَ القُرآنَ وقومًا يتذاكَرونَ الحلالَ والحرامَ فقال لهم أبو هُرَيْرَةَ وَيْحَكم فذاكَ ميراثُ مُحمَّدٍ) ، فالأنبياء لم يتركوا خلفهم مالًا ولا جاهًا ولا ملكًا، وإنما تركوا خلفهم العلم الذي هو أعظم تركة، فمن أخذها فازًا فوزًا عظيمًا، وأهل العلم هم من الشهداء على الحق ، لقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]. وأهل العلم هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]، فولاة الأمور تشمل هنا الحكام والأمراء، والعلماء وطلبة العلم؛ فشريعة الله تعالى ودعوة الناس لها هي من ولاية أهل العلم؛ وتنفيذ هذه الشريعة وإلزام الناس بها هي من ولاية الحكام، وأهل العلم هم طريق الجنة: كما قال عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديثه النبوي الشريف، (مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ). صحيح مسلم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأهل العلم لهم رفعة ومنزلة عظيمة عند الله، فيرفع الله تعالى أهل العلم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرفع الله تعالى بين عباده حسب ما قاموا به، وفي الآخرة يرفع الله تعالى عباده درجات حسب ما قاموا به من الدعوة إلى دين الله تعالى والعمل بما عملوا، في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]. ، وطالب العلم هو مجاهد في سبيل الله فقد روى الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ ».، ومعلم الناس الخير يلحقه أجره بعد موته ،ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ »
أيها المسلمون
هذا ويجب الاخلاص في طلب العلم ، والتوجه إلى الله في ذلك ، وعدم إرادة عرض الدنيا ، وأن يحذر طالب العلم من الرياء والسمعة، ففي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا.، كما أن هناك وعيدا لمن كتم العلم ولم يبلغه للناس ،ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ »، ففي هذا الحث على بذل العلم ، والدعوة إلى الله ، وإرشاد الناس إلى الخير، وتعليمهم وتوجيههم ،وألا يبخل عليهم بالعلم، وأن يكون بذلك مخلصا لله ،يريد وجه الله والدار الآخرة، فالمؤمن من شأنه الحرص على بذل العلم ،وتوجيه الناس إلى الخير ،والحرص على بيان ما يحتاجون إليه،
والعلم إنما يقبض بموت العلماء، فإذا مات العلماء قبض العلم، فالمصحف وكتب الحديث لا تعلم الناس إلا بواسطة العلماء، فإذا فقد من يأخذ العلم من القرآن والسنة ويبلغه الناس ذهب العلم، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا » ، وهذا يوجب لطالب العلم ولكل مؤمن الحرص على طلب العلم ما دام أهله موجودين، ولو بالسفر من بلاد إلى بلاد، أو من إقليم إلى إقليم لطلب العلم ، كما سافر العلماء والأخيار من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا، فعلى المسلم أن يطلب العلم أين وجده، وأين ذكر له، ولا يكون كسولًا، بل يطلب العلم ويجتهد في تحصيله في أي جهة يجده فيها، وعلوم علم الدنيا : كعلم الطب، وعلم النجارة، وعلم الحدادة، وعلم الزراعة، وغيرها من العلوم الدنيوية ، فإن تعلمها فرض كفاية على المسلمين، إن شاء فعل وإن شاء ترك، ولكن علوم الشريعة، كعلم أحكام الله ، كيف تصلي ، كيف تصوم ،كيف تعبد ربك، تعرف الفرائض التي عليك، المحارم التي حرمها، هذه لا بدّ أن تتعلمها، فهذا هو العلم الواجب أن يتعلمه المؤمن، والعامي يسأل أهل العلم،
الدعاء