خطبة عن الراعي والرعية وحديث ( إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أحفظ أم ضيع)
نوفمبر 30, 2019خطبة عن الميزان وقوله (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)
نوفمبر 30, 2019الخطبة الأولى ( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده : « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ،وَلَوْ أَنْ تُعْطِىَ صِلَةَ الْحَبْلِ ،وَلَوْ أَنَ تُعْطِىَ شِسْعَ النَّعْلِ ، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِى ،وَلَوْ أَنْ تُنَحِّىَ الشَّيْءَ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ يُؤْذِيهِمْ ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْطَلِقٌ ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ أَنْ تُؤْنِسَ الْوُحْشَانَ فِي الأَرْضِ ..)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يرغبنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعل المعروف ، وعمل الخير ، مهما كان صغيرا ، ومهما كان نوعه ، أو حجمه ، فقوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ تَحْقِرَنَّ) أي : لا تستصغرن (مِنَ الْمَعْرُوفِ ) وهو كل ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شَيْئًا) أي كثيرا كان أو حقيرا ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب المسلمين في فعل الخيرات ، ويدخل في عموم هذا الحديث ما لا يحصى من الأعمال الصالحة التي ينبغي على المسلم أن يحرص على فعلها بنفسه، أو الإعانة على فعلها بنفسه أو بماله أو برأيه أو بولده أو بخادمه أو بغير ذلك من الوسائل؛ فكل ذلك من المعروف الذي يشمله هذا الحديث ، وينهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عن التقليل من شأن المعروف، أيًّا كان مقداره؛ فإن الله تعالى يحب المعروف كله قليله وكثيره؛ فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على فعل المعروف بجميع أنواعه ولا يحتقر منه شيئًا، فلربما كانت نجاته في عمل يسير؛ ففي الصحيحين : (فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ » وفي رواية لمسلم : (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ ». وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ – وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ – وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ » ، فالعمل اليسير من المعروف قد يكون كبيرًا عند الله عز وجل، وذلك بحسب ما قام بالعمل أو العامل من الأحوال، فلربما عظُم العمل بسبب النية الصالحة؛ قال عبدالله بن المبارك – رحمه الله تعالى -: ( رُبَّ عمل صغير تعظِّمه النية، ورُبَّ عمل كبير تصغِّره النية ) ، وقد يكون هذا المعروف هو غاية ما يستطيعه العامل، أو لأنه آثر به مع حاجته، ولربما كان سبب التعظيم مقارنة بشدة حال العمل، كما لو كان العمل متعلقًا بشدة حاجة الشخص، أو كان زمن أو موضع حاجة، أو بسبب قرابة محتاج ونحو ذلك؛ فإن العمل في مثل هذه الأحوال يتضاعف ويعظم أجره عند الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (11) :(16) البلد
أيها المسلمون
وفي هذا الحديث النبوي الشريف بيان عظم الإسلام ، إذ حث المسلم على أن يكتسب الأجور من الأعمال التي لا تكلفه عناءً ،ولا مشقة ،فإن هذا العمل (من اللطافة والطلاقة والتبسم ونحو ذلك) لا يكلف الإنسان جهداً ،ولا عناءً ، ولا تعباً ، وإنما هو يجري كما تجري العادات الأخرى والحديث وإن دل على طلاقة الوجه ، فليس معنى هذا أن يكون الإنسان غير وقورٍ في جلوسه وفي كلامه وفي مخالطته لدى الناس وإنما أمر بأن يكون طليق الوجه . وفي الحديث أيضا بيان بأن أوجه المعروف ، وأفعال الخير كثيرة ومتعددة ، وقد أجملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة بقوله صلى الله عليه وسلم : « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ » رواه البخاري ومسلم ، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ «يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالَ قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» قَالَ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ» رواه مسلم ، فيالها من بشرى عظيمة جامعة للخيرات، ويَالَهُ من كلامٍ بليغ محيط بأصناف البِرِّ والبركات، فكما دخل في هذا الإحسانُ الديني؛ يدخل فيه الإحسان الدنيوي، وكما يدخل فيه المعروف بالجاه والمقال، يدخل فيه المعاوناتُ البدنيةُ والإحسانُ بالمال، ويتناول المعروفُ إلى الصاحبَ والقريب، والمعروفُ إلى العدوِّ والبعيد، فمن علَّم غيرَه عِلمًا، أو أهدى له نُصحًا؛ فقد تصدَّق عليه، ومن نبَّهَهُ على مصلحة دينية أو دنيوية، أو حذَّره من مضرَّة؛ فقد أحسن إليه، فإن «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .رواه البخاري ومسلم أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلاَّمٍ عَنْ أَبِى سَلاَّمٍ قَالَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ قَالَ : « لأَنَّ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ وَتَهْدِى الأَعْمَى وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَالأَبْكَمَ حَتَّى يَفْقَهَ وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ وَلَكَ فِي جِمَاعِكَ زَوْجَتَكَ أَجْرٌ ». قَالَ أَبُو ذَرٍّ كَيْفَ يَكُونُ لِي أَجْرٌ فِي شَهْوَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ وَلَدٌ فَأَدْرَكَ وَرَجَوْتَ خَيْرَهُ فَمَاتَ أَكُنْتَ تَحْتَسِبُ بِهِ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « فَأَنْتَ خَلَقْتَهُ ». قَالَ بَلِ اللَّهُ خَلَقَهُ. قَالَ « فَأَنْتَ هَدَيَتَهُ ». قَالَ بَلِ اللَّهُ هَدَاهُ. قَالَ « فَأَنْتَ تَرْزُقُهُ ». قَالَ بَلِ اللَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ. قَالَ « كَذَلِكَ فَضَعْهُ فِي حَلاَلِهِ وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَكَ أَجْرٌ ».
أيها المسلمون
فعليكم بفعل الخيرات ، وأعمال البر والمعروف ، ولا تحتقروا ما تقدمون ، فإنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم ، ففي الحديث : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ لِيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ } أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، والمعنى : لَا يَتِمُّ لَكُمْ شُمُولُ النَّاسِ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَقِلَّةِ الْمَالِ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ مَقْدُورَ الْبَشَرِ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسَعُوهُمْ بِبَسْطِ الْوَجْهِ وَالطَّلَاقَةِ وَلِينِ الْجَانِبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْلِبُ التَّحَابَّ بَيْنَكُمْ فَإِنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ ، وَذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْكَافِرِ ، وَمَنْ أَمَرَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِ .
الدعاء