خطبة عن حديث (فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)
نوفمبر 12, 2023خطبة عن (قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (في الصدق نجاة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (يقول كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وهو يُحَدِّثُ عن قصة قبول توبته حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غزوة تَبُوكَ، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِى بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ)
إخوة الإسلام
خُلُقُ الصدق من أعظم الأخلاق منزلةً في الإسلام، ومنزلة الصادقين تأتي بعد منزلة النبيِّين، الذين هم أفضل البشر على الإطلاق، يؤكد ذلك قولُ الحق سبحانه: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:69]، فمنزلة الصدق في الدين عظيمة، ومرتبته في الشرع جليلة، وكانت العرب قديماً تستحي أن ينسب إلى الرجل فيهم بالكذب، ولقبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالصادق الأمين، وتقول عائشة -رضي الله عنها-: (مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَذِبِ). وفي سنن الترمذي: (عن لْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ»
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصدق؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119]، وفي الجامع الصغير: يقول مجمع بن يحيى مرسلا: (تحرَّوُا الصِّدقَ، وإن رأيتُم أنَّ فيهِ الهلَكةَ، فإنَّ فيهِ النَّجاةَ، واجتَنبوا الكذبَ وإن رأيتُم أنَّ فيهِ النَّجاةَ، فإنَّ فيهِ الهلَكةَ)، فالصدق منجاة، والكذب مهواة، ولا أدل على ذلك من قصة الصحابيِّ الجليل كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم، حينما تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، جاء إليه كعب بن مالك رضي الله عنه، كما في الصحيحين: (جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي «مَا خَلَّفَكَ». أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ»، وبعد أنْ تاب الله عليه قال: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلَّا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ). فقد آثر الصدق، وتكبد لأجله المشاق، حتى تنكَّر له أقرب الناس إليه، وضاقت عليه الأرض بما رحُبت، فإذا بفرج الله يأتي، وتنزل توبته؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:118،119].
فالمؤمن لا يسعه إلا أن يكون صادقًا فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: «لاَ» [رواه مالك في الموطإ]. فالصدقُ سعادة، والصادق مصان جليل، والكاذب مهان ذليل، ولا سيف كالحق، ولا عون كالصدق. واللهُ ذكر أولئك الرجال، فقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]. فكان الصدق هو ما مدَحهم الله به، وأخبرنا الله أنَّ مرتبة الصِّديقين بعد مرتبة الأنبياء، وقبل مرتبة الشهداء، فأيُّ فضل يَعدِل هذا،
والصدق ليس شعارًا يرفع أو حُلَّة تُلبَس، إنما هو أقوال عليها من الفعل دليلٌ، وقد حذَّر الله الذي يفعل ما يخالف قوله، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2،3].
والصدق يدعو إليه العقل لحُسنه، والدين أمر به ورغب فيه، وفي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ»؛ الحديث، فكان سبب نجاتهم صدقهم مع الله، وقد عُرِفَ الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه بالصدق، ووُصف به صاحبه أبي بكر الصِّديق، فقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33].
أيها المسلمون
واعلموا أن التزام الشخص بالصدق سبب لهدايته، وثباته على الحق، وقد جاء في صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا »، ويقول ابن القيم: الإيمان أساسُه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذبٌ وإيمان، إلا وأحدهما محارب للآخر)؛ وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ الْجَنَّةِ قَالَ «الصِدْقُ وَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بَرَّ وَإِذَا بَرَّ آمَنَ وَإِذَا آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ النَّارِ قَالَ «الْكَذِبُ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ فَجَرَ وَإِذَا فَجَرَ كَفَرَ وَإِذَا كَفَرَ دَخَلَ – يَعْنِي – النَّارَ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (في الصدق نجاة)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والصدق سبب للطمأنينة، وراحة للبال، وسكينة للنفس، فإذا كان الإنسان صادقاً فإنه يكون هادئ القلب، مرتاح الضمير، فيبقى ثابتاً مطمئناً، لا تزعزعه الفتن، ولا تقلقه البلايا والنوازل، وذلك لما في قلبه من الصدق، الذي صار به مطمئناً، مقتنعاً بما يعتقد، أما الكذب والريبة فترى صاحبهما قلقاً مضطرباً لا يثبت على شيء، وهذا مصداق قوله – صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ » رواه الترمذي، وقد كان عليه الصلاة والسلام أصدق الصادقين، ويكفيه صدقاً صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الله، بعلم الغيب، وائتمنه الله على الرسالة، فأداها للأمة كاملة تامة، لم ينقص حرفاً، ولم يزد حرفاً، وبلغ الأمانة عن ربه بأتم البلاغ، فكل قوله وعمله وحاله مبنيٌ على الصدق، فهو صادقٌ في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجده وهزله، وبيانه وحكمه، صادقٌ مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة.
والصدق طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأنه لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله يوم القيامة إلا صدقه، قال تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ) محمد (21). ويقول الله عز وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) المائدة (119).
والصدق هو ما اتفق العقلاء على قدره، وتعاهدت الأمم على فضله، حتى أن العرب قبل الإسلام كانت تتفاخر بالصدق، وتُعظم الصادقين، وتُنَفِّر من الكذب، وتهجو الكاذبين، فهذا أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه، ومعادياً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يذهب في رهط من قريش في تجارة إلى الشام، فيسمع بهم هرقل ملك الروم، ليسأَل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفاته؟ فيجيبه قائلاً كما في صحيح البخاري: (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّى الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ ، وَلَكِنِّى اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّى فَصَدَقْتُهُ)، فخَشي أبو سفيان أن تُؤثر عليه كذبة، فتكلم بالصدق ولم يكذب، مع مخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم يومه ذاك، فكان القوم يترفَّعُون عن الكذبِ، ويستحونَ من أن ينسب إليهم.
وكان الكذب من أبغض الخصال والصفات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْكَذِبِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُحَدِّثُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْكِذْبَةِ فَمَا يَزَالُ فِي نَفْسِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْهَا تَوْبَةً)، وفي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالاَ الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، فالكذب مذلةٌ ومهانة في الدنيا والآخرة، وعاقبته عاجلة في قلوب الخلق من البغض والكراهية، وضيق الصدر والضنك، وما يَعقُب ذلك في الآجلة من العذاب والنكال الأليم، فليس من الكياس والذكاء الكذب في شيء، فإنه خلق ذميم، وطبع لئيم، فإن كان ولا بد فإن في المعاريض ما يكفي أن يعف الرجل عن الكذب، ففي صحيح البخاري: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ – رضي الله عنه – أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ).
الدعاء