خطبة عن حديث ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ)
يوليو 29, 2017خطبة عن قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)
يوليو 29, 2017الخطبة الأولى ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى:7] ، وقال الله تعالى : ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ﴾ [الأعراف:30] . وقال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل:36] ، وقال الله تبارك وتعالى : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل:45] ، وروى الترمذي في سننه بسند صحيح : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ « أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ». فَقُلْنَا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنَا. فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى « هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ». ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ « هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ». فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ « فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ».
إخوة الإسلام
لقد بعث الله أنبياءه ورسله وأصفياءه دعاةً إلى الإيمان والحق والهدى ، ونهاةً عن الكفر والباطل والردى ؛ وانقسم الناس تجاه دعوة النبيين إلى فريقين: فريقٌ قبِل دعوة النبيين وآمن بهم ، وفريقٌ أبى ذلك ولم يرضَ لنفسه إلا الكفر طريقا. فريق منَّ عليهم بالهداية وشرح صدورهم للإسلام ووفقهم لطاعة الرحمن ، وفريق حقت عليهم الضلالة فهم في غيِّهم يعمهون وفي باطلهم يتقلَّبون وعن طاعة ربهم وعبادته سبحانه معرضون ، قال الله تعالى : ﴿ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ﴾ [الأعراف:30] .وقد جرت العادة – عادة فريق أهل الباطل ، فريق أهل الكفر والضلال – العُجب بحضاراتهم والاغترار بدنياهم ويجعلون ذلك مقياساً على أحقيَّتهم ، وتأمل في هذا قول الله تعالى : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: 73] أي نحن أم أنتم ؟ وها نحن نتمتع بحضاراتٍ وصناعاتٍ وأمور دنيوية ليس عندكم منها شيء ؛ ﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ ، ونسي هؤلاء أنَّ ما يتحدثون عنه ،وما جعلوه مقياساً إنما هو حطامٌ زائل ومتاعٌ فان ، ولهذا قال الله تعالى في الآية التي تلي هذه الآية : ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ (مريم :74). وانظروا معي إلى مآلات الفريقين ، قال تعالى : ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ﴾ أي كتب الله جل وعلا لهم النجاة والفوز والسعادة الأبدية حيث إنَّ الله عزَّ وجل نجَّاهم من النار وجعلهم من أهل الجنة بنعيمها العظيم وخيرها الدائم المستمر ، ﴿ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ في نار جهنم يعذبون فيها أبد الآبد ين ،فقوله تعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) ، هو بيان للنتيجة التي ترتبت على هذا الإنذار. أي: بعد هذا الإنذار الذي أنذرته للناس- أيها الرسول الكريم- فهناك فريق آمن بك وصدقك فكان مصيره إلى الجنة، وهناك فريق أعرض عنك وكذبك، فكان مصيره إلى النار. ولو شاء الله- تعالى- أن يجعل الناس أمة واحدة على الدين الحق لجعلهم كذلك، لأن قدرته لا يعجزها شيء، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك ليتميز الخبيث من الطيب، والمهتدى من الضال. فأما المهتدون فهم أهل رحمته ورضوانه، وأما الضالون فهم أهل عذابه وغضبه ، وفي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى يَدِهِ كِتَابَانِ فَقَالَ « أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ». قَالَ قُلْنَا لاَ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى « هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَسْمَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ لاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً ». ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي يَسَارِهِ « هَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ لاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَداً ». فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلأَىِّ شَيْءٍ إِذاً نَعْمَلُ إِنْ كَانَ هَذَا أَمْراً قَدْ فُرِغَ مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ لَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ». ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا ثُمَّ قَالَ « فَرَغَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعِبَادِ ». ثُمَّ قَالَ بِالْيُمْنَى فَنَبَذَ بِهَا فَقَالَ « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ». وَنَبَذَ بِالْيُسْرَى فَقَالَ « فَرِيقٌ فِى السَّعِيرِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإن المتأمل في دنيا الناس اليوم ، سيجد أنهم فريقان أيضا ً، فريق في الجنة وفريق في السعير ، غير أن أكثر الناس لا يعقلون ، أما الصنف الأول فهم الذين يعيشون في بحبوحة الطاعات ، وجنة معرفة الله سبحانه ، والتلذذ بذكره ومناجاته ، والأنس بالخلوة معه ، والتعب من أجله ، والإقبال عليه بكلية القلب ..هؤلاء ينعمون في جنات وارفة الظلال ، قطوفها دانية ، ونعيمها ممتد ، وبركتها واضحة . قال تعالى : {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } في الدنيا قبل الآخرة ، ومن استشعر هذا الفوز ، اهتز قلبه بالفرح ، وأحس أنه في حدائق ذات بهجة ، أما الصنف الثاني فهم في سعير الشهوات يتقلبون ، وبين لظاها يحترقون ، وبلهبها يكتوون ، ومن سمومها يشربون ، ودخانها يستنشقون.. والعجب كل العجب أنهم يزعمون أنهم يتنعمون !! أبالنار وجمرها ولهبها ولظاها ودخانها تتنعمون ..!!؟ ولكن عين الهوى عمياء !! والقلب المعتم لا يُبصر !! والفطرة المنكوسة تنقلب في حسها الحقائق ، فتتبلد المشاعر ،وفي حديث القرآن عن الفريقين ضرب الرب جل وعلا مثلاً عظيما يتضح به جليًّا حال الفريقين ويتجلى أمرهما تماما ، قال الله تعالى : ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ تأمل في هاتين الحالتين : ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود:24] : أي : لا يستوي أهل الإيمان بما عندهم من بصيرةٍ ونورٍ وهدايةٍ وضياء ، وأهل الكفر الذين هم في عمايةٍ وضلالٍ وغوايةٍ وصدود . وجديرٌ بالمؤمن أن يتأمل في حال الفريقين وأن ينحاز دوماً وأبداً إلى فريق أهل الإيمان سائلاً ربه تبارك وتعالى ومولاه أن يثبِّته على الإيمان وأن يجعله في ركب الهداية وفريق الإسلام ، وأن يعيذه من فريق الضلال والغي والباطل والكفر.
الدعاء