خطبة عن حديث ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ)
يناير 13, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)
يناير 13, 2018الخطبة الأولى (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ في زمن الغربة والبهتان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ». وروى الترمذي في سننه : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا وَلَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَيَرْجِعُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِى مِنْ سُنَّتِى » ،وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ سَنَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً ثُمَّ يَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ « الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَنْحَازَنَّ الإِيمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَحُوزُ السَّيْلُ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَأْرِزَنَّ الإِسْلاَمُ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا »
إخوة الإسلام
لقد اُبتُليت الأمّة الاسلامية طوال تاريخها بأزمات عظيمة، ونكبات أليمة ، ولكن واقع الأمّة اليوم، واقع أليم، وخطبها خطب جسيم، فالأمة اليوم انحرفت انحرافا مروّعا عن منهج ربّ العالمين، وسنة سيّد المرسلين ، فأمضى الله فيها سنّته الكونيّة ، وهي أنّ الذلّ والصّغار على من خالف أمره ،فهذه السّنن لا تعرف المحاباة ولا المجاملة، والقرآن يصدع بذلك، لا يزيغ عنه إلاّ هالك، فقد قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (165) آل عمران، وقال تعالى :{إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دَونِهِ مِنْ وَالٍ} الرعد 11. فكم غيّرت الأمّة وبدّلت ؟! وفي جميع جوانب الحياة لشرع الله تنكّرت ؟!، وظنّت هذه الأمّة المسكينة أنّها إذا التصقت بحضارة اليهود والنصارى والملحدين المزيّفة، واتّبعت شعاراتهم المحرّفة، ظنّت أنّها ركبت قوارب النّجاة، ولكن هيهات هيهات .. إنّها غرقت وأغرقت، وهلكت وأهلكت ،وفي هذا الزمان تنصل الكثير من المسلمين عن دينهم ، وطلبوا العزة والمجد في حضارة غيرهم ، فأصبح الاسلام غريبا في بلاد المسلمين ، وهذا هو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحذر منه أولئك المفتونين ، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتقدم : « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ».وتأمّلوا معي كلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ) ، فقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم البُشرَى قبل أن يُخبر بغربة الدّين، فلم يقل: (وسيُصبح غريبا ) ! وإنما قال: (وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا )
أيها المسلمون
وفي زمن الغربة قد تَبدو راية الباطِل عالية، وقد يَنزوي الحقُّ إلى حين ، وتعلو أبواق الكفر والالحاد ، ويخفق صوت المؤمنين ،وفي زمن الغربة يُكذَّب الصَّادق ،ويُصدَّق الكاذب، وقد يوصَف المتمسِّك بالكتاب والسنَّة بالمتشدِّد والإرهابي، والمتخلف وارجعي ، والمعقد والمتصلب ، وغير ذلك من العبارات ،وأما التارك لدينه ، والمفارق لجماعة المسلمين ،فهو بطل عظيم ، وقائد ملهم ، وفنان مبدع ، ترفع له الرايات ، ويستحق التكريم ،وفي زمان الغربة قد تَشعر بالوحدة بين أهلك، ويضيق صدرك بما يقولون ، وتصبح منبوذا من الآخرين ، فنقول للغرباء : صَبرًا صَبرًا ، فإنَّ العاقبة للمتَّقين، صَبرًا صَبرًا، ولا يغرنكم قلَّة السالكين، وكثرة الهالكين ،صبرًا صَبرًا ، فإنَّ الله مع الصَّابرين، وقد ساق لكم البشرى سيد المرسلين ، فقال لكم : « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» ، فلكم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا تتنزل عليكم رحمات الله من السماء لتثبتكم ، ولتنير لكم الطريق ، وفي الآخرة تطيب حياتكم في جنات النعيم ، « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ ) ، فالغرباء هم أهل الاستِقامة والثَّباتِ على الدِّين، هم قومٌ خالَفوا أهواءهم واتَّبعوا الحقَّ المبين، لم تغررهم كثرةُ المنتكِسين المائلين ، الذين اشتَروا الدنيا وباعوا الدين. « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» فالغرباء في زماننا هذا لم تزِدهم الفتنُ إلَّا ثباتًا ويقينًا؛ طمعًا فيما عند الله جلَّ وعلا من نعيم، وأولئك هم الفائزون حقًّا، بشَّرهم ربُّهم بالأمن والسَّعادةِ في الدنيا والآخرة. « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» فاسمعوا أيها الغرباء وأبشِروا، قال الله جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]، « فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» فأبشِر يا من تمسَّكتَ بدِينك وسنَّةِ نبيِّك، أبشِر يا مَن وقفتَ ضدَّ الباطل وصدعتَ بالحقِّ، أبشِر بجنَّة عرضها كعرض السَّماء والأرض، قال الله جلَّ وعلا: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]. فيا لها من بُشرى عظيمة ، تثبِّتُ القلوبَ وتشحذ الهِمَم! اثبتوا ثبَّتَكم اللهُ، فما الدنيا إلَّا دار ابتلاء، والآخرة خير وأبقى. فأنتم الآن في زمن الغربة، وما أدراكم ما زمن الغربة؟! زمانٌ القابِضُ فيه على دينِه كالقابِض على الجَمْر؛ كما أخبَرَنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم. فيا أيُّها القابِضون على الجمر، لا يغرنكم كثرةُ الهالِكين، ولا يضرنكم قلَّة السالكين، لا تَغترُّوا بأهل المعاصي وكثرتِهم، لا تنشغِلوا بالنَّاس؛ فالانشِغال بهم بلاء، وعليكم بأنفسكم. أصلِح نفسَك وألجِمها لجامَ التقوى ، فلا نجاةَ في هذا الزَّمان إلَّا بتقوى الله، والتمسُّكِ بكتاب الله وسنَّةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ ففي موطإ مالك (عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ »
فعليكم بكتاب الله، لا أقول: تلاوةً وحفظًا فقط؛ فكم من حافظٍ لا يعمل بما حَفِظ، نحن نريد القرآن قولًا وعملًا وسلوكا في حياتنا، نحن نريد تطبيقَ السنَّة ظاهرًا وباطِنًا. في زمان الغربة، تَمسَّك بطلَبِ العلم؛ فإنَّه نجاة ووقاية لك من فِتَن الشُّبهات والشهوات. في زمان الغربة، كن في رَكْبِ الصَّالحين، وإيَّاك إيَّاك وصحبةَ المفسدين والمنحرفين والغافلين. في زمان الغربة، لا تنهمك في الدنيا مثلهم؛ فإنَّ التعلُّق بالدنيا وحبَّها لن يزيد قلبك إلا همًّا وغمًّا، ولن تأخذ منها إلَّا ما قدَّره اللهُ لك، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ ». وليس معنى هذا أن نترك العمَلَ ولا نجتهد، لا؛ بل علينا أن نأخذ بالأسباب، ولكن كثرة الانهماكِ والانشغال الدَّائم بها يُميتُ القلبَ، ومِن دُعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي : (وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ) ، فالعاقل لا يجعلها أكبر همِّه ،وأكبر هدفٍ له في الحياة؛ لأنَّ الهدف الأول من إيجاد الخَلْق جميعًا هو عبادةُ الله جلَّ وعلا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ في زمن الغربة والبهتان )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإليكم هذه الوصايا، وتلكم النصائح ، لعلكم تنتفعون بها في زمن الغربة :- – اجعل هدايتك أعظم هدف لك! قال ابن تيمية: “الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق؛ بل لا نسبة بينهما”. – اختبار اليوم في الصبر واليقين ، هو اختبار لاختيار أئمة الدين: قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] ، فالمفرزة ضرورية للأمة كي يبرز من بينها أئمة المتقين. – أبواب الخير أمامك كثيرة متنوعة، وفي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ». وفي الصحيحين : (فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ، وهذان الحديثان هما على سبيل المثال لا الحصر، وهما يفتحان لك آفاقا جديدة للسعادة ومواطن السرور، فالحديث الأول على النطاق الفردي، والثاني على النطاق المجتمعي. – لا تحقرن من المعروف شيئًا: فكل كلمة تنشرها، وكل خطوة تخطوها، وكل كتاب تقرؤه ليزيد علمك، وكل مهارة تسعى لاكتسابها.. كل هذا في ميزانك وفي صالح أمتك، وحرِيٌّ أن يرفع معنوياتك كخطوة إيجابية تقرِّب النصر ولو بمقدار شبر. – البكاء على اللبن المسكوب لايجدي ولا ينفع ، ولكن عليك بالعمل، فقط العمل، وقليلٌ فاعله! قال ابن تيمية: “وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهيٌّ عن هذا؛ بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى”. – تذكر أن الله سيحاسبك على العمل ،لا على النتيجة ، وهل يفيدك أن ينتصر الإسلام دون أن تكون قد ساهمت في هذا النصر بشيء؟! وما يضرك أن لا تدرك نصرًا، وقد بذلت فيه غاية ما تستطيع؟! – إن العاملين في زمن الغربة ، وفي زمن الاختلاف الكثير، وظهور النفاق ، وعلو أهله ، هم الأعظم أجرًا على الإطلاق، فهؤلاء يسبحون عكس التيار، ولا يجدون على الحق أعوانًا. ففي سنن الترمذي :(عَنْ أَبِى أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِىِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِى هَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِى رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِى غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ » – تفاوت الدرجات في الجنة يكون بحسب الهمم والعزمات! فالجنة مائة درجة، فعلى أي أساس يقسم الله هذه الدرجات؟! إن عدل الله يأبى أن يساوي بين الخامل والعامل؛ بين الصالح والمصلح، بين المستكين والمثابر، وهذه الأحوال لا تظهر إلا عند الشدائد والأزمات ، قال الله تعالى : {ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179].
– الحياة في سبيل الله ، أصعب من الموت في سبيله، ومن مدَّ الله في عمره فأحسن في عمله، فلربما سبق الشهداء في دخول الجنة، ففي مسند أحمد (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ إِسْلاَمُهُمَا جَمِيعاً وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَاداً مِنْ صَاحِبِهِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّىَ قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّى عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِى تُوُفِّىَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِى اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَا إِلَىَّ فَقَالاَ لِى ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مِنْ أَىِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَاداً ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ. فَقَالَ « أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً ». قَالُوا بَلَى. « وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ » قَالُوا بَلَى. « وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِى السَّنَةِ » قَالُوا بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ». – الطموح مفتاح سعادة المتقين: فلا ينبغي ان تكتفي بنجاة نفسك وصلاح قلبك، بل تجاوز ذلك إلى الآخرين، وهذا مفتاح سعادة خفي، لا يعرفه كثير من الناس،قال الرافعي: “السعادة الإنسانية الصحيحة في العطاء دون الأخذ، وأن الزائفة هي في الأخذ دون العطاء”.
الدعاء