خطبة عن كيف يكون الفرار إلى الله؟ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)
مايو 6, 2017خطبة عن (المفسدون في الأرض وصور الفساد في الأرض)
مايو 8, 2017الخطبة الأولى ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]. وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ »
إخوة الإسلام
لقد أمر الله عز جل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبلغ هذا النداء العظيم إلى أمته، يفروا إليه سبحانه وتعالى، ومعنى يفروا إليه : أي: يرجعوا إليه ، ويتوبوا إليه التوبة الصادقة والشاملة مما يكرهه الله إلى ما يحبه، ومن الكفر به إلى الإيمان ، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم إلى العدل، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الانحراف عن صراطه المستقيم إلى الاستقامة عليه … الخ. والفرار غالباً لا يكون إلا عند الخوف، فعندما يخاف المخلوق ويجد خوفاً ، هناك يبدأ بالفرار لينجوا مما يخاف ،وللخوف مواطن من أهمها ظهور ما يشعر بقرب الموت، سواء طبيعياً أو غير طبيعي. وما يشعر بقرب قيام الساعة ، وأيضاً عندما تنعقد في سماء الأمة سحب الفتن، وسحب المخاطر، وسحب الفوضى، فإنهم يفرون إلى الله لينجيهم من ذلك. ففي هذه المواطن وأشباهها، يشعر كل من بقي على فطرته بالخوف والوجل ، ويحاول الرجوع إلى الله. لذلك ، يجب أن لا نستمر في غفلتنا وجهلنا ،ونحن نرى سحب الفتن تنعقد في سماء بلادنا وأمتنا، نخشى أن ينفجر الوضع في أي وقت، وأن تحل الكارثة ، وأن ينفرط النظام ، وإذا بنا كل خائف على دمه وعرضه، فعلينا هنا أن نفر إلى الله سبحانه وتعالى، إذ لا يستمر على غفلته ومعصيته وعناده إلا من فسدت فطرته، وزين له الشيطان سوء عمله ، قال تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]. أي أن الأمر الطبيعي والمنطقي ، أنه عند حلول البأس أي الشدة والمحنة أن يتضرع الناس إلى الله، وأن يتوبوا إليه ، ويراجعوا أنفسهم ، ويغيروا ما بها من سوء المقاصد ، إلى حسن المقاصد، والتوجه الصادق إلى الله سبحانه وتعالى. ولكن أهل الشقاء والقلوب القاسية ، ومن غلب عليهم الشيطان ،ومن زين لهم الشيطان سوء أعمالهم؛ فإنهم يتمادون في غيهم ، وكفرهم وضلالهم ، إلى أن يحيق بهم سوء أعمالهم: وتكون النتيجة : ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45].
أيها المسلمون
الفرار أمر حتمي لكل واحد منا لأنه أمر رباني أمرنا الله به ، وقد حدد الله لك الوجهة ، ورسم لك الطريق فقال سبحانه : {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} الذاريات 50 ، نعم إنه الفرار إلى الله ، وأنت تفر إلى الله ،لأن خلفك عدوك إبليس، يسعى خلفك جاهداً بكل ما أوتي من قوة ، ليجعلك من أصحاب السعير ، وقد أخبرك بذلك ربك وحبيبك ، يوم أن قال تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} فاطر 6 ، ومع الأسف ، فهناك من الناس من عكس طريق سيره ، فسار باتجاه عدوه ، ففرح به واحتضنه ، فأصبحت ترى شيطاناً في ثوب إنسان؛ لا يدع طريقاً من طرق الفساد إلا سلكه وبلا تردد ، وليته سلكه وحده ، لا ، بل قام يدعو إليه ويحبب الناس فيه ؛ وأمثلة هذا الصنف في حياتنا عديدة ، فمنهم المنادون بحرية المرأة وإفسادها ، ومنهم القائمون على القنوات بفحشها وفجورها والقائمة تطول ، وغيرهم ، وغيرهم ، فكم من عبد تباطأ في فراره إلى الله ، والتفت يمنة ويسرة إلى الدنيا فأسرته ، فشغل عن الفرار إلى الله بعماراته ، أو شغل عن الفرار إلى الله بأمواله ، أو شغل عن الفرار إلى الله بزوجته وأولاده ، أو شغل عن الفرار إلى الله بمنصبه وجاهه ، فهلك مع الهالكين ،وكم من عبد جعل فراره إلى الدنيا ، فهو يفر إليها بكل ما أوتي من قوة، فمنهم من يسير بسيارته مسرعاً حتى لا تفوته مباراة في كرة القدم حاسمة، وقد ترك الصلاة المفروضة ، ومنهم من يفر بكل قوته ،حتى لا تفوته صفقة رابحة، ومنع زكاة ماله، ولمثل هؤلاء يقول العليم الحكيم: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الحديد 20
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختمُ من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر منها مخلص” ، ففي صحيح مسلم : (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا ،عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». ولا يتمكن العبد من النجاة من ذلك ، إلا بالفرار إلى الله تعالى ، والرجوع إلى ربه ، والإنابة إليه، والذل والخضوع والانكسار بين يديه، والاستغفار والتوبة، والاعتماد عليه تعالى في الأمور كلها، فهو ربه ومليكه، وخالقه ورازقه، يعطي ويمنع وهو على كل شيء قدير، قلبه بين يديه ، يقلبه كيف يشاء، وهذا هو الفرار إليه الذي طلبه الله منا بقوله تعالى : “ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين” فهو سبحانه الملاذ والملجأ وهو المغيث، ولا ملجأ منه تعالى إلى إليه، يقول ابن جرير :“فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته”، والفرار لا يكون إلا إلى الله تعالى ،ولا يكون إلى أحد من خلقه، فإن الله تعالى هو رب العالمين وهو الفعال لما يريد، والخلق بأجمعهم لا يقدرون على شيء إلا ما شاءه الله تعالى ، قال تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) (30) ” الانسان ،ومن فرَّ إلى غيره لم يمتنع منه، حتى يفر الإنسان من نفسه التي بين جنبيه إلى ربه خالقه ومولاه، فراحة الإنسان وأنسه وسعادته وأمنه واطمئنانه إنما تكون بالفرار مما سوى الله إلى الله تعالى. وقد عبر القرآن عن الرجوع إلى الله تعالى بلفظ (الفرار) لبيان الحزم والجدية والفورية التي ينبغي أن يتعامل بها مثل هذا الأمر، فهو ليس أمرا على التراخي، فشأن المخالفة والمشاققة لله ولرسوله أمر جلل مخوف ، فحقه أن يُفَرَّ منه ،ويقلع عنه بأقصى ما يمكن، والتعبير بلفظ (الفرار) أيضا يدل على شدة القيود التي تكبل الإنسان أو على شدة المغريات التي تأسره ، حتى يحتاج إلى الفرار، وإلا لم يستطع أن يخرج من دائرة تأثيرها، كما أن التعبير ب(الفرار) ؛ يفصح عن سرعة الإهلاك والعذاب التي تنظر المتواني أو المتباطئ، فالأمر لا يحتمل الإبطاء في الرجوع إلى الله تعالى، فالفرار الفرار إليه يا عباد الله ، فإنه لا مهرب منه إلا إليه، والبؤس والتعاسة والخسارة الكاملة التي لا ربح بعدها، في البعد عن الله والفرار منه إلى غيره، كما أن الخير والفلاح والربح المضمون الذي لا تعقبه خسارة، في القرب إلى الله والفرار إليه ونستكمل الموضوع إن شاء الله الدعاء