خطبة عن قوله تعالى (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)
أغسطس 24, 2019خطبة عن (أهمية دراسة حياة الأنبياء)
أغسطس 31, 2019الخطبة الأولى ( قصة آدم عليه السلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (30):(37) البقرة
إخوة الإسلام
لقد أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكته ،أنه قضى وقدر خلق الإنسان؛ قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71]، فكان أصل هذا البشر (آدم)؛ وقد خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) بيده ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ : أَنْتَ أَبُو النَّاسِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ.. ) الحديث ،وخُلق الله سبحانه وتعالى آدم(عليه السلام) من طين : ففي مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ ،وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ )وَخُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ » أي كما جاء في قوله تعالى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة (7) وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى كرم آدم عليه السلام فخلقه يوم الجمعة ، فقد روى النسائي : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا) وشاءت حكمة الله ومشيئته أن يُخلق آدم أجوفا ، فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ ». وكانت طينة آدم من جميع أنواع الأرض ، فقد روى أبو داود : (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ » ، وحين سرت الروح في آدم (عليه السلام) عطس ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ )
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق آدم على نفس الصورة التي هي عليها الآن ذريته ، ليدحض بذلك أقوال الأفاكين ممن قالوا أن أصل الانسان قرد، ثم تطور بعد ذلك ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ . فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ . فَقَالُوا السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ . فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ » ، ولما نفخ الله تعالى في آدم الرُّوح ، أمر الله الملائكة أن يسجدوا له سجودَ تكريم وتشريف، كما أخبر الله تعالى ملائكته بمهمة هذا الإنسان؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، واستفهام الملائكة بقولهم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30]، قياسًا منهم على ما كان من أمر الجن حين انفردوا بسكناها، فقتل بعضهم بعضًا، وسفَك بعضهم دماء بعض، والملائكة يتأذَّوْن من هذه المناظر كما يتأذَّوْن مما يُفعل على الأرض من منكَرات ، وبعد اكتمال الصورة الإنسانية لآدم (عليه السلام)، قدمه الله تعالى للملائكة، وأمرهم بالسجود له، سجود تكريم ورفعة شأن.. غير أن إبليس لم يستجب لأمر الله في السجود، فأبى أن يكون مع الساجدين، قال الله تعالى : ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71 – 76]، والسجود لآدم من قِبل الملائكة هو سجود ينسحب على كافة ذريته؛ فالعاقل مِن البشر عندما يستذكر ذلك ،ينشط في طاعة الله عرفانًا منه لهذا التكريم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، وقال الله تعالى في سورة أخرى يظهر فيها جدال إبليس وتبرير فَعلته بعدم السجود: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 11، 12]،
ولهذه المخالفةِ من إبليس ، وإغضابه ربَّه ، وعصيانه العلني ، استحقَّ غضبَ الله، والطردَ واللعن والخلود في جهنم، لكن إبليس الذي علم مصيره المحتوم في جهنم ، لم يشأ أن يدخلها قبل أن يبثَّ كامل شره بين الخَلق ، حتى يدخلها بمرتبة الأذى العليا؛ لذلك تنمَّر وكشر عن أنيابه ، وما تأجج في داخله من غضب وحقد، فابتدأ عداوته السافرة لآدم، وطلب من ربه أن يؤخِّرَه إلى يوم القيامة؛ لكي يقومَ بإغوائه ،وإغواء ذريته من بعده ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ﴾ [الإسراء: 61 – 63]، وقوله (أرأيتَك) بمعنى أخبرني، (لأحتنكنَّ) بمعنى لأستولين عليهم ولأستميلنهم، وقد أورد النصُّ القُرْآني تبرير إبليس بعدم السجود لآدم، فقال تارة: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وقال: ﴿ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ﴾ [الإسراء: 61]، وقال: ﴿ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 33]، لقد قال إبليس كل هذا، وهذا دليلُ حقده وحسده، ومحاولته إيجاد مبرر لفَعلته النكراء، وهذا فعل كل حسُود وحقُود، يصعد في التسويغ وسوق الحجج كي تقبل منه، لكنه لا بد وأن يقع بزلة لسانه، التي أخبرت عن حقده وحسده وجحوده حين قال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]. وهكذا بدأتِ العداوة بين إبليس وآدم بشدة؛ فآدم يتقيه بالاستعانة بالله ،والبعد عنه ما أمكن إلى ذلك سبيلًا، وإبليس قد توعد آدم وذريته بالويل والثبور وعظائم الأمور، لا يكف عن الإغواء ساعة من زمن، خصوصًا لمَّا لعنه الله وطرده من رحمته، وعرَف مصيره المحتوم في النار، فأصبح محمومًا يريد الشر لكل مخلوق؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 32 – 42]
وجاء في فتح القدير: “قال: لما سكن آدمُ الجنة ، كان يمشي فيها وحشًا ، ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلَقها الله من ضلعه”، وهناك كانت لباسًا له، وكان لباسًا لها، وسكَنَ لها، وسكنَتْ له، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، وقال الله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، ويمكُثُ آدم وزوجه حواء في الجنة بحياة رغيدة هنيئة، طمأنه ربُّه فيها بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ﴾ [طه: 118]، لكن هذه العيشة الهانئة مشروطة بشرط سهل التنفيذ، ليس فيه أي تأثير على مسيرة حياة آدم وزوجه في الجنة، ولا يحدُّ مِن رغباتهما مطلقًا؛ فهو محظور واحد أمام مباحات لا حد لها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 35]، شجرة واحدة هي الممنوعة فقط، وذكر المفسِّرون أنها الكرم، وقالت طائفة منهم: الحنطة، وقال آخرون: النخلة، والتزم آدم وزوجه بهذا الشرط، وعاشَا في هناء وصفاء ،ورغَد من العيش، غير أن إبليس الذي هدد وتوعد آدم بأن ينغص عيشه ،ويسوقه إلى درب الهلاك والعصيان ،قد مكر وخبَّأ لآدم الشر والدواهي؛ ليوقِعَه في المحظور، قال الله تعالى : ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، ومع القسَم بأنه ناصح لهما ،وهو كاذب ،عاد للخداع وزخرف الكلام؛ قال تعالى : ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]، لا يمكِننا أن نقول: كيف تورَّط آدم وزوجه من الأكل من الشجرة؟ وكيف استطاع إبليس بالوسوسة والإغواء الإيقاع بهما؟ فقد ورد في الحديث الشريف : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « حَاجَّ مُوسَى آدَمَ ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ الَّذِى أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ . قَالَ :قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي أَوْ قَدَّرَهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي » . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى » رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فهذا أمر قدره الله ، لأمر يريده وحكمة يعلمها، وآدم نفذ ذلك مختارًا، فقد تصرف وفق الطبيعة البشرية التي وضعها الله فيه، قال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، وهو التذكير بما سبق من وصية آدم بعدم الأكل من الشجرة ،وعدم طاعة الشيطان، لكنه نسي كل هذه الوصايا؛ لِمَا رُكِّب في الإنسان من طبيعة النسيان، فرغم كل التحذيرات من مكر الشيطان ،وأنه العدو الأول للإنسان، فقد زلت قدم آدم ووقع في العصيان؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 116، 117]، وقدَّم الله تعالى لآدم ما يطمئن باله ،ويريح خاطره وتفكيره من عناء مستقبله، فكانت الضمانات من العلي القدير بدوام العيشة الهنيئة، إذا ما التزم بالبعد عن الشجرة ،وعدم الإصغاء إلى وسوسة إبليس؛ قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ﴾ [طه: 118، 119]، وهل هناك أهنأُ مِن هذه العيشة وألذ منها؟! طعام جاهز ،يبعد غائلة الجوع، وشراب لذيد متى ما شعر بالعطش، وليس فيها ما يخيف من حر الشمس وقت الضحى، فلا شمس أصلًا في الجنة، سعادة ما بعدها سعادة، ثم ماذا كان بعد ذلك؟ لقد تطلَّع – بعد وسوسة الشيطان – إلى الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها؛ قال الله تعالى : ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 120، 121]، والوسوسة هي شيء خفي يدب في النفس ،ويسيطر عليها ويسيِّرها، فلا تنفك من إسار هذه الوسوسة إلا بذكر الله، لكن تجمَّعت على آدم الوسوسة ،مع قسم إبليس له بأنه ناصح، وأنه إن أكل من هذه الشجرة فإنه سيكون خالدًا مع مُلك لا يبلى، قال الله تعالى : ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ﴾ [الأعراف: 22]؛ أي: أوقَعهما في التهلُكة، وأنزل رتبتهما مِن عليائها وعزتها؛ ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ﴾ [الأعراف: 22]، وكانا مستورينِ بهالةٍ مِن نور لا يرى أحدهما سوءة الآخر، ولا حتى سَوءته، وسُميت السوءة بهذا الاسم؛ لأن ظهورَها للآخرين يسُوءُهم، ربما كان هذا لباسهم في الجنة (النور)؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 27]، وربما كان لباسًا من حرير وإستبرق، وهو لباس أهل الجنة، فلما ارتكبا الخطيئة بالأكل من الشجرة، تعرَّيَا بسبب العصيان، قال الله تعالى : ﴿ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف: 22]، فارتاعَا لهذا التغيير، وكان بداية الوقوع في المخالفة، وإشارة إلى ارتكاب الخطأ، وأن هالةَ النور الساترة قد زالت بفعل ما ارتكباه من خطأ وعصيان للأمر الإلهي، وكان بالقرب منهما شجرة تين فطفِقا يقطعان من ورقها؛ لكبره، ويستتران به؛ أي: يلصقانه فوق العورة، قال الله تعالى ﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ﴾ [الأعراف: 22]، عن الأكل منها، وعدم الاقتراب منها؛ حتى لا تقعا في المحظور، وفوق هذا حذَّرهما من الشيطان ومكره وكيده، وأنه مسلَّط عليهما، ولا يعصمهما منه إلا الالتجاء إلى الله باتباع ما أمر، والبُعد عما نهى عنه، قال الله تعالى :﴿ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأعراف: 22]، وهكذا خرَج آدم وزوجه من الجنة ، بسبب الشهوة والنسيان، وإغواء الشيطان، ليعيشا في دار الكدح والعمل والامتحان، تتنازعه الأهواء والشهوات، ونوازع الخير ونوازع الشر، فأمامه طريقان، كما قال تعالى : ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، وقال تعالى : ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، فيحيَا في صراع حقيقي لا هوادة فيه إلى أن ينتهي صراعُه بالموت؛ قال الله تعالى : ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾ [الواقعة: 88 – 94]، وهكذا تغيَّرت الدارُ، فلم يعُدْ كل شيء ميسرًا لخدمة آدم بلا كدح أو تعب، فلا بد من العمل وبذل الجهد؛ لتحصيلِ الرزق، واستمرار الحياة، وبدأت مسيرة الإنسان فوق الأرض بآدم وحواءَ، وولدت حواءُ البنين والبنات، قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]،
وقبل أن نتابعَ حياة آدم على الأرض لا بد مِن وقفات: أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس، قال: “قال الله لآدم: ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتُك عنها؟ قال: يا رب، زينته لي حواء، قال: فإني عاقبتُها بألا تحمل إلا كرهًا، ولا تضع إلا كرهًا، وأدميتها في كل شهر مرتين”، وأخرج البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – نَحْوَهُ يَعْنِى « لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا »، إشارة إلى سبقها آدم الأكل، أو طلبها منه؛ حيث قالت له: أكلتُ ولم يحدث شيء، فشجعته على الأكل، والخيانة هنا ليست الخيانة في العرض، وإنما ميل الأنثى لفرض رأيها على زوجها، ولو كانت على خطأ، قال ابن حجر: “وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك في طبعهن، فلا يُفرِط في لوم مَن وقع منها شيء من غير قصد إليه”، الحديث الأول ليس بالقوي، ولو صححه الحاكم، وذكر ابن كثير ما يلي: “وكانت حواءُ أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حثته على أكلها، والله أعلم”، بَيْدَ أن القُرْآن عاتبهما كليهما، وهذا دليل الثنائية المشتركة في المخالفة، وآدم باعتباره الأصل فهو المسؤول الأول قبل حواء؛ قال الله تعالى : ﴿ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 22، 23].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قصة آدم عليه السلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المعلوم أن آدم عليه السلام كان نبيا مكلما ، ففي مسند أحمد : (قال أَبُو ذَرٍّ : .. قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ قَالَ « آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ». قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ قَالَ « نَعَمْ نَبِيٌّ مُكَلَّمٌ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ رُوحَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا آدَمُ قُبْلاً ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الأَنْبِيَاءِ قَالَ « مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيراً. وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ – أَوْ أَوَّلُ مَنْ جَحَدَ آدَمُ – إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلاً يَزْهَرُ فَقَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ. قَالَ أَيْ رَبِّ كَمْ عُمُرُهُ قَالَ سِتُّونَ عَاماً. قَالَ رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ. قَالَ لاَ إِلاَّ أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ. وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ فَزَادَهُ أَرْبَعِينَ عَاماً فَكَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتَاباً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةَ فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ وَأَتَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ لِتَقْبِضَهُ قَالَ إِنَّهُ قَدْ بَقِىَ مِنْ عُمْرِى أَرْبَعُونَ عَاماً. فَقِيلَ إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لاِبْنِكَ دَاوُدَ. قَالَ مَا فَعَلْتُ وَأَبْرَزَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ ». وقد حج آدم وجميع الرسل من بعده إلى بيت الله الحرام ، فقد روى البيهقي : ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ : حَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَقِيَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ فَقَالُوا : بُرَّ نُسُكُكَ يا آدَمُ لَقَدْ حَجَجْنَا قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ.
وعاش آدم عمرا مديدا ( ألف عام ) ، إلى أن أدركته الوفاة ، ففي مسند أحمد : (أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ أَيْ بَنِىَّ إِنِّي أَشْتَهِى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ. فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطُهُ وَمَعَهُمُ الْفُئُوسُ وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ فَقَالُوا لَهُمْ يَا بَنِى آدَمَ مَا تُرِيدُونَ وَمَا تَطْلُبُونَ أَوْ مَا تُرِيدُونَ وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ قَالُوا أَبُونَا مَرِيضٌ فَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ. قَالُوا لَهُمُ ارْجِعُوا فَقَدْ قُضِىَ قَضَاءُ أَبِيكُمْ. فَجَاءُوا فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ فَلاَذَتْ بِآدَمَ فَقَالَ إِلَيْكِ إِلَيْكِ عَنِّى فَإِنِّي إِنَّمَا أُوتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ خَلِّى بَيْنِي وَبَيْنَ مَلاَئِكَةِ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَقَبَضُوهُ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوا لَهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ الْقَبْرِ ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ثُمَّ قَالُوا يَا بَنِى آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ ». وجاء في سبل السلام : (أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { إنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبَضَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوهُ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ وَدَخَلُوا قَبْرَهُ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ الْقَبْرِ ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ثُمَّ قَالُوا : يَا بَنِي آدَمَ هَذَا سُنَّتُكُمْ } .وروى ابو داود : (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) قَالَ قَرَأَ الْقَعْنَبِيُّ الآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ ».
الدعاء