خطبة عن (بسواعد الشباب وحكمة الشيوخ ترقى الأمم )
نوفمبر 6, 2017خطبة عن قوله تعالى (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)
نوفمبر 11, 2017الخطبة الأولى (قصة الراهب : دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البيهقي في الشعب وصححه الألباني موقوفا في صحيح الترغيب والترهيب : (عن عبد الله بن مسعود (موقوفا) ، قال :« أن راهبا عبد الله في صومعته ستين سنة ، فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه ، ونزل إليها فواقعها ست ليال ، ثم سقط في يده فهرب ، فأتى مسجدا ، فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا ، فأتي برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه ، وأعطى آخر عن يساره نصفه ، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه فوضعت الستون في كفة ووضعت الستة في كفة فرجحت – يعني الستة – ثم وضع الرغيف ، فأرجح »
إخوة الاسلام
إذا تأملنا قصة هذا المتعبد الراهب ، فيمكن لنا أن نستلهم منها درسين عظيمين: أحدهما : فضائل السخاء ، ومنزلته عند رب الأرض والسماء ، والدرس الآخر : أضرار الزنا وعقوباته في الدنيا والآخرة ، وبداية نقول : إن هذا الراهب كان سخيا في عطائه ، وكريما مع جيرانه ، ومحسنا ومؤثرا غيره على نفسه، كما في قول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :(فأتي برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه ، وأعطى آخر عن يساره نصفه ، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه فوضعت الستون في كفة ووضعت الستة في كفة فرجحت – يعني الستة – ثم وضع الرغيف ، فأرجح » ، فالسخاء خلق يجب أن يتزين به كل إنسان ،وأن يتحلّى به كل مسلم ،فالسخاء صفة أحبها الله واتصف بها ،فهو سبحانه جواد كريم ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويعطى ولا راد لعطائه ، ولا تنفد خزائنه، وقد جمل الله بالسخاء أنبياءه ورسله؛ فقد كان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، فما سئل عن شيء فقال: لا… ففي مسند البزار (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَ ، وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ حَتَّى يَأْتِينَا شَيْءٌ فَنُعْطِيَكَ ،فَقَالَ عُمَرُ : مَا كَلَّفَكَ اللَّهُ هَذَا ، أَعْطَيْتَ مَا عِنْدَكَ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَلا تُكَلَّفْ قَالَ : فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ حَتَّى عُرِفَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ ، فَأَعْطِ وَلاَ تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالا ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ : بِهَذَا أُمِرْتُ ) . وهذا سيدنا ابراهيم عليه السلام ، لما جاءه ضيوفه ،قرب إليهم أغلى وأعظم ما يملك ، قال تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) (24): (27) الذاريات وكذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (رضوان الله عليهم) ففي غزوة العسرة ظهر السخاء في أرفع صوره، جاء أبوبكر بجميع ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماذا أبقيت لأولادك يا أبا بكر» قال بمنطق الإيمان: أبقيت لهم الله ورسوله. وجاء عمر بنصف ماله وتصدق عثمان بالكثير والكثير حتى لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه». ولو أن الناس يعلمون ما في الكرم والسخاء من مآثر وحسنات لأسرعوا ولجادوا بأنفسهم وأرواحهم في سبيل الحصول على هذه المفاخر. فالسخي يحبه الناس في حياته ،وبعد موته ،ويجلونه في حضرته وغيبته ،ويقلدونه في قوله، وفعله ، والسخي كلمته مسموعة ،وأمره مطاع ،ورأيه سديد ، وحكمه نافذ، والسخاء يقلل الأعداء ،ويكثر الأحباء ،ويغفر الزلات ، ويستر العيوب. وهو عمدة مكارم الأخلاق ،يفتخر به الأبناء والأحفاد ،وتتناقله الأخبار والركبان ،وتدونه الصحف والكتب ،ويسجله التاريخ بمداد الفخر على صفحات الأيام .
أيها المسلمون
وأما عن الدرس الثاني من الدروس المستفادة من قصة هذا الراهب فهو : كبيرة الزنا وأضرارها : فبسبب جريمة الزنا ، حُرم هذا الراهب العابد القرب من ربه ، والتبتل بين يدي مولاه وسيده ، مما جعله يهرب ، ولكن يهرب إلى أين ؟؟، فلا مهرب من الله إلا إليه ، ولهذا لجأ هذا الراهب إلى الله ، يقول ابن مسعود : (فأتى مسجدا ، فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا ) ، فحدث له كل ذلك بسبب وقوعه في الزنا ، وقد حذرنا الله منها ، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء: 32]. وَعَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله، أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: «أنْ تَجْعَلَ؟ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». متفق عليه. فالزنا يذهب بنور الإيمان من قلب الزاني ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :«لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، والزنا يبيح قتل مرتكبه ، كما في الصحيحين : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ ” والزاني يبغضه الله : ففي صحيح الجامع وغيره : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ:(أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ , وَالْفَقِيرُ المُختال , والشيخ الزاني , والإمام الجائر).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (قصة الراهب : دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والزاني لا يستجيب الله دعاءه : كما في صحيح الجامع عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه عن رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلاَّ اسْتَجابَ الله تَعَالَى لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِها أو عشارا” ، وترمي الزناة في فرن يصهر أجسامهم ويحرق أبدانهم ،ففي صحيح البخاري عن سَمُرَة بْن جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، ..فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ – قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ – فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ” قَالَ: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا» قَالَ: ” قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟ ” ” قَالاَ لِي: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي»، والزاني تذهب حسناته لمن انتهك أعراض نسائهم : ففي صحيح الترغيب عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “حُرمَةُ نساءِ المجاهدين على القاعِدين كحُرْمَةِ أمَّهاتِهِمْ، ما مِنْ رجلٍ مِنَ القاعِدينَ يَخْلِفُ رجُلاً مِنَ المُجاهِدينَ في أهْلِه فيخونَه فيهم؛ إلا وُقِفَ لَهُ يومَ القِيامَةَ فيأْخُذُ مِنْ حَسنَاته ما شاءَ، حتَّى يَرْضَى” والزنا إذا تفشى واستبيح يؤدي إلى زوال النكاح الشرعي القائم على شروط ومسؤوليات وحقوق وواجبات – والزنا يهدد النسل البشري والنوع الإنساني بالفناء لأن الزاني والزانية لا يقصدان التناسل بل يقصدان إطفاء الشهوة وإرواء الغريزة فقط . – والزنا يُعَرّض المجتمع للإصابة بالأمراض التناسلية القاتلة . – والزنا يقطع الأرحام ويضيع الأنساب ويفل الروابط بين أفراد المجتمع . – والزنا يسيء الخلُق ويعلم الوقاحة والسفاهة والغدر والخيانة . والمكر والخديعة ويقود للخضوع لسلطان الشهوة والغريزة – والزنا يشتت القلب في عشق النساء ويمرضه في الشوق إليهن ويجلب عليه الهم والحزن بسبب الخيانة ويهدد إيمان المؤمن بسبب الغفلة عن الله وأحكامه ، ويحرمه طمأنينة الإيمان لأنه إثم كبير وذنب عظيم
الدعاء