خطبة عن ( نهاية قارون، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
أبريل 9, 2016خطبة عن ( قصة قارون )
أبريل 9, 2016الخطبة الأولى ( فتنة قارون: المال والجاه والسلطان)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (76 ): (77) القصص
إخوة الإسلام
تناولت معكم في لقاء سابق قصة قارون ، وتوقفت معكم عند قوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص 76 ، 77 ، فكيف كانت إجابة قارون ؟ هل استجاب لوعظ الواعظين ونصيحة الناصحين ؟ أم كان من المكذبين الضالين ؟ هل كان من المتواضعين لله الشاكرين لنعمه ؟ أم كان من المتكبرين ؟ ، الذين أطغتهم النعمة ، وأعمى بصيرتهم المال ؟ لقد كان رده كما يصوره القرآن الكريم :(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) وفي ذلك معنيان ، فإما أن يكون قصده ، أن الله آتاني هذا المال لعلمه أنني استحقه ، وأني أهل له ، أو يكون مراده وقصده ، أني جمعت هذا المال بعلمي ، وعملي ، وذكائي وفطنتي ، وحسن تصرفي ، ومهارتي وتخطيطي في جمع المال ، هكذا كان رده ، وتلك كانت إجابته ، ونسي هذا الغافل المتكبر ، (والذي لا يخلو زمان من أمثاله ) ، نسي أن الذي منحه العقل والفكر هو الله ، والذي وهبه النعم هو الله ، وأنه سبحانه قادر على أن يسلبه النعم في أقل من طرفة عين ، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) ، فيقول الله تعالى إجابة على كلامه (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، فالله جل وعلا قادر على إهلاكه كما أهلك من الأمم السابقة من هو أقوى منه ، وأغنى منه ، ألم يغرق قوم نوح ، ألم يهلك عادا قوم هود ، ألم تأخذ الصيحة ثمود قوم صالح ، غيرهم ، وغيرهم ، وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ) الانعام 6 ، وقال سبحانه :(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) ، فالله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ، يمهل عبده ويمنحه فرصة للتوبة والرجوع إلى الله ، فإذا زاد في غيه وبطره وكبريائه ، أخذه أخذ عزيز مقتدر ، وهكذا كان الحال مع قارون ، أراد أن يستعرض قوته أمام الناس ، ويظهر لهم ما فيه من كثرة المال والخدم والحشم ، قال تعالى :( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) ، خرج من قصره في موكب مهيب ، وزينة فاخرة فاتنة ، واضعا فوق رأسه التيجان ، والجواهر ، وحوله الحراس ،والخيول عليها الفرسان ، والوصيفات يغنين من ورائه ، الكل فرح بطلعته البهية ، والكل خاضع لقوته الفتية ، والمعازف والمغنيات ، والطبول والهتافات ، وبينما هم على تلك الحال ، والموكب يمر في الشوارع والطرقات ، وقف الناس ينظرون إلى هذا المنظر المهيب والعجيب ، فقال الذين فتنوا بزهرة الحياة الدنيا وزينتها كما في قوله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، لقد تمنوا أن يكونوا مثله في غناه وزينته وسلطانه ، ونسي هؤلاء أن التفاخر والتزين لجذب أنظار الناس أمر ممقوت ، لا يحبه الله بل يبغضه ، ففي سنن أبي داود (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – قَالَ فِى حَدِيثِ شَرِيكٍ يَرْفَعُهُ – قَالَ « مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ ». زَادَ عَنْ أَبِى عَوَانَةَ « ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ ». وفي رواية لابن ماجه (« مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ ». وفي سنن أبي داود « وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ». قَالَ بِشْرٌ أَحْسِبُهُ قَالَ « تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ وَمَنْ زَوَّجَ لِلَّهِ تَعَالَى تَوَّجَهُ اللَّهُ تَاجَ الْمُلْكِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الأولى (فتنة قارون)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كانت هناك فئة كثيرة من الناس ، قد فتنتهم الدنيا بزينتها وزخرفها ،فهناك أيضا فئة قليلة من الناس آتاها الله العلم والفهم والفقه ، فأنار به بصيرتهم ، وجلى به قلوبهم ، ففقهوا الأمر ، وعرفوا حقيقة الدنيا ، فلم تجذبهم مفاتنها ، ولم يغتروا بها ، ولم يخدعوا ببريقها ،فماذا قال هؤلاء المؤمنون حينما شاهدوا موكب قارون في زينته ، ، قال تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) ، نعم ، ويلكم ، ويلكم يا من أحببتم الدنيا وعشقتم مفاتنها ، ويلكم يا من رضيتم بالحياة الدنيا ، واتخذتموها لكم دارا وقرارا ، ويلكم ، ثواب الله في الدار الآخرة ، ونعيم الجنة خير لعباده المؤمنين ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) ، نعم ، (ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) ، فمن آمن بالله ، ورضي بقضائه وقدره ، واحتسب عند الله أجره ، وعمل صالحا ، وصبر على البلاء وشكر في الرخاء ، فثواب الله له خير وأبقى ، ففي مسند أحمد (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ آمَنَ وَرُزِقَ كَفَافاً وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِهِ ». وفيه (قَالَ أَبُو ذَرٍّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلإِيمَانِ وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيماً وَلِسَانَهُ صَادِقاً وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً وَجَعَل أُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً فَأَمَّا الأُذُنُ فَقِمَعٌ وَالْعَيْنُ مُقِرَّةٌ بِمَا يُوعِى الْقَلْبُ وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ وَاعِياً ».وفي المستدرك (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( خلق الله جنة عدن و غرس أشجارها بيده فقال لها تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون) ونستكمل القصة في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء