خطبة عن حرمة الدماء (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ)
فبراير 22, 2020خطبة عن (صلاح البال)
فبراير 26, 2020الخطبة الأولى ( قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (87) ،(88) المائدة، وقال الله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) 31، 32 الأعراف
إخوة الإسلام
الإسلامَ منهجُ حياة متكامل لجميع شؤون الإنسان : الاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، والسياسية، والعلمية، والفكرية، وغيرها. والإنسان جسدٌ وروحٌ، ولكل واحد منهما غذاؤه الذي يحافظ به على حياته، ونموّه، وبقائه، ولما كانت الصحة والعافية من أجلِّ نِعَم الله على عباده، وأجزل عطاياه، وأوفر مِنَحِه، بل العافية المطلقة من أجلِّ النعم على الإطلاق، فحقيقٌ على من رُزِقَ حظًّا من التوفيق حفظها، وحمايتها مما يضادها؛ وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ » ، وفي سنن الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا »، ومن أهم قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام: أولا : تجنُّب الإسراف في الطعام : قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (31) الأعراف ، قال ابن عباس- رضي الله عنهما- : “أحل الله الأكلَ، والشربَ، ما لم يكن سرفًا، أو مخيلة” ، وقال الإمام الماوردي في تفسير الآية: “لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع؛ فإنه مُضِرٌّ؛ ، وقال الأستاذ رشيد رضا في “تفسير المنار”: “الأصل في الإسراف تجاوز الحد في كل شيء بحسبه، والحدود منها طبيعي؛ كالجوع، والشبع، والظمأ، والرِّي، فلو لم يأكل الإنسان إلا إذا أحس بالجوع، ومتى شعر بالشبع كف، وإن كان يستلذُّ الاستزادة، ولو لم يشرب إلا إذا شعر بالظمأ، واكتفى بما يزيله ريًّا، فلم يزد عليه لاستلذاذ بَرَدِ الشراب، أو حلاوته- لم يكن مسرفًا في أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعًا له” ، فالنهي في الآية يتناوَل الزيادةَ على قدر الحاجة، من الطعام، مما يلحق الضرر بالبدن، وإن كان المأكولُ مباحًا، فالوعيد في الآية يشمله، واللهُ- جل وعلا- لا ينهى عن شيء إلا وفيه الضررُ المحقق للإنسان، إما عاجلاً في الدنيا، أو آجلاً في أخراه.
وأما الأضرارُ الناجمةُ عن الإسراف في الطعام، ومجاوزة حد الشبع، والاعتدال فيه- فكثيرةٌ جدًّا، ومنها : الأول : ضررٌ شرعيٌّ: وهو الوقوع فيما نهى الله ورسوله عنه، على قول من يقول بالحرمة فيمن أكل زيادةً على حاجته، وجاوز حد الشبع ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ » ، وفي سنن الترمذي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، (وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ ». رواه ابن ماجة ، الضرر الثاني : ضررٌ يلحَقُ بالبدن، أو يؤثر فيه سلبًا، أو عضو من أعضائه، فإن كثرة الطعام وتجاوز الحد إلى درجة الشبع يُفضِي إلى فساد الجسم، ويورثه الأسقام، ويكسل عن الصلاة؛ فقد روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذلك، حيث قال : “إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد عن السرف، وإن الله تعالى ليبغض العبد السمين، وأن الرجل لن يهلك حتى يؤْثر شهوته على دينه” ، الضرر الثالث : ضرر يلحَق بالقلب والعقل، أو يؤثر فيه سلبًا؛ فيعوقه عن بعض مهامِّه، أو عن القيام بها على الوجه الأكمل ، فالقلب والبدن هما أشرف أعضاء البدن؛ إذ بهما يكون التمييز، والإدراك، ومعرفة الحق والباطل، والصواب والخطأ في الأشياء والمحسوسات، وأخطر الأمراض ما يصيب أحدهما مما يؤثر في البدن تأثيرًا بليغًا بيِّنًا، وقد جاء في وصايا لقمان لابنه: “يا بني، إذا امتلأتِ المعدة؛ نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة” ، وقال الغزاليُّ : “أن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر البخار في الدماغ؛ فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار، وعن سرعة الإدراك” ، والشبع يفسد رقَّة القلب وصفاءَه، الذي به يتهيَّأ لإدراك لذَّة المثابرة، والتأثُّر بالذكر”، وأورد عن أبي سليمان الداراني قوله: “إذا جاع القلب وعطش، صفا ورَقَّ، وإذا شبع عمي وغلظ” ، وقال: “إن الإفراط في الشبع يزيدُ في قوة الشهوات، وهي منشأ المعاصي”،
أيها المسلمون
ومن أهم قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام : ثانيا : الأكل على قدر حاجة الجسم من الطعام ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ».، فأخبر النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه يكفيه لقيماتٌ يقمن صلبَه؛ فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، وهذا من أنفع ما يكون للبدن والقلب، فإنَّ البطن إذا امتلأ من الطعام؛ ضاق عن الشراب، فإذا أورد عليه الشراب؛ ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعَب؛ مما يسبب فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع، فامتلاء البَطْن من الطعام مُضِرٌّ للقلب والبدن، هذا إذا كان دائمًا، أو أكثريًّا، وأما إذا كان في بعض الأحيان فلا بأس، فالشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهم قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام : ثالثا : أن الحميَّة أصلٌ من أمن أصول صحة جسم الإنسان : ويقصد بالحمية: احتماء الإنسان من الطعام، سواءٌ كان مريضًا أم سليمًا، وإن كانت تُطلَق في حق المريض أكثر ، والمعلوم أنَّ للطعام شهوةً ولذةً ينجذبُ بسببها الشَّرِه من الناس، والذي لا يَضبِط نفسَه عند رؤية الطعام اللذيذ، ذي النكهة العطرة، والإعداد الأنيق، والمنظر البديع ،وفي سنن الترمذي : (عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ عَلِىٌّ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ وَعَلِىٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ « مَهْ مَهْ يَا عَلِىُّ فَإِنَّكَ نَاقِهٌ ». قَالَ فَجَلَسَ عَلِىٌّ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ. قَالَتْ فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:« يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ » ، والحمية من أنواع الطعام، أمرٌ يمارسه الأطباء يوميًّا، فمريضُ السُّكَّر لديه قائمةٌ طويلةٌ من الأطعمة الممنوع تناولها، وكذلك مريض ضغط الدم، ومريضُ الكُلَى، ومريض المعدة، والأمعاء، والمصاب بارتفاع الدهنيات في دمه له حمية خاصة، كما أن هناك الحميةَ العامةَ للتخفيف من آثار السمنة
ومن أهم قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام : رابعا : تنظيم أوقات الطعام، وتجنب الأكل بين وجبات الطعام بإدخال طعام على طعام ، فالمتعارَفُ عليه عند الناس أن وجبات الطعام ثلاثٌ : إفطار، وغداء، وعشاء ، وقد سُئِلَ الحارث بن كلدة عن الداء الدويِّ الذي قتل البرية وأهلك السباع في البرية، فقال: إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام ، وسُئِلَ جالينوس: مالَكَ لا تمرضُ؟ فقال: لأني لم أدخل طعامًا على طعام ، وأوصى أحد الأطباء المأمون الخليفةَ العباسي بخصالٍ مَنْ حفظها، وعمل بها، فهو جديرٌ ألا يمرض إلا مرض الموت، فذكر منها: لا تأكل طعامًا، وفي معدتك طعامٌ.
ومن أهم قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الإسلام : خامسا :اختيار أفضل أنواع الطعام، وتجنُّب أردئه : وهذا مما يهمله كثيرٌ من الناس؛ لعدم معرفتهم بما يفيد من الطعام لجسم الإنسان وصحته، فالإسلام اعتبر الطعام والغذاء وسيلةً لا غايةً، فالغذاء والطعام وسيلةٌ ضروريةٌ لا بد منها لحياة الإنسان، والقصد منها بناءُ جسم الإنسان؛ لتعويضه ما يفقده؛ بسبب مجهوداته المختلفة، والمحافظة على نموه نموًّا سليمًا، ولحفظه من الأمراض التي تعترض حياة الإنسان، ثم إعطاء الجسم القدرة والقوة الكافية؛ للمحافظة على أجهزته وأعماله ، وقد قسَّم الأطبَّاء علماءُ التغذية وظائفَ الطعام في جسم الإنسان إلى ثلاثِ وظائف رئيسيةٍ هي: الحصول على الطاقة والحرارة، وبناء وتعويض أنسجة الجسم، وتنظيم أعمال الجسم الداخلية، والوقاية من الأمراض ،ولو تأمَّلنا طعامَ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لوجدناه يحتوي على جُلِّ ما سبق ذكره، قال ابن القيم في “زاد المعاد”: كان- صلَّى الله عليه وسلَّم- يأكل ما جرت عادة أهل بلده، بأكله من اللحم، والفاكهة، والخبز، والتمر، وغيره، وكان يأكل الرُّطَبَ والبِطِّيخَ، وإذا عافت نفسُه شيئًا لم يأكلْه، ولم يحمِّلْها إياه على كُرْهٍ، وهذا أصلٌ عظيمٌ في حفظ الصحة .
الدعاء