خطبة عن (العقوبات في الإسلام: أهدافها وأنواعها والشبهات المثارة حولها)
يوليو 21, 2018خطبة عن (من أخلاق المسلم: الشورى)
يوليو 21, 2018الخطبة الأولى ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) النحل (10) :(17)
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر والمتفكر في الآيات السابقة ، يتبين له أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الآيات البينة ،والدلائل الواضحة ،والناطقة والشاهدة على عظيم قدرته ، وبديع خلق ، والدالة أيضا على وجود القادر الحكيم ، فقد أتبعه سبحانه وتعالى بذكر إبطال عبادة غير الله تعالى ، فهذه الدلائل الباهرة ، والبينات الزاهرة القاهرة ، هي شاهدة على وجود إله قادر حكيم ، وتثبت أنه سبحانه هو المولى لجميع هذه النعم ،والمعطي لكل هذه الخيرات ، فكيف يحسن في العقول الاشتغال بعبادة موجود سواه؟ ، لا سيما إذا كان هذا الموجود جمادا لا يفهم ولا يقدر ، فلهذا قال الله تعالى بعد تلك الآيات : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) ،والمعنى :أفمن يخلق هذه الأشياء التي ذكرناها كمن لا يخلق؟ ، بل لا يقدر البتة على شيء ،(أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) ، فإن هذا القدر لا يحتاج إلى تدبر وتفكر ونظر ، ويكفي فيه أن تتنبهوا على ما في عقولكم من أن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم ، وأنتم ترون في الشاهد إنسانا عاقلا فاهما ينعم بالنعمة العظيمة ، ومع ذلك فتعلمون أنه يقبح عبادته ، فهذه الأصنام جمادات محضة ، وليس لها فهم ولا قدرة ولا اختيار ، فكيف تقدمون على عبادتها ؟ ! وكيف تجوزون الاشتغال بخدمتها وطاعتها ؟ ومن الملاحظ أن الاستفهام في قوله- سبحانه-: ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ) .. هو استفهام للإنكار والتوبيخ لأولئك الذين عبدوا غير الله- تعالى- وكأنه يقول لهم : إن فعلكم هذا لدليل واضح على جهلكم- أيها المشركون- وعلى انطماس بصيرتكم، وقبح تفكيركم. وفي قوله- سبحانه-:( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) زيادة في توبيخهم وفي التهكم بهم.، فإذا تذكروا ما ذكرهم الله به , وهم يعلمونه , لم يشركوا معه غيره .. فإن مقتضى الإقرار بأصول الربوبية : امتثال لتوحيد الإلهية , ولكن الله حكى عنهم أنهم مقرون بالأول( توحيد الربوبية )، مخالفون للثاني ( توحيد الألوهية) , كقوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (31) ،(32) يونس ،فتأمل معي : كيف احتج الله بالأول عليهم ،لتركهم مقتضاه ،وهو إفراده بالعبادة .. بكل ما يدخل في العبادة من معنى من تشريع ودعاء وغيره .. وقال الله تعالى (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (67) مريم ،فإذا ذكر الانسان هذه النشأة الأولى ، كان لزاما عليه ،أن يحقق العبودية التي بعثت من أجلها الرسل.. فهل بلغ بكم السفه والجهل أنكم سويتم في العبادة بين من يخلق ومن لا يخلق، والحال أن هذه التسوية لا يقول بها عاقل، لأن من تفكر أدنى تفكر، وتأمل أقل تأمل، عرف وتيقن أنه لا يصح التسوية في العبادة بين الخالق والمخلوق، فهلا فكرتم قليلا في أمركم، لكي تفيئوا إلى رشدكم، فتخلصوا العبادة لله الخلاق العليم.
أيها المسلمون
وإن نصوص الوحي من القرآن والسنة ،دلت على أن التسوية بين الخالق والمخلوق في المحبة شرك أكبر ،مخرج من الملة، فمن أحب غير الله محبة عبودية ،أي محبة تستلزم كمال الذل وكمال الخضوع، فقد أشرك مع الله غيره. فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾.. {البقرة، 165}. وإن كانت هذه الآية في الأصنام وأهل الشرك – كما قال أهل التفسير- لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم عند أهل العلم. وقال العلماء: لقد بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتحقيق التوحيد الخالص، وتجريده ،ونفي الشرك بكل وجه ،حتى في الألفاظ، ففي سنن ابن ماجة وغيره (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ لَقِىَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ. وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَعْرِفُهَا لَكُمْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ » ، وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلاً بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ » ، فلا يجوز أن تكون محبة المخلوق وتعظيمه كائنا من كان مساوية لمحبة الخالق سبحانه وتعالى وتعظيمه ، وعلى المسلم أن يتبع نهج النبي- صلى الله عليه وسلم- السلف الصالح ويحذر من الإفراط والتفريط اللذين هما من أخطر أسباب الهلاك. فالله سبحانه أمر بأن تصرف العبادات كلها له وحده، الدعاء وغيره، فمن صرف شيئاً منها لغير الله على سبيل المشاركة أو الاستقلال فقد أشرك بالله العظيم ،وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب ،وأن الله لا يغفره إذا مات العبد عليه، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ النساء (48).
أيها المسلمون
تفكروا في الله وعظمته ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَطْوِى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ثُمَّ يَطْوِى الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ». تفكروا في الله وعظمته، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ – وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ النَّارُ – لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ » ، فلنتفكر في عظمته سبحانه وتعالى ، ففي صحيح البخاري : (قَالَ صلى الله عليه وسلم : « كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ » ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ – قَالَ – وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ». تفكروا في عظمة الله، فما السموات السبع في الكرسي بالنسبة لكرسي الله إلا كحلقة ملقاة في فلاة في صحراء من الأرض، ففي صحيح ابن حبان : (قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقا بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ) ، وكما أن ربنا عظيم ، فربنا العظيم هو رحيم وكريم، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِى »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التي نستلهمها ونستنبطها من خلال النظر والتأمل والتدبر في هذه الآيات : – أن الذي يخلق هو الله، والذي لا يخلق هو كل شيء غير الله، والمقصود به ما يعبده العرب من الأصنام، ويندرج تحت الدلالة كل ما يعبد من دون الله في أي زمان أو أي مكان. – وأن الله سبحانه عبر في الآيات عن الأصنام غير العاقلة بصيغة التعبير عن العاقل (من لا يخلق) وليس: “ما لا يخلق “؛ لأن المشركين أجروها مجرى العقلاء بعبادتها. – وإن المقصود في الآيات نفي أن يكون العقلاء شركاء لله، وبالأولى فالجمادات أبعد من أن يكونوا شركاء لله. – ولقد جاء التعبير بـقوله تعالى : ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ وليس ” تفكرون ” أو ” تعقلون ” لأن الأمر ظاهر واضح لا يحتاج إلا إلى إزاحة الغفلة عن هذه القلوب وهذه العقول. – وأن الاستفهام في الآيات إنكاري بمعنى إنكار الواقع؛ لأنهم فعلا عبدوا الأحجار فجعلوا من خلق الوجود كمن لَا يخلق شيئا، وهو ذاته مخلوق ميت لَا حياة فيه إذ هو جماد من الجمادات وحجر من الأحجار. – وأن (الفاء) في قوله: ﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ ﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإنه يترتب على أن الله تعالى خالق الأشياء والنعم والأنفس، وبذلك يكون هو المعبود وحده. – وأن هذه المقارنة بين الحي الخلاق العليم، وبين الأصنام الميتة المخلوقة لتقرير بطلان عبادة غير الله تعالى لأن من يَخلُق ليس كمن لا يَخلَق. – وأن الله تعالى إلهكم أيها الناس وهو إله واحد لا إله إلا هو المعبود بحق إذ هو وحده الخالق المدبر لهذا الكون، وهو فاطر السموات والأرض فكيف يعبد غيره من المخلوقات بل من الأحجار والأوثان والجمادات والقبور؟ وإذا كان هو الحق لا شك فيه، فما سبب هذا الشرك؟ – وفي هذه الآيات تبكيت للمشركين وإبطال لإشراكهم بإنكار أن يساويه ويستحق مشاركته، ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك. – ومخلوقات الله الدالة على وجوده وتفرده بالربوبية وبديع صنعته فتستدلون بها على ذلك، فإنها لوضوحها يكفي في الاستدلال بها مجرد التذكر لها لا يحتاج إلى دقيق الفكر والنظر. – وأن العبادة لا تليق إلا بالمنعم الأعظم، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادة من لا يستحق العبادة ويترك عبادة من يستحقها. – وخلق الله عظيم محكم فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه. – وأن الله سبحانه لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، لقوله سبحانه : ﴿ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ آل عمران: 47]. – وأخبر الله تعالى عن نفسه أنه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى : ﴿ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16]. وقال سبحانه ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ ﴾ [فاطر: 3]. – ويجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الخلق العظيم لهوا ولعباً، ولا خلقه عبثا وإنما خلقه لغاية عظيمة ، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: 56-57]. – وأن هناك فئة من الناس عرفوا الغاية التي لأجلها خلقوا، ولكنهم قصروا وأساءوا، وأضلوا الطريق فعبدوا الله على جهل، وابتدعوا في دين الله مالم يأذن به الله.
الدعاء