خطبة عن (فضائل التابعين وحديث :خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)
نوفمبر 3, 2018خطبة عن : (الحلم) من أخلاق المسلم
نوفمبر 3, 2018الخطبة الأولى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (258) البقرة
إخوة الإسلام
هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، تنقل لنا وقائع تلك المناظرة العجيبة ،التي حدثت بين نبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) ، وبين ملك من ملوك زمانه، قيل أن اسمه : (النمرود ابن كنعان) ،وكان هذا الملك ملكاً جباراً ، يدعي أنه الرب وأنه رب العالمين، وقد مُنح ملك الأرض ، فإن الأرض قيل أنه قد ملكها أربعة، كافران وهما: “النمرود” هذا “وبختنصر” ومسلمان وهما: “ذو القرنين” و “سليمان بن داود” عليهما السلام. فالحاصل أن هذا النمرود كان جبارا عنيدا، وكان يدعي الملك، ويدعي أنه رب العالمين ، فجاءه نبي الله ابراهيم عليه السلام ودعاه إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده ، وهذه هي دعوة كل الأنبياء والرسل ، فدعوتهم جميعا واحدة، من آدم عليه السلام إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، دعوتهم كما قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) النحل 36، فجاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام إلى هذا الملك ، يدعوه إلى الله سبحانه وتعالى ، فلم يستجب له ، بل ودخل معه في مجادلة وفي مناظرة، يريد من خلالها أن يثبت كذب نبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) في دعواه ، وصدقه هو فيما ادعاه ،وقد جاء في تفسير ( السعدي ) : يقول تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } أي: إلى جرائته وتجاهله وعناده ومحاجته فيما لا يقبل التشكيك، وما حمله على ذلك إلا { أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ } ،فطغى وبغى ،ورأى نفسه مترئسا على رعيته، فحمله ذلك على أن حاج إبراهيم في ربوبية الله ،فزعم أنه يفعل كما يفعل الله، { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي: هو المنفرد بأنواع التصرف، وخص منه الإحياء والإماتة لكونهما أعظم أنواع التدابير، ولأن الإحياء مبدأ الحياة الدنيا والإماتة مبدأ ما يكون في الآخرة، فقال ذلك المحاج: { قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ولم يقل أنا الذي أحيي وأميت، لأنه لم يدع الاستقلال بالتصرف، وإنما زعم أنه يفعل كفعل الله ويصنع صنعه، فزعم أنه يقتل شخصا فيكون قد أماته، ويستبقي شخصا فيكون قد أحياه، فلما رآه إبراهيم يغالط في مجادلته ويتكلم بشيء لا يصلح أن يكون شبهة فضلا عن كونه حجة، اطرد معه في الدليل {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ } أي: عيانا يقر به كل أحد حتى ذلك الكافر { فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } وهذا إلزام له بطرد دليله إن كان صادقا في دعواه، فلما قال له أمرا لا قوة له في شبهة تشوش دليله، ولا قادحا يقدح في سبيله { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } أي: تحير فلم يرجع إليه جوابا وانقطعت حجته وسقطت شبهته، وهذه حالة المبطل المعاند الذي يريد أن يقاوم الحق ويغالبه، فإنه مغلوب مقهور، فلذلك قال تعالى: { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } بل يبقيهم على كفرهم وضلالهم، وهم الذين اختاروا لأنفسهم ذلك، وإلا فلو كان قصدهم الحق والهداية لهداهم إليه ويسر لهم أسباب الوصول إليه،
أيها المسلمون
وهذه المناظرة بين نبي الله إبراهيم ( عليه السلام ) وبين هذا الملك الكافر، والطاغية (النمرود) وأمام هذا الجمع من الناس ، قد حققت مقصدها ،وهدفها الدعوي ، حيث ظهر الحقّ ، وأسقط الباطل ، حين كانت النتيجة بعد المناظرة: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ). ومناظرة إبراهيم (عليه السلام ) ،كانت ضمن منهج الحوار الهادف إلى الإقناع بعقيدة التوحيد ،لذلك تدرَّج معه في الحجّة، ولما لمس عناده وإصراره ،اضطر أن يعطيه حجّة بالغة ،أحدثت صدمة فكرية له ،رافقتها حالة حيرة وقلق، وهذا خير الأساليب لاستنفار الفطرة السليمة في الإنسان، لتتجه به إلى طريق الحقِّ ، ولذلك قالوا: لا تصحُّ المناظرة ،ويظهر الحقُّ بين المتناظرين ،حتى يكونا متقاربين ،أو متساويين في مرتبة واحدة من الدين، والعقل، والفهم، والإنصاف، وإلا فهو مراء ومكابرة. والمؤمن يحاجج ويناظر داعياً إلى الله وإلى سبيل الحقِّ، وأسلوبه يقوم على اللِّين وتزيين الخطاب، وقوة الحجة لاستمالة المدعوين، ولا يصح أن يكون فعله لغاية المباهاة ،وكسب الشهرة ، ومن الواضح أن هذه المناظرة مع النمرود بيَّنت بعض اللطائف التالية: – إنّ حامل الرسالة، ومن يكون في موقع القيادة الدعوية والفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية وسوى ذلك، لا يجوز له أن يهادن معتدياً، أو أن يهادن مفسداً، أو أن يساير صاحب سلطة ،تحقيقاً لمصلحة خاصة، فنبي الله إبراهيم (عليه السلام ) قاوم مزاعم النمرود، وثار على عقيدته الفاسدة ،مع علمه بإجرامه ، وعدوانيته. – ولا يجوز لأي شخص من قادة الرأي في المجتمع ،أن يتصرف على أنّه إمَّعة؛ بل عليه أن يلتزم الموقف السليم، ولا يواكب الخطأ ،حتى لو سار فيه كلُّ قومه ، وهذا هو نبي الله إبراهيم (عليه السلام ) يرفض الاستجابة للنمرود ،رغم أنّ القوم جميعاً قد أطاعوه. – وأن الداعي إلى الله يتدرج في استخدام الحجج والبراهين، وأن يعمل على استخدام المادة التي تنتشر في علوم القوم كي يواكب الحوار. – وأن يناظر المعاند المتقدم في قومه بحضورهم ،كي يكون إفحامه من خلال الحجة ،سبيلاً لكسر هيمنته عليهم، فبذلك يحررهم ،ويأتي بهم إلى سبيل الرشاد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي هذه الآية الكريمة من كتاب الله فوائد وعبر ،ودروس كثيرة، يمكن لنا أن نستخلصها ، ونستفيد منها ، فمن هذه الفوائد ، وتلك الدروس ، والعبر : أولا : في هذه الآية برهان قاطع على تفرد الرب بالخلق والتدبير، ويلزم من ذلك أن يفرد بالعبادة والإنابة والتوكل عليه في جميع الأحوال، ثانيا : بيان كيف تصل الحال بالإنسان إلى هذا المبلغ الذي بلغه هذا الطاغية؛ وهو إنكار الحق لمن هو مختص به، وادعاؤه المشاركة؛ لقوله: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ). ثالثا : أن المحاجة لإبطال الباطل، ولإحقاق الحق من مقامات الرسل؛ لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) . رابعا : أن النعم قد تكون سبباً للطغيان؛ لأن هذا الرجل ما طغى وأنكر الخالق ،إلا لأن الله آتاه الملك؛ ولهذا أحياناً تكون الأمراض نعمة من الله على العبد؛ والفقر والمصائب تكون نعمة على العبد؛ لأن الإنسان إذا دام في نعمة، وفي رغد، وفي عيش هنيء فإنه ربما يطغى، وينسى الله -عز وجل-. خامسا : أن ملك الإنسان ليس ملكاً ذاتياً من عند نفسه؛ ولكنه معطى إياه؛ لقوله تعالى: (أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ) ، سادسا : بيان فضيلة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، حيث قال مفتخراً، ومعتزاً أمام هذا الطاغية: (رَبِّيَ )؛ فأضافه إلى نفسه، كأنه يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى ربه. سابعا : أن الإحياء والإماتة بيد الله -عز وجل-؛ لقوله تعالى: (يُحْيِي وَيُمِيتُ)؛ إذاً فاعتمد على الله -عز وجل-، ولا تخف، ولا تقدر أسباباً وهمية. ثامنا : أن الإنسان المجادل قد يكابر فيدعي ما يعلم يقيناً أنه لا يملكه؛ لقول الرجل الطاغية: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ) ؛ ومعلوم أن هذا إنما قاله في مضايقة المحاجة؛ والإنسان في مضايقة المحاجة ربما يلتزم أشياء لو رجع فيها إلى نفسه لعلم أنها غير صحيحة؛ لكن ضيق المناظرة أوجب له أن يقول هذا إنكاراً، أو إثباتاً. تاسعا : إثبات أن من جحد الله فهو كافر؛ لقوله تعالى: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ؛ عاشرا : أن من أخذ بالعدل كان حرياً بالهداية؛ لمفهوم المخالفة في قوله تعالى: (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ؛ فإذا كان الظالم لا يهديه الله، فصاحب العدل حري بأن يهديه الله -عز وجل-؛ فإن الإنسان الذي يريد الحق ويتبع الحق -والحق هو العدل- غالباً يُهدى، ويوفّق للهداية. الحادي عشر : هذه الآية تدل على جواز تسمية الكافر ملكاً إذا آتاه الملك والعز والرفعة في الدنيا، وتدل على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة .
الدعاء