خطبة (أُحِبُّكَ رَبِّي) محبة الله تعالى
مايو 29, 2020خطبة عن (دروس تربوية من قصة موسى والخضر)
مايو 30, 2020الخطبة الأولى ( أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (24) ، (25) النجم
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .. القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) (24) ،(25) النجم ، فقد جاء في تفسير الطبري: يقول – تعالى ذكره – : أم اشتهى محمد – صلى الله عليه وسلم – ما أعطاه الله من هذه الكرامة التي كرمه بها من النبوة والرسالة ، وأنزل الوحي عليه ، وتمنى ذلك ، فأعطاه إياه ربه ، فلله ما في الدار الآخرة والأولى ، وهي الدنيا ، يعطي من شاء من خلقه ما شاء ، ويحرم من شاء منهم ما شاء .. وفي تفسير الوسيط لطنطاوي : ( أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى ، فَلِلَّهِ الآخرة والأولى ) ، قال : فالمقصود من الآيتين الكريمتين ، نفى ما كان يتمناه أولئك المشركون من شفاعة أصنامهم لهم يوم القيامة ، كما حكى عنهم – سبحانه – ذلك في قوله تعالى : (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) الزمر 3، ونفي ما كانت تتطلع إليه نفوس بعضهم ، من نزول القرآن عليه ، أو من اختصاصه بالنبوة . فقد حكى – سبحانه – عنهم قولهم : ( … لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ ) الزخرف 31، كما أن المقصود بها كذلك ، ترويض النفس البشرية على عدم الجري وراء ظنونها وأهوائها ، بل عليها أن تتمسك بالحق ، وأن تعتصم بطاعة الله – تعالى – وأن تباشر الأسباب التي شرعها – سبحانه – ، ثم بعد ذلك تترك النتائج له يسيرها كيف يشاء ، فإن له الآخرة والأولى . وفي قوله تعالى : (أم للإنسان ما تمنّى؟) فهذا إستفهام إنكاري، وحيث أنّ جواب هذا الإستفهام أو السؤال بالنفي قطعاً، لأنّ الإنسان لا ينال كثيراً من أمانيه أبداً، وهذا يدلّ على أنّ تدبير هذا العالم بيد اُخرى تتحكّم في هذا العالم، ولذلك فإنّ الآية الثانية تقول: حيث كان الأمر كذلك (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى) ،وقد روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا تَمَنِّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَا يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ ». ،فالإنسان قد يتصور أنه يعيش وفق أحلامه وآماله، ويظن أنه يفرض أمانيه على الحياة، وهو بهذا مخدوع، فإن الإنسان في هذه الحياة يحيا داخل إطار صنعه الغالب على أمره ، والقاهر فوق عباده، ومهما كان الإنسان حرًّا في قدرته وإرادته ، فهو محكوم في إطار القدرة العليا ، والإرادة العظمى : (فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى). وقد وضح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى في الحديث الذي رواه الامام البخاري: (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ خَطَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِى فِي الْوَسَطِ ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِى فِي الْوَسَطِ ،وَقَالَ « هَذَا الإِنْسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ – أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ – وَهَذَا الَّذِى هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا »
أيها المسلمون
وليس المقصود من قوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى) النجم (24) ، أن لا يسعى الانسان في تحقيق آماله وأمنياته المشروعة ،ولكن عليه أن يعمل بالأسباب ويرضى بالنتائج ، عليه أن يتوكل على الله بقلبه ، ويعمل بجوارحه ، ويحمد الله على كل حال ، واعلموا أن الإيمان بالله ، ونظرة الإنسان الإيجابية للحياة ، وتفكيره الواقعي ، وقناعاته الشخصية ، من الأسباب التي تحقق للإنسان مبتغاه ،لذا فعلينا في حالة عدم تحقق أحد الأهداف ، ألا نعجز ونتوقف ، وأن لا نقف عند هدف واحد فشلنا في تحقيقه وكأن الزمن توقف عنده ، بل علينا أن نضع هدفاً كبيراً ونقسمه إلى أهداف صغيرة ،ونسعى لتحقيقها ، فإن لم يتحقق أحدها ، سعينا لتحقيق الآخر. فالحياة كفاح مستمر ، كما يجب أن لا تكون نظرتنا ضيقة ، ونتقوقع على أنفسنا إذا فشلنا في تحقيق هدف ما ، فالفشل كما قيل هو بداية النجاح،
إذن فعلينا أن نتعلم من أخطائنا ، وأن لا نرمي تلك الأخطاء على الزمان ، أو الحظ أو الناس لنريح أنفسنا من تحمل المسؤولية ،في مقابل جعل تلك الأشياء بمثابة شماعة نعلق عليها أخطاءنا، بل إن منتهى القوة أن نعترف بأخطائنا ونستفيد من هذه الأخطاء لتفادي الوقوع فيها مستقبلاً. كما يجب علينا في سعينا لتحقيق آمالنا وأحلامنا وأمنياتنا المشروعة الصمود كالجبال في وجه الرياح ، لا يهزها شيء ، وأن يكون إيماننا بالله قوياً، ولنعلم أن قضاء الله وقدره كائن لا محالة ، وأن فيه الخيرة سواء تحققت أهدافنا القريبة من خلاله أم لا. ولنتذكر دائما قول الله تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) البقرة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (165) الانعام ، ويقول الله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (2) الملك ، فليس هناك من يحصل على كل ما يتمناه و يشتهيه ، فهذا مخالف للسنن الربانية ، سنة الابتلاء ، فالله تعالى يبتلى عبده بالمنع ، كما يبتليه بالعطاء .فكم من غني حصل على كل ما تمناه من أشياء مادية ، فهو يلبس من أفخر أنواع الملابس ،و يأكل من شتى أنواع المأكولات والمشروبات ،ولكن تراه فاقد للحب ،أو فاقد للاستقرار والطمأنينة ،أو فاقد للراحة والهناء والعيش في حياة عادية ، وكم من فقير ، محبا للجميع ،الحب يملأ المنزل ، وتراه رحيما بأبنائه ،عطوفا عليهم ،ولكن لا يستطيع توفير لقمة العيش لهم ، فسنة الابتلاء تقتضي ألا يتحقق لك كل ما تريد ، ولكن علينا جميعا بعد الأخذ بالأسباب ، والتوكل على الله بالقلوب ، والعمل بالجوارح ، أن نرضى بحالنا مهما كانت ، وأن نقول [ الحمد لله على كل حال ] ، فلنتعود على حمد الله على كل شيء ، في السراء والضراء ، وفي الشدة والرخاء ، وفي المنع والعطاء
ويحكى أن رجلاً كان كبير السن له أولاد وبنات وفى يوم من الايام أصيب هذا الرجل بمرض أثر على قدرته على التبول مما أدى إلى احتباس البول بجسمه ،فعندما شاهد أولاده ما حدث لأبيهم ،اخذوه الى الطبيب المعالج ،وقام الطبيب بالتعامل مع حالته ، واستطاع الطبيب اخراج البول المحتبس بداخلة ، وقام أبناء الرجل المسن بشكر الطبيب لأنه استطاع انقاذ والدهم .ثم التفت الأبناء إلى والدهم المريض ،فاذا به يبكى بكاء شديداً فاستغربوا وسألوه : لماذا تبكى ..؟ ، فقال لهم : أنتم قد قمتم بشكر الطبيب على مساعدته لي ،وأنه قد قام بمساعدتي بالفعل مرة واحدة ونحن طول الثمانين عاماً يمن الله علينا من فضلة ونعمه التي وهبها لنا ولم نكن نشعر بها ولا نحسن استخدامها ولا نحسن الشكر والحمد لله . فقالوا في هذه اللحظة الحمد لله ، بالفعل لا يشعر الانسان بكل ما يملك من النعم والفضل إلا أذا زالت من عنده ، ومن بعدها يقوم بحمد الله والثناء لله عز وجل على ما كان يملك .
الدعاء