خطبة عن : (الحلم) من أخلاق المسلم
نوفمبر 3, 2018خطبة عن (الحياء) من أخلاق المسلم
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى (إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29] ، ويقول سبحانه: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال تعالى : {إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [النور: 19].
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ،وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”. وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به” وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع وقفات وتأملات مع آية من كتاب الله عز وجل ، مع قوله تعالى : {إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [النور: 19]. والفاحشة: هي الأمور الشنيعة والمستعظمة، فهناك صنف من الناس ، مريضة قلوبهم ، فاسدة طباعهم ، سيئة أخلاقهم ، يحبون أن تشيع الفاحشة ، وتشتهر ، وتعم : {فِي الَّذِينَ آمَنُوا} فقال الله تعالى معقبا على فعلهم هذا : {لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 19] أي موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه للمسلمين، ومحبة الشر لهم، وجرأته على أعراضهم . فالذين يحبون أن تشيع هذه الفواحش لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، أي يجب أن يعاقبوا في الدنيا بما يزجرهم ،وبما يمنعهم ،ويمنع أمثالهم ،إما بالتعزير ،والعقوبة ،أو الحبس، وإما بإبطال شبهاتهم، والرد عليهم ،وتفنيد أقوالهم وأكاذيبهم. وقد يكون العذاب في الدنيا من الله تعالى أن يفضحهم، وأن يظهر عيوبهم، ويظهر أسرارهم التي يكنونها، والتي يكيدون بها للمسلمين، والتي يحرصون من أجلها على أن يتمكنوا من شهواتهم المحرمة، ومن عذاب الدنيا الحد: الذي هو الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة والحكم بفسقهم، وقد يعاقبهم الله تعالى بعقوبات ظاهرة في الدنيا إما بمرض أو فقر أو فاقة أو شلل أو مرض شديد أو خفيف أو نحو ذلك أو موت عاجل أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات -وما أشبه ذلك- عقوبة لهم على فعلهم هذا، وعلى حرصهم أن تشيع الفاحشة في المؤمنين. وأما عذاب الآخرة فيدخل فيه عذاب القبر ، فعذاب النار يعني: ما يكون بعد الموت من أنواع العذاب. وإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ،ونقله، وسواء كانت الفاحشة صادرة أم غير صادرة؟ والله حرم هذا رحمة من الله بعباده المؤمنين، وصيانة لأعراضهم ، كما صان دماءهم وأموالهم. ثم قال الله سبحانه وتعالى :{وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} : فمن أحب إشاعة الفاحشة، وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله – تعالى – يعلم ذلك منه. وإن علمه – سبحانه – بذلك الذي أخفاه كعلمه بالذي أظهره، ويعلم قدر الجزاء عليه، وتدل الآية على أن العزم على الذنب العظيم عظيم، وأن إرادة الفسق فسق، لأنه – تعالى – علق الوعيد بمحبة إشاعة الفاحشة، ومما قاله (صاحب الظلال) – رحمه الله – على هذه الآية : {إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [النور: 19]. قال : (والذين يرمون المحصنات ـ وبخاصة أولئك الذين تجرؤوا على رمي بيت النبوة الكريم، إنما يعملون على زعزعة ثقة الجماعة المؤمنة بالخير والعفة والنظافة، وعلى إزالة التحرج من ارتكاب الفواحش، وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها ،وبذلك تشيع الفاحشة في النفوس لتشيع بعد ذلك في الواقع من أجل هذا وصف الله – تعالى – الذين يرمون المحصنات بأنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ،وذلك جانب من منهج التربية، وإجراء من إجراءات الوقاية، يقوم على علم تام بالنفس البشرية، وتكيٌّف مشاعرها واتجاهاتها، ومن ثم يعقِّب الله – تعالى – بقوله: {وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ}، فمن ذا الذي يعلم أمر هذه النفس إلا الذي خلقها؟ ومن ذا الذي يدبر أمر هذه الإنسانية إلا الذي يبصرها ويعلم بها؟ ومن ذا الذي لا يخفى عليه شيء إلا العليم الخبير؟
أيها المسلمون
ومن خلال ما سبق نعلم أن مجرد حب إشاعة الفاحشة يؤدي بصاحبه إلى وقوع العقاب الأليم عليه في الدنيا والآخرة. ومن الملاحظ أيضا أن الله – تعالى – لم يقل بأن عقوبتهم بالعذاب فقط ،وإنما وصفه بالأليم، ولن نستطيع أن نتخيل أبداً مدى ألم هذا العقاب، ومن ثم علينا ألا نستخف به، ونراه هيناً وهو عند الله عظيم، كما أن هذا العقاب لا يتوقف على حياة واحدة في الدنيا، بل يمتد إلى الآخرة ليشهد عقابه الأليم أهل القيامة، ويظل ينتظر الأمل بشفاعة قد تنجيه من هذا العذاب ،فأي شؤم يطال محبي إشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا في الدنيا والآخرة، وهو يتقلب في عذاب أليم، قاده إليه قلبه لمّا أحب ما أبغض الله! وإذا كان ما سبق من عقاب أليم إنما خصص لمن أحب بقلبه إشاعة الفاحشة، فكيف بمن ساهم في نشرها بين الذين آمنوا بكل قوة وبذل مادي ومعنوي، ورصد لذلك الجوائز المغرية، والمسابقات الملفتة للنظر بفحشها ومجونها، وهيأ الأماكن المترفة، ونشر الصفحات والمجلات المتعددة، والمواقع المشبوهة، في تسابق محموم بغيض حاقد؟ فكلما ظهرت قناة تبعتها قنوات أخرى، وكلما أنشئت مجلة ماجنة نافستها مجلات على النهج نفسه، وكلما سطَّر قلم مجوناً وفحشاً تنافس معه متنافسون، وكلما ظهر صاحب فحش من الجنسين في أي مجال شيطاني، قام شياطين الإنس ببعث المئات من أمثالهم، وأصبح هؤلاء هم النجوم التي يهتدي بها بعض شباب المسلمين في حياتهم ليزدادوا ظلاماً وتيهاً. ومن صور إشاعة الفاحشة : نشر الصور والمقاطع الخليعة – نشر الأغاني والموسيقى -نشر القصص الجنسية – نشر الفضائح وتتبع عورات المسلمين – اشاعة الفاحشة بالكلام ،
ومما يدمي القلب، ويشعله خوفاً من نزول عذاب متتابع فوق أنواع العقوبات التي نكابدها أنّ حب إشاعة ونشر ودعم الفاحشة بين الذين آمنوا إنما يبلغ أَوجَهُ وقوته في مواسم العبادات وذروة الأوقات التي يمنّ الله الرحيم بها علينا لنكفر عن السيئات، ونزداد في الحسنات، ونعيش في نعيم نسائم الرحمات، وهي أوقات رمضان المبارك، وعيد الفطر، والأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وأيام عيد الأضحى المبارك، فنجد الشياطين وقد أجلبت علينا بخيلها ورجلها لتقدم كل ما يحطم ويقتل معاني الحب، والذل والخضوع والطاعة والاستسلام لله – تعالى -، وتجعل من المسلم عبداً ممسوخاً لشهواته ولذَّاته، لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من العبادة إلا رسمها، ولا من الحب لله إلا نطق اللسان فقط، فينقلب المسلمون إلى أهل الإرجاء الذين يجعلون الإيمان قولاً واعتقاداً فقط، أما العمل فلا دخل له في ذلك، فنتحول إلى قطعان تهرف بما لا تعرف، وتنساق إلى مذابحها في عقيدتها وهي ضاحكة مستبشرة. فأي حقد يصبه علينا أعداء ديننا، ونحن نراهم يتقاسمون الأدوار فيما بينهم وبأموالنا، ووقودهم شبابنا ونساؤنا، وقبل ذلك ديننا، كل منهم قد علم دوره جيداً فأتقنه وبلّغه، فأصبحنا أمة أحبت إشاعة الفاحشة، فأي عذاب ينتظر الجميع؟!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذه الآية إن كانت تهديداً ووعيداً لمن أحب إشاعة الفاحشة، فهناك حديث يبين لنا عقوبات نشر الفاحشة إذا شاعت، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ». وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ».
أيها المسلمون
فالواجب على المسلمين جميعا أن يحرصوا على حماية أنفسهم وحماية إخوانهم من هذه الفواحش، ومن تمكنها ومن ظهورها، وأن يحرصوا على حماية وصيانة أعراضهم وأعراض إخوانهم وأخواتهم، وأن يحرصوا على صيانة المؤمنات وحفظهن عن أن يظهرهن أو يبرزن مما يكون سببا في انتشار وفشو الفواحش التي هي الزنا أو مقدمات الزنا؛ وذلك لأن ظهوره سبب للعقوبات، وسبب لكثرة الأمراض التي لم تكن في الأمم السابقة -كما ورد ذلك في الحديث- وسبب في منع الخيرات ومنع البركات، فالذين يحبون أن تشيع هذه الفواحش لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، أي يجب أن يعاقبوا في الدنيا؛ يعاقبون بما يزجرهم وبما يمنعهم ويمنع أمثالهم إما بالتعزير والعقوبة أو الحبس، وإما بإبطال شبهاتهم، والرد عليهم وتفنيد أقوالهم وأكاذيبهم. فالقرآن العظيم ما أنزله الله – تعالى – إلا لنتدبره ، فهل تدبرناه؟ وهل سألنا الله دائماً ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا؟
الدعاء