خطبة عن (الصدق في حياة المسلم)
نوفمبر 13, 2025خطبة عن (نعمة الوقت)
نوفمبر 15, 2025الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :
(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (51) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى :
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]،
وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى :
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]،
واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى :
(إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (51) آل عمران
وقد جاء في (التفسير الميسر) في معنى هذه الآية الكريمة من كتاب الله :
إن الله سبحانه وتعالى هو ربي وربكم جميعًا ،فاعبدوه وحده، ولا تشركوا به شيئًا، وهذا الذي أمرتكم به ،من تقوى الله وإفراده بالألوهية ،هو الطريق المستقيم، وهو دين الله الحق الذي لا يقبل من أحد سواه.
فالله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً ، ولم يتركهم هَملاً ، بل خلقهم ليوحّدوه ، وأرشدهم ليَعبُدوه ، وجعل التوحيد لما سواه أصلاً ، فمن وحَّدَه بما أخبر ، وعبده كما أمر ، كان لنيل رضاه ، والفوز والنجاة في أخراه ، أهلاً .
والدعوة إلى توحيد ربّ العبيد ، هي دعوة رسل الله قاطبةً ،من لدن أبيهم آدم عليه السلام ، وحتى خاتمهم محمّد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقد قال الله تعالى :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [ الأنبياء : 25 ]
ولم تَخلُ أمة في مكان ولا زمان على طول التاريخ البشري من دين ورُسل وأنبياء
يدعون إلى التوحيد، ويحذرون مِن الشرك؛ قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]،
وقال الله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]،
وجاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم :
(وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)
والمقصود بالتوحيد هو تحقيق معنى شهادة ( أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) ، الذي هو حقيقة دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى :
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام ) آل عمران 19
وقال جل شأنه : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران 85 .
فإذا علم هذا فليعلم أن التوحيد قد قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام وهي :
توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات .
فتوحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والإحياء و الإماتة ، ونحو ذلك ،وأدلة هذا التوحيد كثيرة جدا في الكتاب والسنة ، فمن اعتقد أن هناك خالقا غير الله ، أو مالكا لهذا الكون متصرفا فيه غير الله فقد أخل بهذا النوع من التوحيد ، وكفر بالله .
وقد كان الكفار الأوائل يقرون بهذا التوحيد إقرارا إجماليا ، وإن كانوا يخالفون في بعض تفاصيله ، والدليل على أنهم كانوا يقرون به آيات كثيرة في القرآن منها :قوله تعالى :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) العنكبوت 61
وقوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) العنكبوت 63
وقوله جل شانه : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) الزخرف 87 ،
ففي هذه الآيات وغيرها الكثير يبين الله أن الكفار يقرون بأنه سبحانه هو
الخالق المالك المدبر ، ومع هذا لم يوحدوه بالعبادة مما يدل على عظيم ظلمهم ، وشدة إفكهم ، وضعف عقلهم .
فإن الموصوف بهذه الصفات المنفرد بهذه الأفعال ينبغي ألا يعبد سواه ، ولا يوحد إلا إياه ، سبحانه وبحمده تعالى عما يشركون .
ولذا فمن أقر بتوحيد الربوبية إقرارا صحيحا ،لزمه ضرورة أن يقر بتوحيد الألوهية .
وتوحيد الألوهية ، وافراد الله تعالى بالطاعة والعبادة والاستسلام ،هو الذي وقع فيه الخلل ، وهو الذي من أجله بعثت الرسل ، وأنزلت الكتب ، ومن أجله خلق الخلق ، وشرعت الشرائع ، وفيه وقعت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم ، فأهلك المعاندين ونجى المؤمنين .
فمن أخل بتوحيد الألوهية بأن صرف شيئا من العبادة لغير الله ،فقد خرج من الملة ، ووقع في الفتنة ، وضل عن سواء السبيل .
أيها المسلمون
فالمراد بتوحيد الألوهية: هو إفراد الله جل وعلا بالتعبد في جميع أنواع العبادات
والتعبد له ركنان وشرطان لصحته، أما الركنان: فغاية الخضوع والتذلل لله، وكمال المحبة له ، وأما الشرطان: فمعرفة المعبود – وهو الله سبحانه وتعالى -، ومعرفة دينه الشرعي الجزائي، والمقصود بالعبادات: ما يتعبد به لله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولها شرطان: المتابعة فيها – أي أن تكون وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والصدق والإخلاص لله جل وعلا فيها.
وهذا التوحيد من أجله خلق الله الجن والإنس، كما قال تعالى:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56]،
ومن أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، كما قال تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25]،
وهو أول دعوة الرسل وآخرها، كما قال سبحانه:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) [النحل: 36]،
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات، فإن من عبد الله تعالى وحده، وآمن بأنه المستحق وحده للعبادة، دل ذلك على أنه مؤمن بربوبيته وبأسمائه وصفاته، لأنه لم يفعل ذلك إلا لأنه يعتقد بأن الله تعالى وحده هو المتفضل عليه وعلى جميع عباده بالخلق, والرزق, والتدبير, وغير ذلك من خصائص الربوبية، وأنه تعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي تدل على أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
ومع أهمية هذا التوحيد فقد جحده أكثر الخلق، فأنكروا أن يكون الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وعبدوا غيره معه. قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني :
(اعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك،
ولذا قالوا: (أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ) [الأعراف: 70] ،
أي لنفرده بالعبادة، ونخصه بها من دون آلهتنا؟
فعبدوا مع الله غيره، وأشركوا معه سواه، واتخذوا له أنداداً)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله تعالى : ( هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (51) آل عمران
فالصراط المستقيم :هو الطريق الذي نصبه الله لعباده ،على ألسنة رسله ،وجعله موصلاً لعباده إليه ،ولا طريق لهم سواه، وهو إفراده بالعبودية ،وإفراد رسله بالطاعة، وهو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله،
والصراط المستقيم: هو الصراط الذي يرجوه كل مسلم يسأل الله في كل صلواته الفريضة والنافلة أن يرزقه إياه قائلاً: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6].
ثم بيّن سبحانه وتعالى وصف هذا الصراط في الآية التي تليها:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7].
والصراط المستقيم : هو وصيّة الله إلى أنبيائه ورسله عليهم السلام حيث
قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]،
وهو وصية الله إلى الناس باتباع هذا الصراط المستقيم ، فقال الله تعالى :
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]،
وقال ابن القيم رحمة الله عليه: الصراط المستقيم هو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه ولا طريق إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله وجعله موصلاً لعبادة الله، وهو إفراده بالعبادة، وإفراد رسله بالطاعة، فلا يشرك به أحد في عبادته، ولا يشرك برسوله صلى الله عليه وسلم أحد في طاعته، فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله،
وروى الإمام أحمد وغيره : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ».
ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) [الأنعام:153]
الدعاء
