خطبة عن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) مختصرة
أكتوبر 17, 2018خطبة عن فضائل القرآن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (54) ،(55) القمر
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع مائدة القرآن الكريم ، نتفهم المعاني ، ونرتشف من رحيقه المختوم ،فهو : « كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ،هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ،وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِى لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، هُوَ الَّذِى لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ) ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » ، ومائدة حديثنا اليوم إن شاء الله : حول معاني قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (54) ،(55) القمر، أما عن قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) : فقد أكثر الله تعالى من إخبارنا في كتابه العزيز عن مصير المتقين، وأعلمنا الله تبارك وتعالى أن المتقين هم الفائزون وهم المنعمون والمكرمون في الدار الآخرة ، فقال الله تعالى :” وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ “ [الزخرف: 35] ، وقال الله تعالى : ” وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ” [الأعراف: 169] . وإنما كانت الأخرة للمتقين، لأنهم حققوا الإيمان والاستقامة والتقوى ، ولأنهم أهل الله وخاصته ، وهم أولياؤه المقربون ، وعباده الصالحون ، أما غير المتقين من الكفرة والمشركين والمنافقين ، فيكونون في يوم الموقف العظيم ،في بلاء عظيم ،وعذاب أليم ، وموقف مهين ، قال الله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (22) :(24) الصافات ، بينما يكون المتقون في ظلال وعيون ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (41) :(44) المرسلات ،والمتقون الموحدون يساقون إلى الجنة زمراً ، قال الله تعالى : ” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ” [الزمر: 72] ،وأخبرنا ربنا عز وجل أن المتقين عندما يأتون الجنة تفتح لهم أبوابها، ويجدون الملائكة يرحبون بهم ، قال الله تعالى :” حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامُ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ” [الزمر: 73] .
كما تحدث القرآن طويلاً عن جنات النعيم التي أعدها الله للمتقين، وتحدث عما أعده تبارك وتعالى فيها من النعيم، فمن ذلك قوله تعالى : ” لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ ” [آل عمران: 15] . وقال ربُّ العزة سبحانه وتعالى : ” لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ” [آل عمران: 198] ،وقال الله سبحانه وتعالى : ” لَكِنِ الَّذِينَ اْتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار “الزمر: 20 ، وقال الله تعالى : ” إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ” [مريم: 60- 63] .وقال الله تعالى ضارباً المثل للجنة التي وعد المتقون : ” مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ” [الرعد: 35]، وتحدث ربنا تبارك وتعالى عن المقام الأمين الذي يحلُّ فيه المؤمنون في يوم الدين، فهم في جنات وعيون، وأخبرنا أنهم يلبسون من سندس وإستبرق، ويجلسون في ذلك اليوم متقابلين، وأخبرنا أن أزواجهم من الحور العين، وأنهم يدعون في الجنة بأنواع كثرة من الفاكهة حال كونهم آمنين، فلا يموتون بعد دخولهم جنات النعيم، قال تعالى : ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” [الدخان: 51- 57]،
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (55) القمر، أي: في دار كرامة اللّه ورضوانه، وفضله وامتنانه، وجوده وإحسانه :{ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} أي عند الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ». وقال القرطبي : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة :(عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) أي يقدر على ما يشاء، وجاء في الوسيط لطنطاوي : ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ) أي : في مكان مرضى ، وفى مجلس كريم ، لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة ، فالمراد بالمقعد مكان القعود الذى يقيم فيه الإنسان بأمان واطمئنان . ( عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) أي : مقربين عند ملك عظيم ، قادر على كل شيء .
أيها المسلمون
ومن الفوائد المستخلصة والمستنبطة من الآيتين السابقتين الكريمتين: أولاً: أن التقوى سبب للفوز بالجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72]. وقال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63]. ثانياً: أن كلمة جنات، جاءت بصيغة الجمع، وهذا يدل على أنها أكثر من جنة، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أم حارثة – رضي الله عنهما – أنها جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ، قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» ، ثالثاً: أن في الجنة أنهاراً، ولكنها تختلف عما في الدنيا اختلافاً عظيماً لا يمكن أن يدركه الإنسان، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : «لا يشبه شيء في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء» ، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ : ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]» ، رابعاً: أن الله تعالى وصف حال المتقين بأنهم في مقعد صدق، قال القرطبي: «﴿ مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ : أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، وهو الجنة كما قال تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]». خامساً: إثبات قدرة الله تعالى على كل شيء، قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259]. وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود في قصة الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة، وجاء فيه أن الله تعالى يقول له: «أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا..» ، وفي رواية البخاري: «وعَشْرَةُ أَمْثَالِهَا، قَالَ يَا رَبِّ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهناك لمسات بيانية ، وومضات إيمانية ونورانية ، نستلهمها من خلال تدبرنا للآيتين الكريمتين السابقتين ، ومنها : في قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ) ، جاءت كلمة (جَنَّاتٍ ، وَنَهَرٍ) جمعا بمعنى أنها أنهار وسعة ، وضياء ، وهذا ما يسمى التوسع بالمعنى ، أما قوله تعالى (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) فهذه هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم كله ،التي وردت في وصف الجنة بهذا التعبير (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ). ودلالة مقعد صدق أن المقاعد الأخرى كلها كاذبة ،وهذا هو المقام الوحيد الصدق ،لأنها إما أن تزول بزوال القعيد ،أو الملك ،وهذا المقعد هو الوحيد الذي لا يزول. وقد يأتي (الصدق) في معنى الجودة ، بمعنى مقعد الخير ولا أفضل منه. ولكن : ما هي دلالة كلمة (مَقْعَدِ) ؟ ، ولماذا لم يستعمل كلمة (مقام)؟ والجواب : لأن الأكرم هو القعود ،وهو يدل على الانتهاء من القيام والراحة. وقد ورد في القرآن الكريم لفظ (مقام آمين) وقوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فكلمة (مقام) تعني معه الخوف، فمن خاف المقام يؤمن، كما انهم خافوا مقام ربهم في الدنيا ، أمنّهم في الآخرة. واستعمل كلمة (مليك) من الملك : وهو الحكم ، ولم يقل (مالك) من التملك ، والملِك ليس مالكاً. وهذه الآية الوحيدة التي وردت فيها كلمة (مليك) في القرآن ، فصيغة فعل تدل على الأعراض وتدلّ على الأشياء الطارئة ، أما (فعيل) فتدل على الثبوت ،واستخدام كلمة (مقتدر) تفيد المبالغة في القدرة ،وتماشت مع سياق الآية ،لأنها تشمل مبالغة في الوصف ،والجزاء ،والطاعة ،والأجر ،والسعة ،ولذا اقتضى المبالغة في القدرة.
الدعاء