خطبة عن حديث (أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟)
يونيو 23, 2018خطبة عن (من أخلاق المسلم: (غض البصر)
يونيو 23, 2018الخطبة الأولى ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) الزخرف (43)، (44)
إخوة الإسلام
يأمر الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده أن تستمسك بهذا القرآن، وأن تعض عليه بالنواجذ، وأن تحمله حملاً يختلف عن حمل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل؛ ذلك أن هذا القرآن العظيم هو خاتم الكتب السماوية، وأن حامله محمداً صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء، وأن أمة القرآن هي آخر الأمم، فهي مسئولة عن حمل هذا القرآن ،وتبليغه للعالم أجمع ،في أرجاء الدنيا، وذلك جيلاً بعد جيل. إذاً: فهي مسئولية عظيمة، ويلزم هذه الأمة أن تستمسك به استمساكاً قوياً متيناً؛ حتى لا ينفلت منها، وتبتعد عنه . والصراط المستقيم في قوله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : هو الطريق الذي لا انحراف فيه ولا اعوجاج، فدين الإسلام صراط مستقيم ،يبدأ في الدنيا، وينتهي في الجنة، كما قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. وفي سنن الترمذي وغيره بسند حسن (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وَالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِى يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ ».وفي رواية عند الإمام أحمد (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ ». فالله تعالى أنزل الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس ، ويكون الناس تحت سلطانه، وعدم تحكيم الكتاب والتمسك به يجعلك على الضلال, لأن الحكم يكون بما أنزل الله أو بالأهواء, فكل حكم مخالف لكتاب الله فهو من الأهواء، ومن المعلوم أن الهوى شر صنم يعبد في الأرض من دون الله، فالإنسان كي يتحرر من عبادة الهوى ،لا بد أن يتحرر من الدنيا وشهواتها ، كي يكون قلبه متعلقا بالآخرة ، فيسعى لها سعيها .
فالتمسك بكتاب الله ،والحكم به بين الناس ،هو أمر من الله لعباده وليس اختيارياً. فلا خيار للمسلمين إلا الحكم بكتاب الله فقط ،ولا يجوز أي حكم بشيء آخر ،وإلا كان فاسقاً ، لأن القرآن لا يقبل المشاركة في الحكم. (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الزخرف (43) ، فمن استقام على الصراط المعنوي في الدنيا، والصراط المعنوي هو الصراط المستقيم، هو دين الله ،وهو القرآن، وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وما جاء في القرآن الكريم ، وما جاء في السنة المطهرة، فمن استقام على دين الإسلام ،واستقام على الصراط المستقيم في الدنيا، فإنه يعبر على الصراط الحسي يوم القيامة وينجو، ومن تنكب الصراط المستقيم في الدنيا ،وانحرف عن الجادة، ولم يعمل بكتاب الله ،وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يعبر الصراط يوم القيامة، فهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، فمن استقام على الصراط المستقيم في الدنيا، نجا وعبر الصراط الحسي يوم القيامة، وتجاوز النار إلى الجنة، ومن تنكب الصراط المستقيم في الدنيا، فإنه لا يمر على الصراط، ويسقط في النار. ففي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : (وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ». قَالَ قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ قَالَ « أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِى بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا – قَالَ – وَفِى حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ ».وَالَّذِى نَفْسُ أَبِى هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا. )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي تفسير قوله تعالى : ” فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) الزخرف (43) ،(44)”. قال ابن كثير : ” أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم “. وقال القرطبي: ” فاستمسك بالذي أوحي إليك ” يريد القرآن, وإن كذب به من كذب ; ف ” إنك على صراط مستقيم ” يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه “. فلا بد من التمسك بتحكيم القرآن وجعله المصدر الوحيد والأوحد للتشريع دون أي مشاركة ولو كذب به من كذب ،ولو عارض من عارض، لان ذلك يوصلنا إلى رضى الله تعالى ، وجنات النعيم ،وهذا هو المطلوب، وليس أي مكسب دنيوي. وإن من أعظم أسباب محبة الخلق ومن قبلهم الخالق سبحانه وتعالى ، أن تجعل أمرك كله تبعا للوحى ، وبه تدعو وتنذر ، قال تعالى آمرا نبيه صلي الله عليه وسلم :(اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الانعام 106، وأمره أن يصدع بذلك بين الناس بقوله تعالى : (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ) الانعام 50. وأمره سبحانه وتعالى أن يكون تذكيره وإنذاره بالوحي ، فقال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) الانبياء 45، وقال سبحانه : ( وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأنعام (51) ، وقال الله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) الانعام 19، وقال تعالى : ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) الانعام 70، وقال الله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) ق 45. وبين الله سبحانه وتعالى أن جهة اهتداء النبي صلي الله عليه وسلم إنما تكون بالوحى وأمره صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ذلك ، فقال الله تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) سبأ 50،. ولما كان الوحي هو أعظم ما ينجو الناس به ، امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستمسك به وهو أمر لكل من أراد الفلاح في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الزخرف 43. لذا فإني أوصى نفسي وإياكم في مثل هذه الفتن المتلاحقة التي تقصم الظهور الأبية ، بالاستمساك بالوحي ،والاهتداء بهدي أعظم من استمسك بوحي رب العالمين ،
الدعاء