خطبة عن توحيد الله ورفض الالحاد ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ )
يوليو 24, 2021خطبة عن ( شِعَارُ الرسل والْمُؤْمِنِين عَلَى الصِّرَاطِ : رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ )
يوليو 25, 2021الخطبة الأولى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (19) محمد
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (19) محمد ، يقول ابن كثير : هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، وقيل : معناه فاثبت عليه . وقال الحسين بن الفضل : المعنى : فازدد علما على علمك . وقال السعدى في تفسيره : وهذا العلم الذي أمر الله به – وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد، كائنا من كان، بل كل مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور: أحدها بل أعظمها: تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته فإنها توجب بذل الجهد في التأله له، والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية. الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له. الرابع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داع إلى العلم، بأنه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها. الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عبدت مع الله، واتخذت آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، فقيرة بالذات، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ولا ينصرون من عبدهم، ولا ينفعونهم بمثقال ذرة، من جلب خير أو دفع شر، فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو وبطلان إلهية ما سواه. السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه. السابع: أن خواص الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقا وعقولا، ورأيا وصوابا، وعلما -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك. الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه. وقوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } أي: اطلب من الله المغفرة لذنبك، بأن تفعل أسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة، والحسنات الماحية، وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. { و } استغفر أيضا { للمؤمنين وَالْمُؤْمِنَات } فإنهم -بسبب إيمانهم- كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة. ومن جملة حقوقهم أن يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لإزالة الذنوب وعقوباتها عنهم، فإن من لوازم ذلك النصح لهم، وأن يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه، ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويأمرهم بما فيه الخير لهم، وينهاهم عما فيه ضررهم، ويعفو عن مساويهم ومعايبهم، ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم، ويزول ما بينهم من الأحقاد المفضية للمعاداة والشقاق، الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } أي: تصرفاتكم وحركاتكم، وذهابكم ومجيئكم، { وَمَثْوَاكُمْ } الذي به تستقرون، فهو يعلمكم في الحركات والسكنات، فيجازيكم على ذلك أتم الجزاء وأوفاه.
أيها المسلمون
ولعله من الفوائد المستنبطة من قوله تعالى:(فاعلم أنَّه لا إله إلاَّ الله) أن هناك نقاط محورية ، يجدر التنبه لها ، ويحسن تسليط الضوء عليها ، ومنها: أولا : أنَّ الآية فيها دلالة واضحة في التأكيد على وجوب توحيد الله ومعرفته ، ولو كان الداعية إلى ذلك من كبار الموحدين ؛ لأنَّ النفس لا يقوى إيمانها بالله ، ولا تنبعث فيها روح الدعوة إلى الله ، ولا ينقدح بين جوانبها التبيلغ والنذارة لهذا الدين، ولا يقوى ولاؤها لله ، ولا براؤها من أعدائه، ولا تهفو للجهاد في سبيل الله ، إلاَّ إذا كانت دعائم التوحيد فيها راسخة، وصلابة الإيمان في جذورها متعمقة، فينتج من ذلك، قوَّة العمل لهذا الدين ، وعلو الهمة في بثِّه بين أنحاء المعمورة ، وصلابة الإرادة في ذلك ، وقوَّة الصبر على ما تواجهه من مصاعب وعراقيل ، إثر قيامها بالتعليم ، وتبليغ دين رب العالمين. ثانيا : تبين الآية الكريمة أنَّ العبد المؤمن يحتاج للمزيد من تدبر هذه القضية الكبرى ، والحقيقة العظمى في الكون والحياة مطلقاً ؛ إذ إنَّ الشيطان أقسم بإضلال الناس وغوايتهم ، بحيله الماكرة ، فلا رادَّ لكيد الشيطان ، ولا عاصم إلاَّ الاستمساك والاعتصام بتوحيد الله ، وتصفية النفس من درن الباطل، والرَّان المنطبع على القلب ، ولا يتمّ ذلك إلا بنقاء التوحيد في القلب؛ والعلم بالله تعالى لا يقف عند حد معيَّن، والمطلوب من المرء أن ترتقي معرفته وعلمه بربه باستمرار وعلى وجه الديمومة، ومن هنا كان الطلب في الآية من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يعلم معنى وحقيقة لا إله إلا الله مرَّة بعد أخرى. ثالثا : لاشكَّ أن الأمر في قوله تعالى :(فاعلم أنَّه لا إله إلا الله) ليس خاصاً بالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحسب ؛ بل هو لكل المؤمنين في كل زمان ومكان ، رابعا : يستفاد من هذه الآية، أنَّ العلم بالتوحيد، لا يعني الإبقاء على تعلمه ومعرفته من ناحية نظريَّة معرفيَّة فحسب، بل ينبغي أن يقودنا ذلك لممارسة هذا التوحيد واقعاً ومنهج حياة، وقد كان صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقومون بذلك، بل وصفهم من جاء بعدهم من التابعين بأنَّهم كانوا كالمصاحف يمشون على ظهر المدينة ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ خامسا : في هذه الآية تنبيه لبعض الدعاة القائلين بأنَّ قضية التوحيد سهلة ، ولا تحتاج إلى ذلك التكثيف العلمي والتعليمي ، أو أنَّ لدينا من هموم الأمة ما يحوجنا بالكلام عنها أكثر من قضية باتت معروفة في أذهان المسلمين، والحقيقة أن الله – تعالى ـ ما خلقنا إلا لعبوديته وتوحيده ، وإرساء تلك المعالم العقدية في قلوبنا، فقال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56) الذاريات ،ولو كانت دعوة التوحيد يسيرة ،لما استمر ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثلاثة عشر سنة يدعو لذلك الناس مسلمهم وكافرهم. أمَّا مسلمهم : فلكي يتأكد ذلك في قلوبهم وليكوِّن ـ عليه الصلاة والسلام ـ من قلوبهم قاعدة صلبة للبناء الإيماني ، لتتحمل الواجبات والفرائض المفروضة من قِبَلِهِ تعالى. وأمَّا كافرهم: فلتقوم الحجَّة عليهم ، بالبلاغ المبين ، والبيان الواضح ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن هذه المآسي التي تعيشها الأمة لاريب أنَّها تبعث الأسى في القلب، ولكنها راجعة إلى ضعف إيماننا بالله وتعلقنا به وعبوديته الخالصة ، فكم يوجد في عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام ، يشركون بالله ، ويقصدون القبور للطواف حولها ، والتعلق بأصحابها ، والاستغاثة بهم؟! ، وكم يوجد منهم ممَّن يستغيث بغير الله، ويحلف بغير الله، ويستهين بحرمات الله؟! ، وكم هو منتشر في بلاد المسلمين التحاكم إلى القوانين الوضعية المغايرة للإسلام؟! ، وكم يُعْرَض في وسائل الإعلام من الأمور المنحرفة عن التوحيد الخالص بتعظيم الكفار، والتشبه بهم، والتمنطق بأقوالهم، والتهنئة بأعيادهم، وربط صلات التآخي والمودة معهم؟! ، وكم هو منتشر في بلاد المسلمين السحر والسحرة والشعوذة والتعلق بالرقى والتمائم والتعاويذ الشركية؟! ، وكم انتشرت البدع والانحرافات الفكرية ما بين مقلٍّ ومكثرٍ في عقول الكثير من المسلمين.؟! ، ولهذا فإنَّ الإمام ابن تيمية لمَّا رأى تكالب الجيش التتري المغولي على بلاد الإسلام وتقتيله المسلمين وكثرة الهزائم المتتابعة عليهم ، نظر بعين البصر والبصيرة أسباب تلك الهزائم فوجد أنَّ من أهمها إصلاح عقائد من تلوث ممن ينتسب للإسلام بدرن الشرك بالله، وقد حدَّث ـ رحمه الله ـ كيف أنَّه لما هاجم التتارُ بلادَ الشام ؛ خرج أهل الشام يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضُرِّهم ، وقال بعض شعرائهم:
يا خائفـين من التـتـر * لوذوا بقبر أبي عمر
لوذوا بقبـر أبي عمـر* ينجيكموا من الخطر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله :”فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً” ،فإنَّ دواعي الأسى والنكبات في هذه الامَّة لن تزول إلاَّ بتوحيد الله تعالى والإيمان الراسخ به حقَّ الإيمان، والعلم (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )
الدعاء