خطبة عن التمحيص:(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)
نوفمبر 24, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ)
نوفمبر 24, 2018الخطبة الأولى ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (64) يوسف
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع كتاب الله الكريم ، نقطف من رياضه الوارفة ، وثماره اليانعة ، ونرتشف من رحيقه المختوم ، مع قوله تعالى :﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]، فمن منا لا يتمنى أن يحافظ على ماله وبيته وأولاده ورزقه ؟ ،ومن منا لا يتمنى أن يحفظه الله من الشر، والحوادث والهموم ومشاكل العصر والأمراض؟ بالطبع كلنا يتمنى أن يحفظه وماله وولده ، ولكن القليل من يفكر بطريقة مختلفة! ،فكل الاحتياطات والإجراءات التي قد تقوم بها لحفظ نفسك ومالك وأهلك ربما لا تفيد شيئاً، فالذي يحفظك هو الله تعالى، وهذا ما أدركه أنبياء الله عليهم السلام مثل سيدنا يعقوب عندما فقد ابنه يوسف عليه السلام وأخاه، ولكنه لم يفقد الأمل من رحمة الله وحفظه فقال الله تعالى على لسانه: (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) يوسف (64) ،فهذه الآية ترشدنا إلى الطريق الذي يحفظنا من كل شر، ومن كل محنة وبلاء، وتدلنا على السلاح الذي ندافع به عن أنفسنا ،وأهلنا ، وأموالنا، فيا من تريد أن تحفظ نفسك من الظالمين ، والماكرين ،والمخادعين ، احفظ الله ،﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64] ، ويا من تريد ان يحفظ الله مالك من الضياع والسرقة والتلف احفظ الله، ويا من تريد أن تحافظ على منصبك احفظ الله، يا من تريد ان تحافظ على وظيفتك احفظ الله، ويا من تريد أن تحفظ أولادك احفظ الله، وقد روى الترمذي بسند صحيح 🙁عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ :« يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ». كما ورَدَ في الأَثَر القُدسي أنَّ الله تعالى يقول لِبَعض عِبادِهِ يوم القيامة:((عبدي أعطيتك مالاً، فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ فيقول هذا العبد : لم أُنْفِق منه شيئًا مَخافَةَ الفَقْر على أولادي، فيقول الله عز وجل: ألم تعْلَم بِأنِّي أنا الرزاق ذو القوَّة المتين ؟ إنّ الذي خشيتهُ على أولادك من بعدك قد أنْزَلْتُهُ بهم، ويقول لِعَبْدٍ آخر: قد أعْطَيْتُك مالاً، فماذا صَنَعْتَ فيه ؟ فيقول: يا رب، قد أنْفَقْتُهُ على كُلِّ محتاجٍ ومسْكين، لِثِقَتي أنَّك خيرٌ حافظًا وأنت أرْحَمُ الراحمين، فيقول الله عز وجل: أنا الحافظ لأوْلادِكَ مِن بعْدِك ) ،فالرَّجُل الصالِح ،إذا مات وله ذرية ضعفاء ، فإنَ الله تعالى هو الذي يتكفَّل بِهم، وهو الذي يُكْرمهم، وهو يُعلي شأْنَهم، ويحافظ عليهم ، لأن أباهم حفظ الله ، فحفظه الله في ذريته ،قال الله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (9) النساء ، وقال تعالى : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64] قال الفضيل بن عياض (رحمه الله): ( إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخادمي وإمرتي وفأر بيتي ) ، وقال بعض الصالحين : إذا أردت أن توصي حبيبك أو صاحبك أو ابنك فقل له : احفظ الله يحفظك.
أيها المسلمون
وأذكر لكم نماذج من الذين حفظوا الله تعالى ،فحفظهم الله ،ودافع عنهم ،وسخر لهم كل شيء ،من أجل خدمتهم : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾. فهذا هو القائد العظيم عقبة بن نافع -رضي الله عنه- عندما ذهب لفتح شمال أفريقيا واصدر أمره إلى كتيبة من الجيش لتقوم ببناء مدينة القيروان في تونس فذهبت الكتيبة فوجدت المكان الذي ستبنى فيه المدينة هو عبارة عن أحراش عالية تسكنها الأسود والذئاب والثعابين فرجعوا إلى القائد عقبة وشكوا له ما في المكان من وحوش وثعابين، فقام فصلى ركعتين، وخرج مترجلاً حتى صعد على صخرة وسط الغابة وقال: أيتها الأسود – ينادي الأسود في الغابة – أيتها السباع! أيتها الحيات! أيتها العقارب! نحن أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام جئنا نفتح الدنيا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، فاخرجي سالمة وإلا لا لوم علينا إذا قتلناك ، ووقف الجيش يعجب لنداء عقبة بن نافع أيخاطب أسودا؟، أيخاطب ذئابا؟، أيناشد ثعابين وأفاعي؟، ولكن عقبة رجل حفظ الله في كل شيء ،فاسمعوا كيف حفظه الله وكيف سخر الله له كل شيء. فما هي إلا لحظات حتى خرجت الأسود تحمل أشبالها والذئاب تحمل جراءها والثعابين تحمل أفراخها ،فقال أحد الجنود للقائد عقبة ألا نقتلها يا أيها القائد؟ فقال له عقبة : لا نقتلها لأنا إن قتلناها نكون قد خنا العهد مع الله تعالى، فلقد أعطيناها الأمان ،فكيف ننقض العهود معها ؟ ،فيوم أن حفظ عقبة ربه في رخائه ، حفظه الله في مختلف أحواله، وسخر الله تعالى له البهائم ،والسباع ، وحفظه من شرها ، ووقاه من خطرها :﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي قصة رجل من الصالحين كان يصوم النهار ويقوم الليل، هذا الرجل الصالح كان يشتغل في التجارة، وكان كثير الذكر، والتلاوة، والصيام، والعبادة، خرج ببغلات -وعنده بغال يستعملها في التجارة- فمر به مجرم فقال: يا فلان! أوصلني إلى ذلك المكان.. قال: اركب معي…فركب معه، فلما أصبحوا في غابة لا يراهم إلا الله، أتى هذا الرجل المجرم، فأخرج خنجراً معه، وقال لهذا الرجل الصالح: ادفع ما عندك من مال فو الله لأقتلنك، قال الرجل الصالح: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تأخذ ما عندي من مال ،وما عندي من تجارة وتتركني، فلدي سبعةُ أبناءٍ وأمهم، لا يعولهم بعد الله إلا أنا . قال: والله الذي لا إله إلا هو لأقتلنك… قال: فأسألك بمن قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأصلي ركعتين، فقام فتوضأ وقام يصلي، قال: فلما كبرت، نسيت كل آية من القرآن من الخوف، والله ما ذكرت إلا قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62] ، فمن يجيب المضطر إلا الله! ،ومن يكشف السوء إلا الله! ،ومن يشفي المريض إلا الله! ،ومن يجبر الكسير إلا الله! ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62] ، قال: فقلت في نفسي: يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني! يا من يجيب المضطر إذا دعاه أجبني!، قال: فوالله ما انتهيت من الدعاء، إلا وفارس قد أقبل على فرس من أسفل الوادي ومعه حربة أرسلها، فوقعت في لبة هذا الرجل، فإذا هو مقتول على قفاه، قلت: أسألك بالله ،أنت رسول من؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت بالدعوة الثانية كنت في الرابعة، ولما دعوت الثالثة أتيت إلى الأرض لأقتل هذا المجرم… أرأيتم : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾. فيا من تريد ان يحفظك الله.. احفظ الله، ويا من تريد سعادة الدنيا والآخرة.. احفظ الله، ويا من تريد النجاة من الأخطار.. احفظ الله. فما حفظ الله تعالى من جعل الصلاة آخر اهتماماته فاخرها أحيانا ونام عنها أحيانا، وتهاون بها وتكاسل عنها أحيانا، وما حفظ الله من أفنى عمره وأبلى شابه في غير طاعة الله وانفق ماله في غير مرضاة الله، وما حفظ الله، من أطلق لجوارحه العَنَانَ لتهيم في معاصي الله، ألا فليتقِ اللهَ أو لائك، وليُراجِعُوا أنفُسَهُم، ولِيَتُوبوا لبارئهم، فإنَّهُ تَوَّابٌ رحيم، يَقبَلُ التوبة، ويعفُوا عن الكثير،
أيها المسلمون
ومن فوائد الدعاء بهذه الآية الكريمة : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64] – أن الإكثار من هذا الدعاء يساعدك على اتخاذ القرار السليم للحفاظ على حياتك! – وأن الله تعالى يهيئ لك الظروف المناسبة ويلهمك التصرف الصحيح الذي يضمن الحفاظ على بيتك ومالك وأولادك وأهلك ومن تحب! – وأن هذا الدعاء يعطيك راحة نفسية ويخلصك من القلق وتزداد ثقتك بالله تعالى. – وأن هذا الدعاء يساعد على إرجاع ما فقدته من صحة أو رزق أو فرصة عمل. – وأن هذا الدعاء يمنحك قوة واطمئنان لتشعر بمزيد من السعادة.. – وأن يذكرك بسيدنا يوسف عليه السلام وكيف أن الله تعالى قد حفظه في الجب وفي السجن ونجاه من فتنة النساء.. وآتاه الله من الملك.. – وأن هذا الدعاء يعينك على الاستغناء عن الناس واللجوء إلى الله، فالله هو الوحيد القادر على حمايتك وبخاصة في مثل هذا العصر.. فليكن هذا الدعاء جزءاً من حياتك بحيث تكرره كل يوم وفي كل مناسبة وعند خروجك من البيت وعند إحساسك بالخوف، أو عندما تحزن أو تقلق أو تتعرض لمشكلة ما اجتماعياً أو نفسياً … فقل دائما : (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)..
الدعاء