خطبة عن حديث (لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ)
نوفمبر 10, 2018خطبة عن الصحابي: (مَجْزَأَة بن ثَوْرٍ الأَسْلَمِيّ
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام 44.
إخوة الإسلام
لقد أمرَنَا اللهُ سبحانَهُ وتعالى أَنْ نقرأَ القرآنَ الكريمَ، وأن نفهَمَ معانِيَهُ، ونتدبَّرَهُ لِنُدرِكَ مرامِيَهُ، فالمتدبر لآيات القرآن العظيم يزداد إيمانه، ويتضح له الطريق الموصلة إلى الله ، وكلما كانت قراءة القرآن عن تدبر وتعقل كان وقعها في النفس أكبر، وكان لها أثر في سلوك الإنسان، ولهذا لمَّا سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد (قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) ، فكان صلى الله عليه وسلم يتمثل القرآن منهجاً لحياته قراءةً وتدبراً وتطبيقاً، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة”. وقال الامام علي بن أبي طالب: “لا خير في قراءة لا تدبر معها”. وقال ابن مسعود: “إن أحدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط حرفاً وقد أسقط العمل به” وموعدنا اليوم -إن شاء الله- مع وقفات وتأملات مع آية من كتاب الله عز وجل ، نتفهم معانيها ، ونتدبر مراميها ، ونعمل بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام 44 . يقول الله عز وجل (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) أي : فلما أعرضوا عن ما ذكرهم الله به في كتابه وتناسوه وتركوا العمل به حصلت العقوبة . فماهي العقوبة ؟ ، هي قوله تعالى : (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) ، ولنتأمل قوله : (فَتَحْنَا) ، فقد سمى الله عز وجل العقوبة ( فتحا)، والفتح غالبا ما يكون في النعمة ..فيقول الله تعالى : ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) من الأرزاق والخيرات ، والمتاع ، والصحة ، والجاه ،وبدلنا مكان البأساء الرخاء والسعة في العيش، ومكان الضراء الصحة والسلامة في الأبدان والأجسام، استدراجًا منَّا لهم، ﴿ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ﴾، فَهَذَا فَرَحُ بَطَرٍ ، مِثْلُ فَرَحِ قَارُونَ بِمَا أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا) ، أي : حتى إذا فرحوا بالأموال والأولاد ، وفرحوا بالخيرات والأرزاق المتدفقة ،واستغرقوا في الاستمتاع بها ،وخلت قلوبهم من ذكر المنعم ، ومن خشيته وتقواه ؛ وانحصرت اهتماماتهم في لذائذ الدنيا ،جاء موعد القانون الإلهي الذي لا يتبدل ولا يتغير ، ﴿ أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ﴾، أي فَجْأَةً آمَنَ مَا كَانُوا وَأَعْجَبَ مَا كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ، فقد فاجأهم العذاب وهم على غرة ؛ و في سهوة وغفلة . وهم غارُّون لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ، ( فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) أي : فإذا هم آيسون من كل خير ، وهالكون, ومنقطعة حججهم, ونادمون على ما سلف منهم من تكذيبهم لرسلَهم ، وروى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ» ، ثُمَّ تَلَا: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ الْآيَةَ. وقال الحسن البصري : من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به ، فلا رأي له ، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له ، فلا رأي له ، ثم قرأ : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام 44 . وقال الحسن : مكر بالقوم ورب الكعبة ; أعطوا حاجتهم ثم أخذوا . وَقَالَ قَتَادَة : بَغَتَ الْقَوْم أَمْر اللَّه وَمَا أَخَذَ اللَّه قَوْمًا قَطُّ إِلَّا عِنْد سَكْرَتهمْ وَغِرَّتهمْ وَنِعْمَتهمْ فَلَا تَغْتَرُّوا بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَغْتَرّ بِاَللَّهِ إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ ، وعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول” إِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ بَقَاء أَوْ نَمَاء رَزَقَهُمْ الْقَصْد وَالْعَفَاف وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ اِقْتِطَاعًا فَتَحَ لَهُمْ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِمْ بَاب خِيَانَة ” ” حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ” . وكَمَا قَالَ” فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ ” وَرَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْره .
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى 🙁 فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام 44 . إنه مشهد عجيب ، يصور لنا أحوال الكثير من الناس اليوم ، وما هم فيه من غفلة ، وما ينتظرهم من عقاب ، فالآية تبين لنا عاقبة المستكبرين عن هدي رب العالمين، والمعرضين عن دعوة المرسلين ، وأن الذين يتركون ما جاءهم من النور والهدى، فإن الله سبحانه يفتح لهم من الرخاء والبسط في الدنيا؛ استدراجاً لهم، ثم إنه سبحانه يأخذهم على حين غرة أخذ عزيز مقتدر، جزاء بما كسبت أيديهم. وهذه الآية على علاقة وثيقة بسابق لها، وهو قوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }(الأنعام:42) ، فالله سبحانه وتعالى يعامل الأمم المسرفة بتسليط المكاره والشدائد عليهم، فإن لم ينتفعوا به، ينقلهم من تلك الحالة إلى ضدها، وهو فتح أبواب الخيرات عليهم، وتسهيل موجبات المسرات لديهم، ومن ثم يأخذ فجأة، وهم في نشوة الفرح والمسرة، جزاء بما كسبت أيديهم.
أيها المسلمون
ولنا مع قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام 44 . لنا معها وقفات ، وتأملات : الوقفة الأولى: (النسيان) في قوله سبحانه: { فَلَمَّا نَسُوا} بمعنى الإعراض، فليس المراد حقيقة النسيان، بل المراد ترك العمل بما جاءت به الرسل من الهدي الرشيد، والطريق السديد؛ لأن التارك للشيء إعراضاً عنه، قد صيره بمنزلة ما قد نسي، الوقفة الثانية: معنى : { مَا ذُكِّرُوا بِهِ } ، أن الله سبحانه ذكرهم بعقابه العظيم ، وبما جاءهم به من المنهج والتوحيد. وهذا التذكير إما أن يكون هو الإخبار بواسطة الرسل، الذين يذكرون الناس بأن المنعم هو الله، وأن الله أنزل المنهج ليصلح الكون به، وإما أن يكون بواسطة النعم التي تمر على الإنسان في كل لحظة من اللحظات؛ لأنها تنبه الإنسان إلى أن هناك من أعطاها إياه . الوقفة الثالثة: في قوله تعالى: { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } (فالفتح) هنا استعارة لإزالة ما يؤلم ويغم، كقوله سبحانه وتعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } (الأعراف : 96) ، ومنه تسمية (النصر) فتحاً؛ لأنه إزالة غم القهر. والمراد: أن الله سبحانه فتح على هؤلاء المعرضين كل أبواب الخير والرزق التي كانت قد سُدت عليهم، عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا، إذ لم يتضرعوا، وتركوا أمر الله تعالى، وهذا (الفتح) منه سبحانه لهم إنما هو استدراج منه تعالى، وإملاء لهم. الوقفة الرابعة: قوله تعالى: { أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } لفظ (كل) في الآية لفظ عامٌ مخصوص، أي: أبواب كل شيء يبتغونه، أو يحبونه، وقد عُلِمَ أن المراد بـ { كُلِّ شَيْءٍ } جميع الأشياء من الخير خاصة، فثمة وصف مقدر، أي: كل شيء صالح، كقوله تعالى : { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } (الكهف:79)، أي: كل سفينة صالحة. قال ابن عاشور: وقد جعل (الإعراض) عما {ذكروا به} وقتاً لفتح أبواب الخير؛ لأن المعنى أنهم لما أعرضوا عن الاتعاظ بنُذر العذاب، رفعنا عنهم العذاب، وفتحنا عليهم أبواب الخير؛ استدراجاً لهم، كما صرح به في قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (94)،(95) الأعراف ، وينبغي التنبه هنا إلى دقة التعبير القرآني : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ } لقد فتح الله عليهم، أي: سلط عليهم، ولم يقل: فتح لهم، وقد قال الحق سبحانه في موضع آخر من القرآن الكريم مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } (الفتح:1)، فعُرِفَ من هذا أن تعدي (الفتح) بـ (اللام) غير تعدي (الفتح) بـ (على)؛ لأن (الفتح) على أحد يعني استدراجه إلى إذلال قسري سوف يحدث له. الوقفة الخامسة: قوله عز وجل: { حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا } فمعنى (الفرح) هنا هو الازدهاء والبطر بالنعمة ونسيان المنعم، كما في قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } (القصص:76)؛ فإنهم إذ يكونون في فرح مما أعطاهم الله تعالى، أخذهم سبحانه بالحرمان، أو أصابهم بالموت المفاجئ، أو الخراب الجائح، في وقت لم يتوقعوه، بل كانوا يتوقعون المزيد من النعم، ويحسبون أنها حق مكتسب لا يمحى. والمراد من هذا هو الإمهال لهم لعلهم يتذكرون الله ويوحدونه، فتطهر نفوسهم، فابتلاهم الله بالضر والخير؛ ليستقصي لهم سببي التذكر والخوف؛ لأن من النفوس نفوساً تقودها الشدة، ونفوساً يقودها اللين. وقد عبر سبحانه عن إعطاء الله النعمة { بِمَا أُوتُوا } بالبناء للمجهول؛ لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم. كما جاء على لسان واحد من أمثالهم، وهو قارون: { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } (القصص:78). وقال بعض أهل العلم: “وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة؛ ليكون أشد لتحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما الوقفة السادسة: فقوله سبحانه: { أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً } فمعنى (الأخذ) هنا الاستئصال والسطوة والإهلاك، وسياق الآية يفيد أنه أخذ لا هوادة فيه. و(بَغْتَةً ) معناها فجأة، والمراد أنه سبحانه أتاهم بالعذاب فجأة، وهم في غفلة لا يشعرون أن ذلك كائن، ولا هو بهم حالٌّ. الوقفة السابعة: قوله تبارك وتعالى: { فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } (فالإبلاس) في اللغة يكون بمعنى اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، ويكون بمعنى انقطاع الحجة، ويكون بمعنى الحيرة بما يَرِد على النفس من البلية، وهذه المعاني متقاربة، ومتداخلة. والمراد أنهم في غم وكمد وحزن ويأس وحيرة بعد الفرحة، فهم آيسون من كل خير. فالله سبحانه قد لا يحرم من أسرف على نفسه من عباده، بل يستدرجهم ويعطيهم من النعم أكثر وأكثر، فيترفون ويعيشون في ألوان من حياة العز والصحة والسعة والجاه والسيطرة والمكانة، ثم إنه سبحانه يأخذهم فجأة من حيث لا يشعرون، فلا منجى، ولا منقذ، ولا خلاص لهم. وقد يعلي الكافر المشرك في بعض الأحيان، ثم يأخذه فجأة، فيقع، ليكون الألم عظيماً. فإن رأينا إنساناً أسرف على نفسه، ووسع عليه في نظام الحياة، وهو مقيم على معصية الله، فعلينا أن لا نُفْتن به، ونقول: إن الكافر الظالم يملك المُلك العظيم، ويعيش في رغد من العيش؛ لأننا سنرى نهاية هذا الظالم البشعة.
أيها المسلمون
ومن أهم الدروس والعبر التي نستخلصها من هذه الآية الكريمة : أولا : أنه ليس كل نعمة تأتيك هي نعمة فكن على حذر : فليس كل فتح فتحا ،وليس كل عطاء عطاء ، وليس كل فرح فرحا ، ولكن أنظر إلى النتيجة ، إلى طاعة ، أم إلى معصية ، فإذا رأيت النعم تأتيك وأنت مقيم على الطاعات فاعلم أن ذلك فضل من الله ونعمه ،وإذا رأيت النعم تتدفق عليك وأنت مقيم على المعاصي والذنوب فاعلم إن هذا استدراج . ثانيا : قل لكل مفتون بما عند الكافرين من فتوحات وأرزاق : مهلاً فإنها استدراج من الله تعالى لهم عياذاً بالله ،فكم من المخدوعين اليوم من المسلمين بهذا الفتح الذي فتح الله به على الكفار ، ويجهلون أن هناك قوانين إلهيه لا تتبدل ولا تتحول . قال الله تعالى (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) المؤمنون (55) ،(56)
الدعاء