خطبة عن (مواقف ضحك رسول الله فيها أو تبسم)
فبراير 15, 2023خطبة عن ( أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وحِزْبُهُ الْخَاسِرُونَ)
فبراير 18, 2023الخطبة الأولى ( فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (83) :(87) الصافات
إخوة الإسلام
يتبين لنا من خلال تدبر هذه الآيات المباركات: أن من أشياع نبي الله نوح، وعلى منهاجه وملَّته: (نبيَّ الله إبراهيم) عليه السلام، وقد جاء ربه بقلب سليم بريء من كل اعتقاد باطل، وخُلُق ذميم، وقد قال لأبيه وقومه منكرًا عليهم: ما الذي تعبدونه من دون الله؟، أتريدون آلهة مختلَقَة تعبدونها، وتتركون عبادة الله تعالى المستحق للعبادة وحده؟، ثم قال لهم: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أنه فاعل بكم، إذا أشركتم به وعبدتم معه غيره؟، وأي شيء ظنكم بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين؟، أشككتم فيه حتى تركتم عبادته سبحانه بالكلية؟، أو أعلمتم أي شيء هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه سبحانه وتعالى؟، أو أي شيء ظنكم بعقابه – عز وجل – حتى اجترأتم على الإفك عليه تعالى ولم تخافوا؟، إنه بلا شك سبحانه وتعالى سيحاسبكم على ذلك حسابا عسيرا، ويعذبكم عذابا أليما، وما دام الأمر كذلك، فاتركوا عبادة هذه الآلهة الزائفة، وأخلصوا عبادتكم لخالقكم ورازقكم،
فالآيات تدل دلالة واضحة على استنكار نبي الله إبراهيم (عليه السلام) لما كان عليه أبوه وقومه من عبادة لغير الله تعالى، وعلى نفور فطرته لما هم عليه من الباطل، والآيات الكريمة توجّه الإنسانَ إلى محاسبة نفسه، من خلال تفكيره بأفعاله، من حيث كونها مما يرضى الله -تعالى- عنه، أم مما يسخط الله -تعالى-، فمن حاسب نفسه وصارحها رجع عن معاصيه وتاب لله تعالى، وفي الآيات تأكيدٌ على عدل الله تعالى، فإنّه سبحانه يجازي الإنسان بما يستحّقّ على كسب يديه، فمن عمل سوءاً فلا يركن أنّه يُرحَم، بل يتذكّر عدله تعالى- وحسابه وعقابه.
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): فيه دعوة إلى حسن الظن بالله تعالى، وحسن الظن بالله هو: رجاء كل خير من قِبله سبحانه وبحمده، وهو أن يؤمل العبد من ربه كل بر، وكل إحسان، فهو رب كل نعمة، وهو صاحب كل إحسان، وهو صاحب كل سعة؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ النحل (53). وهو سبحانه وتعالى المؤمل في تحصيل المطالب، وهو المؤمل في كشف كل كربةٍ وكل خوفٍ. وفي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». قال المناوي: “أي لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة، وهي حسن الظن باللّه تعالى، بأن يظن أنه يرحمه، ويعفو عنه، لأنه إذا حضر أجله، وأتت رحلته، لم يبق لخوفه معنى، بل يؤدي إلى القنوط، وهو تضييق لمجاري الرحمة والإفضال، ومن ثم، كان من الكبائر القلبية، فحسن الظن، وعظم الرجاء، أحسن ما تزوده المؤمن لقدومه على ربه)، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»،
وحسن الظن بالله تعالى ينجي صاحبه في الدنيا والآخرة، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ «كَيْفَ تَجِدُكَ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ – قَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ رَجُلاَنِ – فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. قَالَ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أنْ لاَ تُعِيدَنِي فِيهَا. فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا عَزَّ وَجَلَّ ».
أيها المسلمون
وحسن الظن بالله تعالى من ركائز الإيمان، وتاج عبادة القلب، ومفتاح سلامة العقيدة، وسر من أسرار السعادة في الدنيا والآخرة. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر) [صحيح الجامع]، ويقول ابن القيم: (ولا ريب أن حسن الظن به إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته)، فإحسان الظن بالله تعالى من أوكد الفرائض، ومن أجلِّ الواجبات، وقد أمر الله تعالى عباده بأن يحسِنوا الظن به سبحانه، وذلك في مواضع عديدة، منها ما أمر الله تعالى به في قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة (95). قال عكرمة: معناها: (أحسنوا الظن بالله). ومما يدل على وجوب إحسان الظن بالله تعالى أن الله سبحانه وتعالى توعد الذين أساءوا الظن به أشد وعيدٍ، فقال سبحانه: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ الفتح (6)، وعقوبة هؤلاء: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ الفتح (7) يقول ابن القيم: (لم يأتِ عقاب ولا عذاب ولا وعيد في القرآن كما جاء في سوء الظن بالله تعالى). ولذلك قال جماعة من أهل العلم: (إن أعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به سبحانه وتعالى) .
أيها المسلمون
وهناك فرق بين حسن الظن بالله تعالى والغرور، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، قال تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. بعكس المغرور وهو الذي يقع في المعاصي، ولا يفعل الطاعات، ويقول: سيغفر الله لي، ويتوب عليَّ. فمن أحسن الظن بالله، كان دائم الخوف من الله سبحانه وتعالى بفعل الطاعات وترك المنكرات.
وهناك أيضا ثمة فرق بين الظن بالله بيقين، وبين الظن به بالتجريب والتشكيك، فتعالى الله أن يكون الظن به تجريبًا لا يقينًا.. فالثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معركة تبوك، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بسبب ما جثم على صدورهم من الهم إبان تخلفهم، فكان خلاصهم من ضيقهم باتجاهم إلى حسن ظنهم بباريهم، فجاءت الآية ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (118) التوبة ،
أيها المسلمون
(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “الجبن والبخل والحرص غرائز سوء، يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل”. والإنسان كلما ازداد جهلا بربه، ازداد سوء ظنه به جل وعلا، وكلما ازداد علما ويقينا بالله، ازداد حسن ظنه بالله عز وجل، قال تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:154]، ولذلك قال في شأن المؤمنين: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِين} [الأحزاب:22-24]
أيها المسلمون
وإذا كان الاسلام قد رغبنا في حسن الظن بالله تعالى، فهو أيضا قد حذرنا من سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالله تعالى له صور متعددة ومنها: اليأس والقنوط: أن تيأس من رحمة الله ، وتظن إنه لن يغفر لك، وفي سنن الترمذي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »، ومن صور سوء الظن بالله تعالى : الاعتقاد بأن الله لن يثيب المحسن ويُعاقب العاصي: قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] .. ومنها أيضا: اعتقاد أن الله لا يقبل تضرع من دعاه، فالله تعالى يقبل دعاء كل داعي، ولكن القبول على مراتب؛ إما أن يعجل بالإجابة، أو يكفّر عنه بها سيئات، أو يدخرها له ليوم القيامة، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. ومن صور سوء الظن بالله تعالى: إن تظن أن الله لن ينصر دينه وأولياؤه، وأن أعداء الإسلام سيظلون يتسلطون علينا طوال العمر، وأن المسلمين لن يروا العزّ والتمكين بعد اليوم أبدًا، وفي مسند أحمد: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ». وفيه أيضا: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): ولحسن الظن بالله تعالى فوائد وثمرات يجنيها العبد في الدنيا والآخرة: فحسن الظن بالله تعالى يثمرُ في قلب العبد تعظيم الرب جل وعلا، فمن أحسن الظن بالله تعالى سعى جهده في تعظيم ربه، وانفرد في قلبه محبة الله تعالى، فليس لله في قلبه مزاحم، بل ربه قد ملأ قلبه، وليس في قلبه إلا الله محبةً وتعظيمًا، خوفًا ورجاءً، إجلالاً وإنابةً، توكلًا واعتصامًا، كل هذه المعاني يمتلئ بها قلب العبد عندما يحسن الظن بربه، وعندما يتعرف على هذا الرب الذي له الأولى والآخرة، ولذلك لما امتلأ قلب إبراهيم عليه السلام بتعظيم الله تعالى قال تلك الكلمات النيرة: ﴿مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (85) :(87) الصافات.
ومن ثمرات حسن الظن بالله تعالى: أن يحفظ العبد ربه جل وعلا في الغيب والشهادة، وأن يحفظه في المنشط والمكره، وأن يحفظه بين الناس وفي الخلوات، هكذا يكون حسن الظن بالله تعالى، ولذلك قال الله تعالى معقبًا على ظن هؤلاء الذين أساءوا الظن به: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فصلت (23). وذكر الله تعالى قومًا في كتابه العزيز: أنهم أسرفوا على أنفسهم بتكذيب الرسل، وأسرفوا على أنفسهم بألوان المعاصي، ثم إنهم مع هذه الإساءة، ظنوا أن الله لا يعلم ما يعملون، وأنه لا يعاقبهم على ما يكون منهم، فقال الله تعالى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (22) ،(23) فصلت، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ الحشر (2). أي: ظنوا أن هذه الحصون ستعصمهم من عقوبة الله تعالى ومن أخذه، وحسن الظن بالله تعالى يثمر صلاح العمل، وحسن الطاعة لله جل وعلا. قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران (133) . فحسن الظن بالله تعالى يحمل العبد على مزيد عمل؛ لأنه يحسن الظن بربه أنه لا يضيع عمله، وأنه جل وعلا لا يخلف الميعاد، فيقوى طمعه فيما عند ربه، ويعلم أنه ما يسجد لله سجدة إلا وسيجد ثمرتها، وما يقوم لله قومة إلا وسيجد نتاجها، وما يعبد الله تعالى في عبادة ولا يتقدم بحسنة إلا وسيجدها عند ربه.
الدعاء