خطبة عن قوله تعالى (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ)
مارس 2, 2019خطبة عن حديث (لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ)
مارس 2, 2019الخطبة الأولى ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (11) الانعام ، وقال الله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (69) النمل ،وقال الله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (42) الروم
أيها المسلمون
بداية : تعالوا بنا ننظر في أقوال علماء التأويل والتفسير في بيان معانى هذه الآيات ومقصودها : قال أبو جعفر الطبري : ” قل “، يا محمد : لهؤلاء العادلين بيَ الأوثانَ والأندادَ، المكذِّبين بك، الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي:” سيروا في الأرض ” ، ثم انظروا كيف أعقَبَهم تكذيبهم ذلك، الهلاكَ والعطبَ وخزيَ الدنيا وعارَها, وما حَلَّ بهم من سَخَط الله عليهم، من البوار وخراب الديار وعفوِّ الآثار. وفي التفسير الكبير لفخر الدين الرازي : قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : (قل لهم لا تغتروا بما وجدتم من الدنيا وطيباتها ووصلتم إليه من لذاتها وشهواتها ، بل سيروا في الأرض لتعرفوا صحة ما أخبركم الرسول عنه من نزول العذاب على الذين كذبوا الرسل في الأزمنة السالفة ، فإنكم عند السير في الأرض والسفر في البلاد لا بد وأن تشاهدوا تلك الآثار ، فيكمل الاعتبار ، ويقوى الاستبصار ) . وقال السعدى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (11) الانعام : فلن تجدوا إلا قوما مهلكين، وأمما في المثلات تالفين، قد أوحشت منهم المنازل، وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل، أبادهم الملك الجبار، وكان بناؤهم عبرة لأولي الأبصار ،وفي الوسيط لطنطاوي : (أمر القرآن النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم بحال من سبقوهم عن طريق التطلع إلى آثارهم، والتدبر فيما أصابهم، والاتعاظ بما حل بهم ،فقل- يا محمد- لأولئك المكذبين لك، المستهزئين بدعوتك، لا تغتروا بما أنتم فيه من قوة وجاه، فإن ذلك لا دوام له، وسيروا في فجاج الأرض متدبرين متأملين، فسترون بأعينكم آثار أقوام كانوا أشد منكم قوة وأكثر جمعا، ولكن ذلك لم يمنع وقوع العذاب بهم حين بدلوا نعمة الله كفرا، وحاربوا رسل الله والدعاة إلى دينه. وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم أن يطلب منهم السير في الأرض للتفكر والتدبر، لأنهم كانوا يستهزئون به صلى الله عليه وسلم فكانت المخاطبة منه لهم من قبيل النصيحة والتحذير. وليس المراد مجرد النظر في قوله ثُمَّ انْظُرُوا، بل المراد منه التفكر والتدبر والاعتبار الذي يهدى إلى الإيمان، ويعين على اتباع الصراط المستقيم ) .
إخوة الإسلام
هكذا أمرنا الاسلام أن نسير في الارض ، للتأمل والتفكر والاعتبار، ففي الأرض آيات للموقنين، حيث يشاهد اختلاف البقاع من الأرض، والجبال، والوهاد، والأودية، فتارة تجد أرضاً رملية وكثباً مرتفعة كالجبال، وتارة تسير في صحراء ترابية مستوية، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، خالية من الجبال والرمال، والأودية، وتارة تقع على أرض صخرية فيها الجبال الرفيعة، والآكام، والظراب والحَرَّات، وتارة تعثر على أرض خصبة ذات أشجار وأزهار، ونبات مختلف الألوان. وما بث الله على الأرض من الدواب، والحشرات، والطيور، والوحوش، وأنواع الحيوانات، وهكذا سيرك في البحار الممتدة على وجه الأرض، وتنظر إلى تلاطم أمواجه، وزبدها، وما فيها من الحيوانات، والدواب، والمخلوقات التي لا يحصيها إلا الله تعالى، فمن سار في الأرض لهذه المقاصد فإنه يرى العجب العجاب، ويرجع متأثراً مستفيداً عبرة وفكرة، ومواعظ، ودلالات على قدرة الله تعالى، وعجيب صنعه في خلقه. والسير في هذه الآية يُراد منه النظر في الآيات والآثار، ونهاية من قبلنا، وكيف كانت عاقبتهم، ففي ذلك عبرة وموعظة لمن فكر ونظر بقلبه، حيث يرى المساكن الخربة، والقبور المتناثرة، والعظام النخرة، ويرى تقلب الدنيا بأهلها، حيث قد ملكها من قبلنا، وتصرفوا فيها، وسيطروا على الخلق، وفتكوا وظلموا، وجاروا أو عدلوا، وأقسطوا، فكانت نهايتهم أخباراً وآثاراً .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فتأمل أيها الانسان ؛ لتعرف مآل المكذبين، ونهاية الضالين ، ونظروا في زماننا تأملوا في حال الذين يكذبون كتاب الله، والذين يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يسعون في الأرض فساداً ، قال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 45]، ثم انظروا كيف أعقبهم تكذيبهم ذلك، الهلاك والعطب وخزي الدنيا وعارها، وما حل بهم من سخط الله عليهم، من البوار وخراب الديار وعفو الآثار. فاعتبروا به، إن لم تنهكم حلومكم، ولم تزجركم حجج الله عليكم، عما أنتم عليه مقيمون من التكذيب، فاحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحل بكم مثل الذي حل بهم ، وفي قوله تعالى ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11] فبعدما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم عليه فهذه ديارهم خربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرة، فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون،
أيها المسلمون
ومن الفوائد المستلهمة من هذه الآيات : أولا : فكروا في أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين. ثانيا : تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم في تكذيب من كذّبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدّنيا والآخرة. ثالثا : تبشير له بالنّصر وحسن العاقبة، وقد أهلك الله خمسة من رؤساء قريش في يوم واحد، وهذا ما امتنّ الله به على نبيّه بقوله: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر: 95]. رابعا : هذه الآية تتوجه إلينا نحن المؤمنين أن قيسوا أحوالكم بأحوالهم حتى لا يكون مآلكم كمآلهم. خامسا : العداوة والتكذيب لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تكون بالإباء والرفض لما جاءوا به، وهو أمر لم يزل مستمراً قائماً إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، وإلى أن يأذن سبحانه وتعالى بهلاك الكفر وأهله من الأرض كلها.
الدعاء