خطبة عن حديث (لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا)
يوليو 7, 2018خطبة عن حديث (تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً)
يوليو 7, 2018الخطبة الأولى ( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (100) المائدة
إخوة الإسلام
جاء في أسباب النزول للواحدي : (عن جابر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حرّم عليكم عبادة الأوثان، وشرب الخمر، والطعن في الأنساب؛ ألا إن الخمر لُعِنَ شاربُها وعاصرُها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها. فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله، إني كنت رجلاً كانت هذه تجارتي فاعْتَقَبْتُ من بيع الخمر مالاً، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن أنفقته في حجٍ أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إِنَّ الله لا يقبل إلا الطيب. فأنزل الله تعالى تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [ فالخبيث: الحرام ]. وجاء في تفسير الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل : قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْ يَا مُحَمَّد لَا يَعْتَدِل الرَّدِيء وَالْجَيِّد , وَالصَّالِح وَالطَّالِح , وَالْمُطِيع وَالْعَاصِي . { وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } يَقُول : لَا يَعْتَدِل الْعَاصِي وَالْمُطِيع لِلَّهِ عِنْد اللَّه وَلَوْ كَثُرَ أَهْل الْمَعَاصِي فَعَجِبْت مِنْ كَثْرَتهمْ ; لِأَنَّ أَهْل طَاعَة اللَّه هُمْ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَإِنْ قَلُّوا دُون أَهْل مَعْصِيَته , وَإِنَّ أَهْل مَعَاصِيه هُمْ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا . ويَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَة مَنْ يَعْصِي اللَّه فَيُمْهِلهُ وَلَا يُعَاجِلهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَة لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه عِنْده ، وعَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } قَالَ : الْخَبِيث : هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَالطَّيِّب : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ
أيها المسلمون
إن الخبيث: هو كل ما يكره بسبب رداءته وخساسته، سواء أكان شيئاً محسوساً، أو شيئاً معنوياً، فالخبيث إذاً يتناول: كل قول باطلٍ ورديء في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبيح من الفعال، فكل خبيث لا يحبه الله ولا يرضاه، بل مآله إلى جهنم، كما قال ـ: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} [الأنفال: 37]. وأما الطيب : فهو شامل للطيب والمباح من الأقوال والأفعال والمعتقدات، فدخل في هذه كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الواجبات والمستحبات والمباحات. نعم (لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب) ،فلا يستوي الإيمان والكفر، ولا الطاعة والمعصية، ولا أهل الجنة وأهل النار، ولا الأعمال الخبيثة والأعمال الطيبة، ولا المال الحرام والمال الحلال ومن الملاحظ أن الغرض من الآية ،ليس مجرد الإخبار بأن الخبيث لا يستوي هو والطيب، فذلك أمرٌ بدهي فطري ، ومركوز في الفَطَر، ولكن الغرض من الآية : هو الحث والترغيب في تتبع كل طيب ،من القول ،والعمل والاعتقاد ،والكسب، والتنفير والترهيب من كل خبيث ،من القول ،والعمل ،والاعتقاد ، والكسب. ولما كان في بعض النفوس ميلٌ إلى بعض الأقوال ،أو الأفعال ،أو المكاسب الخبيثة، ولما كان كثيرٌ من الناس يؤثر العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، فقد جاء التحذير من الخبيث ،بأسلوب عجيب ،يقطع الطريق على من قد يحتج بكثرة من يتناول هذا الخبيث، فقال تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} ،وذلك أن في بعض الخبائث شيءٌ من اللذة الحسية ،أو المعنوية، كالحصول على مالٍ كثير، ولكن من طريق حرام، أو الوصول إلى اللذة الجسدية عن طريق الزنا، أو الخمر ، أو غيرهما من الملذات المحرمة، فهذه قد تغري الإنسان، وتعجبه، إلا أنه مع كثرة مقدار الخبيث ، ولذاذة متناوله، وقرب وجدانه، فهو سبب للحرمان من السعادات الباقية الأبدية السرمدية في الدار الآخرة ، والتي إليها اشار القرآن ، بقوله تعالى : {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ} [الكهف 46]،
وإذا كان الأمر كذلك ، فالخبيث ولو أعجبك كثرته ، يمتنع أن يكون مساوياً للطيب ، والذي هو أعظمه: معرفة الله ومحبته، وطاعته، فتلك هي ـ والله ـ الحياة الطيبة التي وعد بها ـ من استقام على أمره، بأن يطيب عيشه في الدنيا ،والبرزخ، والآخرة، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] ، فهؤلاء هم الذين طابت أقوالهم ،وأفعالهم ،وحياتهم، فطاب مماتهم ،ورجوعهم إلى الله، كما قال الله تعالى : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِين} [النحل: 32] ،والمؤمن الرشيد يعلم علم اليقين ، أن ما في الخبيث من لذة ، إلا وفي الطيّب مثلها وأحسن منها ، مع الأمن من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، والعاقل حين يتحرر من هواه، ويمتلئ قلبه من التقوى، ومراقبة الله تعالى، فإنه لا يختار إلا الطيب، بل إن نفسه ستعاف الخبيث، ولو كان ذلك على حساب فوات لذات، أو لحوق مشقات ؛ فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، مسلياً نفسه بقول الله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].
أيها المسلمون
(قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (100) المائدة إنها آيةُ فازةُ جامعةُ, فلا يستوي الخبيث والطيب في كل الأبواب, فلا يستوي الخبيث في معتقده ، مع الطيب في معتقد, ولا يستوي خبيث النوايا ،مع طيب النوايا, ولا يستوي خبيث العمل ،مع طيب العمل, ولا يستوي خبيث القول ، مع طيب القول, ولا يستوي من كسبه حلال طيب ، مع من كسبه حرام خبيث, ولا يستوي المشرك مع المؤمن, ولا من أدعى أن المسيح هو الله ، مع من قال لا إله إلا الله, قال الله تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص 28, وقال الله تعالى : (أَفَمَن كان مُؤْمِنًا كَمَن كان فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ ) السجدة 18، وقال الله تعالى : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم (35) ،(36)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا تتوالى الآيات, لإثبات هذا المعنى ، أن الخبيث لا يستوي مع الطيب، قال الله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) فاطر 19 : 22, فلا يستوي أبداً المؤمن الذي يسير على بصيرة من الله ، مع الكافر المتخبط , ولا يستوي من يعمل عملاً يبتغي به وجه ربه الأعلى ، مع من يعمل عملاً يبتغي به عرضاً زائلاً من عوارض الحياة الدنيا, ولا يستوي البار بوالديه مع العاق لأبويه, ولا يستوي واصل الرحم مع قطعها, ولا يستوي من يحسن إلى الخلق, ويحنو عليهم, يطعمهم إذا جاعوا, ويسقيهم إذا عطشوا, ويستر عليهم إذا ارتكبوا معصية , فلا يستوي من ستر مسلماً مع من سعى في فضيحة العباد, ولا يستوي من يسعى في نشر الفضيلة في الأرض ،مع من يسعى في نشر الرذيلة فيها, ولا يستوي أبداً ًالمحسن إلى جاره ، مع المسيء إلى الجار, ولا يستوي طيب القول والعمل مع خبيث القول والعمل , قال الله تعالى : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (26) النور ،ولا يستوي أبداً مع من لسانه ينطق بذكر الله, مع من شأنه القيل والقال ،والخوض في الأعراض ،والطعن في المؤمنين المؤمنات، ولا يستوي أبداً العفيف المتعفف ، مع الشرير المتشرذم ,
أيها المسلمون
فأنظر أخي أين أنت؟ ومع من أنت؟, هل أنت من الصالحين الطيبين، أم أنت مع الفئة الأخرى ؟؟ ،أنظر هل أنت من المصلحين بين الناس؟, أم أنت من المفسدين بين الناس ؟, فقد قدر الله سبحانه أن يكون هناك أقوام يسعون للإصلاح بين الناس, أو يسعون لكفالات الأيتام, أو يسعون لتعمير بيوت الله, وشاء الله وقد أن يكون هناك مفسدون في الأرض ، يفسدون ولا يصلحون, وشاء الله أن يكون هناك من يأكل أموال اليتامى ظلما, ومن يسرق المساجد, نعم (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (100) المائدة
الدعاء