خطبة عن قوله تعالى (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)
مارس 20, 2017خطبة عن حديث (أَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا)
مارس 22, 2017الخطبة الأولى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (256) البقرة
إخوة الإسلام
لقد فهم البعض من المسلمين في هذا العصر هذه الآية من كتاب الله فهما خاطئا ، فهموا أن المراد منها هو عدم إكراه الناس على الدخول في دين الله الاسلام ، وبالتالي لا حاجة للأمة إلى جهاد الطلب ، ولا حاجة إلى فتح البلاد لنشر دين الله ، وتبليغ رسالة رب العالمين ، وهذا الفهم الخاطئ لما ترشد إليه هذه الآية من كتاب الله لا يحتاج منا إلى سرد الأدلة والبراهين ، فلو كان معنى الآية هو كما ذهب إليه هؤلاء ، لما حمل ورفع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده راية (جهاد الطلب) ، واكتفوا (بجهاد الدفع ) ، وهذا ما يكذبه الواقع ، وكذا الفتوحات الإسلامية التي كانت في عهد الخلافة الاسلامية ، ولكن ، ما هو الفهم الصحيح لهذه الآية من كتاب الله من خلال أقوال علماء التفسير المتقدمين والمتأخرين ، بل ومن خلال فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين
فقد جاء في أسباب نزول هذه الآية : قال ابن عباس – رضي الله عنه – “كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله – عز وجل -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256] ،فالآية نزلت في النهي عن الإكراه على الدخول في الإسلام، ولا علاقة لها بجهاد الكفار أو عدم جهادهم . وفي تفسير السعدي : { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } . ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده اتباع الحق، وقال قتادة والضحاك بن مزاحم: هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صاغرة، وقالا : ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلا لا إله إلا الله أو السيف، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية) ، وقال البغوي: أنزل الله تعالىٰ: ﴿ لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ فأمر بقتال أهل الكتاب إلى أن يسلموا أو يقروا بالجزية ، فمن أعطى منهم الجزية لم يكره على الإِسلام،
وقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ هِيَ خَاصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ.
وقال الشيخ بن باز : هذه الآية خبر معناه النهي، أي: لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه، فإنه قد تبين الرشد، وهو دين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم بإحسان، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه مِنَ الْغَيِّ وهو دين أبي جهل وأشباهه من المشركين الذين يعبدون غير الله من الأصنام، والأولياء، والملائكة، والأنبياء، وغيرهم، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الجهاد بالسيف لجميع المشركين إلا من بذل الجزية من أهل الكتاب والمجوس، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكتاب، والمجوس إذا بذلوا الجزية والتزموا الصغار فإنهم لا يكرهون على الإسلام؛ لهذه الآية الكريمة، ولقوله سبحانه في سورة التوبة : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة : 29 ، فرفع سبحانه عن أهل الكتاب القتال إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار. وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، أما من سوى أهل الكتاب والمجوس من الكفرة والمشركين والملاحدة ،فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام، فإن أجابوا فالحمد لله، وإن لم يجيبوا وجب جهادهم ،حتى يدخلوا في الإسلام، ولا تقبل منهم الجزية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلبها من كفار العرب، ولم يقبلها منهم، ولأن أصحابه رضي الله عنهم لما جاهدوا الكفار بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس، ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة 5 ، فلم يخيرهم سبحانه بين الإسلام وبين البقاء على دينهم، ولم يطالبهم بجزية، بل أمر بقتالهم، حتى يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المشركين ما عدا أهل الكتاب والمجوس إلا الإسلام وهذا مع القدرة، والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى ومنها ما رواه البخاري : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ » متفق على صحته، فلم يخيرهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين البقاء على دينهم الباطل، ولم يطلب منهم الجزية، فدل ذلك أن الواجب إكراه الكفار على الإسلام، حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب والمجوس؛ لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وهذا من محاسن الإسلام، فإنه جاء بإنقاذ الكفرة من أسباب هلاكهم وذلهم وهوانهم وعذابهم في الدنيا والآخرة إلى أسباب النجاة، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة، كما أن في إلزام أهل الكتاب والمجوس بالجزية؛ حملاً لهم على الدخول في الإسلام، وترك ما هم عليه من الباطل والذل والصغار؛ ليفوزوا بالسعادة والنجاة والعزة في الدنيا والآخرة .
أيها المسلمون
إن قوله تعالى ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾، ليست للتخيير المجرد، بل للتهديد إن اختار المرء الكفر على الإيمان، وكون الإنسان لا يجبر على الدخول في الدين الحق ليس معنى هذا أن تخييره مجرد، بل إن اختار الإنسان الكفر عن الإيمان استحق ما توعد به الله الكفار من العذاب فليس معنى حرية الاختيار أن يفعل الإنسان الحرام أو أن يكفر ، فقوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ لا يستلزم نفي جهاد الطلب: والذي نزل عليه قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ هو الذي نزل عليه: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193] ،وهو الذي نزل عليه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التحريم: 9] ، والذي نزل عليه قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ ، هو الذي قال: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)) متفق عليه ، والذي نزل عليه قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ قد جاهد الكفار بنفسه وجاهد الصحابة معه وبعدما مات جاهد الصحابة وفتحوا البلاد.
أيها المسلمون
وقتال الكفار ليس الغرض منه إجبارهم على الإسلام ، ولكن قتال الكفار وسيلة لتبليغ الإسلام عند وجود من يحول بين الناس ودعوة الإسلام ، إذ لا يمكن نشر الإسلام في كافّة أنحاء العالم، مع وجود الطّغاة والقتلة الذين يسعون للسيطرة على العالم ،لأجل أطماعهم الفاسدة، ولذلك نجد النصوص الشرعية تذكر لفظ الجهاد أو القتال، والجهاد والقتال إنما يكون بين جيشين جيش الإسلام وجيش الكفار، ولا يكون جيش بلا أمير، والأمير يكون إما رئيس الدولة الكافرة أو مكلف من قبله. فالقتال لم يشرع لفرض منهج، إنما شرع ليفرض حرية اختيار المنهج، بدليل قول الحق: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256] ، وعلى ذلك فالإسلام لا يفرض الدين، ولكنه جاء ليفرض حرية الاختيار في الدين، فالقُوَى التي تعوق اختيار الفرد لدينه، يقف الإسلام أمامها لترفع تسلطها عن الذين تبسط سلطانها عليهم ثم يترك الناس أحراراً يعتنقون ما يشاءون، بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام بالسيف، ظل فيها بعض القوم على دياناتهم. فلو أن القتال شرع لفرض دين لما وجدنا في بلد مفتوح بالسيف واحداً على غير دين الإسلام” ومن حق جميع الناس أن يبلغ إليهم الإسلام، وألا تقف عقبة أو سلطة في وجه التبليغ بأي حال من الأحوال. ولذلك من حكم جهاد الكفار إزالة الحواجز التي تعيق وصول الدعوة إلى الناس لإنقاذهم من النار، والجهاد والقتال لا يكون إلا بعد دعوة وإنذار فكون أن المسلمين يقاتلون :أي أن دولة الكفر رفضت الدعوة وأبت وصول الحق للناس فكان لابد من القتال لردع الظلم ونشر الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأي حق أعظم من حق الله على العباد أن يعبدوه ، وأي منكر أعظم من الكفر والشرك ، وأي جرم أعظم من منع نشر دين الله في الأرض ، أي أن قتال الكفار من باب استخدام القوة عند تعذر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، فجهاد المسلمين يعتبر قوة تدافع عن الدين الحق بالحق لله الحق ، قوة تعرض الإسلام وإن كلفها ذلك الوقت والحياة والمال. فإن الإسلام لم يكره فردًا على تغيير عقيدته، كما فعلت الصليبية على مدار التاريخ في الأندلس قديمًا وزنجبار حديثًا، لتكرههم على التنصر وأحيانًا لا تقبل منهم حتى التنصر فتبيدهم لأنهم مسلمون” . وقال الشعراوي – رحمه الله: “السيف ما جاء إلا ليحمي اختيار المختار، فلي أنْ أعرض ديني، وأنْ أُعلنه وأشرحه، فإنْ منعوني من هذه فلهم السيف، وإنْ تركوني أعلن عن ديني فهم أحرار، يؤمنون أو لا يؤمنون. إنْ آمنوا فأهلاً وسهلاً، وإنْ لم يؤمنوا فهم أهل ذمة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ويدفعون الجزية نظير ما يتمتعون به في بلادنا، وعليهم ما علينا، وما نُقدِّمه لهم من خدمات، وإلا فكيف نفرض على المؤمنين الزكاة ونترك هؤلاء لا يقدمون شيئاً؟ ،لذلك نرى الكثيرين من أعداء الإسلام يعترضون على مسألة دَفْع الجزية، ويروْنَ أن الإسلام فُرِض بقوة السيف، وهذا قول يناقض بعضه بعضاً، فما فرضنا عليكم الجزية إلا لأننا تركناكم تعيشون معنا على دينكم، ولو أرغمناكم على الإسلام ما كان عليكم الجزية” ،ومن حكم جهاد الكفار أن يظهر دين الإسلام فوق كل الشرائع والأديان الأخرى ويكون للإسلام السيادة فيحكم الأرض ويسود العدل قال الله – سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9] ،ومن حكم جهاد الكفار تقوية شوكة الدولة الإسلامية فلا يلين لها جانب، ولا يستطيع أحد أن ينال من عزتها وكرامتها ويحمى من فيها إذ كره الكفار للإسلام وأهله تجعلهم لا يهدأ لهم بال ولا يَقِرّ لهم قرار، إلا بإيذاء الإسلام وأهله والنيل من مقدساته، والقوة حقٌ مشروعٌ لردع الظالمين العابثين ولرهب من يريد إيذاء الإسلام وأهله ولحماية من تحت سلطة الإسلام ولحماية أهل الإسلام قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُو ﴾ [البقرة: 217] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأعداء الإسلام منذ توقف الفتوحات الإسلامية وهم يحاربون الإسلام والمسلمين ابتداء من الحروب الصليبية ثم الاستعمار والاحتلال، والجرائم البشعة مثل مذبحة دير ياسين ، ومذبحة صبرا وشاتيلا ومذبحة بحر البقر. قال الشيخ المراغي: “وما غُلب المسلمون في العصور الأخيرة وذهب أكثر ملكهم إلا لأنهم تركوا الاهتداء بهدى دينهم وتركوا الاستعداد المادي والحربي الذي طلبه الله ، قال تعالى : ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60] واتكلوا على خوارق العادات وقراءة الأحاديث والدعوات، وذلك ما لم يشرعه الله ولم يعمل به رسوله- إلى أنهم تركوا العدل والفضائل وسنن الله في الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح، وأنفقوا أموال الأمة والدولة فيما حرم الله عليهم من الإسراف فى شهواتهم. وعلى العكس من ذلك اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام فاستعدوا للحرب واتبعوا سنن الله في العمران فرجحت كفّتهم، ولله الأمر. وما مكّن الله لسلف المسلمين من فتح بلاد كسرى وقيصر وغيرهما من البلاد إلا لما أصاب أهلها من الشرك وفساد العقائد في الآداب ومساوي الأخلاق والعادات والانغماس في الشهوات وإتباع سلطان البدع والخرافات – فجاء الإسلام وأزال كل هذا واستبدل التوحيد والفضائل بها، ومن ثم نصر الله أهله على الأمم كلها. ولما أضاع جمهرة المسلمين هذه الفضائل واتبعوا سنن من قبلهم في إتباع البدع والرذائل وقد حذرهم الإسلام من ذلك، ثم قصروا في الاستعداد المادي والحربي للنصر في الحرب عاد الغلب عليهم لغيرهم ومكنّ لسواهم في الأرض، قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105] ، أي الصالحون لاستعمارها والانتفاع بما أودع فيها من كنوز وخيرات” . والخلاصة أن عدم الإكراه على الدخول في الإسلام لا يستلزم عدم القتال والجهاد؛ لأن حرية اختيار الدين لا تعني عدم الحاجة لإبلاغ الدين، وحرية اختيار الدين لا تعني عدم نشر الدين، وحرية اختيار الدين لا تعني عدم حماية الدين وأهله من أعدائه. وقد روى البخاري عن المُغيرَةُ بن شُعبة أنهُ قال لِكفارِ الفُرس : “أمرَنا نَبيُّنا أن نُقاتِلَكُم حتى تعبُدوا اللهَ وحدهُ أو تُؤَدّوا الجِزية” وهذا على التَّرْتيبِ وليسَ تخْييراً، لا يُقالُ لهم إما أن تُسلِموا وإما أن تدفَعوا الجِزية، بل يُقالُ لهم أسْلِموا فإنْ أَبَوْا يُعرَضُ عليهِم الجزية لأن دَعْوةَ الكُفارِ إلى الإسلامِ واجِبَة، فإن قَبِلوا فذاك الأمر، وإن لَم يقبلوا يُعرَضُ عليهِم دَفْعُ الجزية،فإن قَبِلوا تُرِكوا وإلا وجَبَ قِتالُهُم، هذا إن استطاعَ المسلمون. وورد أن سيدنا خالد بن الوليد ذهبَ للفُرْسِ ومعَهُ جيشٌ من المسلمين، فلمّا وصَلَ لهُم قال له زعيمُ الفُرس واسْمُهُ يزْدجَرْد ماذا تُريدونُ مِنّا، ألا إنَّا تشاغَلْنا عنكُم جِئتُم تُقاتِلونا، فقال له سيدنا خالد : أمِرْنا أن نُقاتِلَكُم حتى تُسلِموا، قال فإنْ أبَيْنا قال فالجِزية، قال فإنْ أبَيْنا قال فلقد جِئتُكَ بِأناسٍ هم أحْرَصُ على الموْتِ مِنكُم على الحياة. فليسَ الأمْرُ كما يقولُ بعضُ الجُهّالِ أنَّ قِتالَ الكفارِ يكونُ في حالَةِ الدِّفاعِ فقط (أي إذا جاؤوا لِقِتالِ المسلمين) فالنبيُ قاتلَ لأجلِ الإسلام، في كثيرٍ من المعارِكِ كان هو يغزو الكفار، كَغزوةِ تبوك فقد قال عليه الصلاة والسلام “أيها الناس إنّي أريدُ الرَوم“. فلَمّا كان المسلمونَ قِلَّةً فالمصلحةُ كانت ألا يُقاتلوا ،أما لَمّا كَثُروا فالمصلحةُ أنْ يقاتلوا الكفارَ لِيُدخِلوهم في دينِ اللهِ ولِينقذوهم مِن الكُفرِ إلى الإسلام، وقد وردَ في الحديثِ الذي رواه البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل بني المُصْطَلِق وهم غارّونَ أي لا عِلْمَ لَهُم بِقُدومِ النبي وكانوا يسقون مواشيهم فقتلَ مُقاتلتهم وسبى نسائَهم وذراريهم) حصلتْ هذه الغزوة في السنة السادسة للهجرة وفي هذه السنة كانت غزوة الحديبية وبيعة الرضوان وكُسِفت الشمس ونزل حكم الظِّهار ،ومِن أكبرِ الأدلَّةِ على ذلكَ الجهادَ الذي جعلَهُ اللهُ من أسمى العبادات، فهل يقولُ عاقلٌ أنّ الجهادَ ما فيه إكراه، والجِهادُ حصلَ مِن الأنبياءِ الذين قبلَ محمد عليهم الصلاة والسلام، فَهُم قاتلوا لإدخالِ الناسِ في الإسلام، فرسولُ اللهِ موسى أمرَ أتباعَهُ بِقِتالِ الجبّارينَ الذينَ كانوا مُسَيْطِرين على القدسِ فلم يُطيعوهُ فماتَ قبلَ أنْ يَصِلَ إلى القدسِ وَدُفِنَ في أرضٍ قريبةٍ مِن الأرضِ المقدسة. ولمّا ماتَ الرسولُ كفرَ كثيرٌ من العرب، بعضُ القبائلِ أرسلَ إليهِم أبو بكرٍ جيشاً أبادَهُم إلا مَن رجعَ إلى الإسلام، وقُتِلَ من الصحابةِ سبعينَ شخصاً في تلك المعركة، فلو كان يجوزُ تَرْكُ هؤلاءِ على كُفْرِهِم لَما أرسل إليهم أبو بكرٍ جيشاً. وكانَ على رأسِ الجيش خالدُ بنُ الوَليد وفيهم أعلمُ الصحابة علي بن أبي طالب وكانَ شعارُ الصحابةِ في هذهِ المعركةِ يا مُحمداه يا مُحمداه. وكانَ هؤلاء المُرتدون في بيوتهم لم يخرجوا لِقتالِ المُسلمين وقُتِل منهُم عشرةُ ءالاف وقُتِلَ من المُسلمين ستمائة وقُتِل في المعركةِ مُسيلمة بن حبيب الذي سماه المسلمون مسيلمة الكذاب. وقد حث الله عباده المؤمنين وحرضهم على قتال الكفار في آيات كثيرة ومنها ، قول الله تعالى: ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّـهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّـهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا ﴾ [ النساء : 84]
وقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء : 76] ،وقال تعالى : ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [ النساء :74] ،وقال تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ الأنفال : 39]،وقال تعالى : ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [ آل عمران : 146] ،وقال تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : 244] ،وقال تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [ البقرة: 193] ،وقال تعالى : ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة آية 216]. وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنفال: 65].
الدعاء