خطبة عن (فوائد وعبر من قصة نبي الله ابراهيم)
فبراير 9, 2019خطبة عن ( أضرار الكسب الحرام)
فبراير 10, 2019الخطبة الأولى ( لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (51) ،(52) المائدة
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع القرآن الكريم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ،وبداية تعالوا بنا نتعرف على ما جاء في كتب أهل التأويل والتفسير في بيان المقصود بالآيتين السابقتين : ففي الوسيط لطنطاوي : ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمة روايات منها: ما رواه السدى من أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد واقعة أحد: أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فأواليه وأتهود معه لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث. وقال الآخر: وأما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام فأواليه وأتنصر معه. فأنزل الله تعالى الآيات. وقال عكرمة: نزلت في أبى لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلى بنى قريظة فسألوه: ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه، أي: إنه الذبح. وقيل نزلت في عبد الله بن أبى بن سلول فقد أخرج ابن جرير عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بنى الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال يا رسول الله :إن لي موالي من يهود كثير عددهم. وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبى: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبى: يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه قال: قد قبلت. فأنزل الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ … إلى قوله: نادِمِينَ ، والأولياء : جمع ولى ،ويطلق بمعنى النصير ،والصديق ،والحبيب ،والمراد بالولاية هنا: مصافاة أعداء الإسلام ،والاستنصار بهم، والتحالف معهم دون المسلمين. والمعنى : أي: يا أيها الذين آمنوا، لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ونصيرا، فلا تصافوهم مصافاة الأحباب، ولا تستنصروا بهم، فإنهم جميعا يد واحدة عليكم، يبغونكم الغوائل، ويتربصون بكم الدوائر، فكيف يتوهم بينكم وبينهم موالاة؟. وقد نادى- سبحانه- المؤمنين بصفة الإيمان، لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه، فلا تتخذوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى أولياء، لأن بعض اليهود أولياء لبعض منهم، وبعض النصارى أولياء لبعض منهم، والكل يضمرون لكم البغضاء والشر، وهم وإن اختلفوا فيما بينهم، لكنهم متفقون على كراهية الإسلام والمسلمين. وجاء في تفسير ابن كثير : وكما في سنن البيهقي (عَنْ أَبِى مُوسَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ وَكَانَ لأَبِى مُوسَى كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ يَرْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَعَجِبَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَافِظٌ وَقَالَ إِنَّ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ فَادْعُهُ فَلْيَقْرَأْ قَالَ أَبُو مُوسَى : إِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ لاَ بَلْ نَصْرَانِيٌّ قَالَ فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ فَخِذِي وَقَالَ أَخْرِجْهُ وَقَرَأَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (51) المائدة ، قَالَ أَبُو مُوسَى وَاللَّهِ مَا تَوَلَّيْتُهُ إِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ قَالَ أَمَا وَجَدْتَ فِى أَهْلِ الإِسْلاَمِ مَنْ يَكْتُبُ لَكَ لاَ تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللَّهُ وَلاَ تَأْمَنُهُمْ إِذْ أَخَانَهُمُ اللَّهُ وَلاَ تُعِزَّهُمْ بَعْدَ إِذْ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ فَأَخْرَجَهُ. ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز في (فتاوى ابن باز ) : وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين ،وساعدهم عليهم ،بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم،
أيها المسلمون
فلا شك بأن العدو في الإسلام هو الكفر، والأعداء هم الكفار، فالكفر هو الأمارة الدالة على وجود الأعداء، أي هو السبب الشرعي الذي يدل على وجود العدو ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ ) [الممتحنة 1] ،فقد حددت هذه الآية أعداء الله ،وأعداء الأمة ،بأنهم الذين كفروا بالإسلام؛ ومن هنا كان الكفر سبب في العداء، فنحن نعادي الناس بسبب كفرهم، والأصل في المعاداة بيننا وبين كل البشر هو وجود الكفر، فإذا وجد الكفر وجد العداء، وإذا عدم الكفر عدم العداء ، أما بالنسبة للكافر المعاهد، أو الذمي، أو الكافر الذي بيننا وبينه اتفاقيات، فقد اعتبرت المعاهدات والعهود والاتفاقيات الموقعة بيننا وبينهم بمثابة موانع منعت سبب الحكم، أي منعت حكم المعاداة، فإذا ما زالت الموانع عاد حكم المعاداة إلى أصله بيننا وبينهم. قال الله تعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (8) ،(9) الممتحنة ، هذا بالنسبة لحكم الأعداء الكفار، وأما بالنسبة لموالاتهم، فالنصوص تحرم على المسلمين موالاتهم حرمة قطعية، بجميع معاني الموالاة التي دلت عليها اللغة العربية، والتي من أهم معانيها: النصرة، والمعاونة، والمشاورة، والمحبة، والنصيحة ، والمصادقة، والركون، والخضوع، والاستسلام، وما شاكلها أو ماثلها من معانٍ. فحكم جميع هذه المعاني للموالاة محرم حرمة قطعية، إذ لا يجوز لمسلم أن ينصر الكافر، أو يعاونه على مسلم، أو يحبه، أو يركن إليه، أو يخضع له، أو يستسلم لسلطانه برضاه، فإن فعل ذلك كان موالياً له، وينطبق عليه حكم الموالاة، إلا في حالة التقية؛ لقوله تعالى : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةًۗ ) [آل عمران 28] ، وهي حالة الاستضعاف المتعلقة بالفرد المسلم، أو الأفراد المسلمين، الذين يخضعون لحكم الكافر، ويتعرضون لنوع من أنواع الأذى الحقيقي على النفس أو المال أو العرضِ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبعد هذا البيان الشافي عن استحالة تحصيل العزة من الكفار، أكَّد سبحانه أن المسلمين الذين يوالونهم إنما يجعلون لله عليهم سلطاناً مبيناً، قال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) (144) [النساء]. فهذه الآيات الكريمة حددت بوضوح حكم الموالاة، وعنَّـفت ووبَّـخت الموالين للكفار، ونعتتهم بأقبح النعوت، بحيث لم يبق لهم أية حجة أو ذريعة للاستمرار في موالاتهم للكفار بعد هذا البيان القرآني الواضح والصريح. وهذا التقريع والتعنيف والتبكيت بحق هؤلاء الموالين للكفار يؤكد أن عملهم هذا جد خطير على الأمة، فهو سبب كل بلاء، ومصدر كل شر، وأصل كل داء؛ لذلك لم يكن غريباً أن الأمة اليوم قد أصابها ما أصابها من ويلات ، ونكبات وكوارث، وضعف وهوان وضياع. والسبب لكل هذا هو موالاة المسلمين للكفار ، ومعلوم أنه إذا زال السبب زال المسبَّـب، وإذا وجد السبب وجد المسبَّـب ،وعليه فالعلاج الشافي لمشاكل الأمة ومصائبها ، يتمثل في عدم موالاة الكفار. فالواجب على المسلمين: أن يبغضوا الكافرين، وأن يعادوهم في الله، وأن يجاهدوهم بالله ولإعلاء كلمة الله، وهذا لا يمنع من معاملة المسالمين منهم في أمور الحياة كالتجارة، ولا يُوجب الغدر بما أُعطوا من عهد، بل يجب الوفاء بعهدهم، كما قال الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة:4). فبغض الكفار والبراءة منهم: هي من أصول الدين، ومن مقتضى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، ولكن ذلك لا يوجب ولا يبيح الخيانة أو الظلم، فالظلم: حرام، ونقض العهد: حرام، قال الله تعالى : { تلكَ حدودُ اللهِ فلا تقربوها } (البقرة:187)،
الدعاء