خطبة عن ( الوصايا العشر في سورة الأنعام)
يناير 6, 2018خطبة عن (الثقة بالله وحسن التوكل عليه)
يناير 6, 2018الخطبة الأولى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (286) البقرة
إخوة الإسلام
دين الله يسر لا مشقة فيه، فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه، فمن فعل خيرًا نال خيرًا، ومن فعل شرّاً نال شرّاً. وفي قول الله تبارك وتعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، قال العلماء : أي: لا يكلف الله أحدًا من عباده فوق طاقته، فالله لم يكلف عباده إلا ما يستطيعون، كما قال الله تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) {البقرة: 185}. وقال القرطبي رحمه الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ،هذا خَبَرٌ جَزْمٌ، نصّ الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وُسع المكلَّف وفي مقتضى إدراكه وبِنْيَته. فإذا كانت هناك بعض الأعذار ،التي هي مظنة المشقة ،حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف ، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، ولذلك لما كانت وسوسة الصدر ، وحديث النفس لا يستطيع الانسان دفعها ، تجاوز الله الرحيم عنها ، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ » ،ومن صور التخفيف عند عدم الاستطاعة ما جاء في الصحيحين (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا نُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي شِدَّةِ الْحَرِّ ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ ) ، ومنها ما جاء في الصدقات ، ففي البخار: قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ « فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ » . أَوْ قَالَ « بِالْمَعْرُوفِ » . قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ » ، ومنها ما جاء في النكاح ، قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) ، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ » رواه مسلم.
أيها المسلمون
وكثير من الناس من يخلطون بين التكليف الشرعي والأمر القدري ، فمثلا : حين يقرأ أحدهم قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، فيقول : كيف يكلف الله أبا لهب أن يؤمن، وقد أنزل الله تعالى فيه: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) [المسد:3] ؟ فنقول: هذا خلط بين الأمر الشرعي ،والأمر القدري، فإن الله تعالى كلف البشر، أمرهم شرعاً بالإيمان، ولكن سبق في علم الله ،أنه سبحانه علم أن منهم من يؤمن ومنهم من يكفر، فكان أبو لهب ممن حقت عليه كلمة العذاب: (أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) الزمر:19 ، وأما التكليف الشرعي: فلا يكلف الإنسان إلا بما يطيق؛ ولهذا في صحيح البخاري عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ « صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ » ،وهكذا فيما يتعلق بالطهارة فجعل التيمم لمن لم يجد الماء، أو من شق عليه استعماله، أو خاف الضرر باستعماله.. فقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، فهذا يعين كل مؤمن بالله علي النهوض بما فرض الله عليه من تكاليف في شيء من الرضا والتسليم. فإن قصر في شيء من ذلك كان هو الضعف البشري, لا ثقل التكاليف, فاستعاد المسلم عزيمته, وشحذ همته من أجل الوفاء بأوامر الله. وفي قول الله تعالي 🙁 لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) تأكيد على فردية التبعة والمسئولية عن الأعمال التي دونتها الملائكة لكل فرد أو عليه, فلكل نفس ما عملت من خير, وعليها ما عملت من سوء أو شر, ولا يتحمل المرء تبعات وذنوب الآخرين ، كما قال تعالى : (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الانعام 164، وقال تعالى : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) فاطر 18، وقال تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (38) :(41) النجم ، فالإنسان مسئول عن تصرفاته هو, وعن وفائه بالتزاماته ، ومجزي عن أعماله
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ». قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قَالَ نَعَمْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قَالَ نَعَمْ.
أيها المسلمون
ومن الخطإ أن يستدل البعض بهذه الآية : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) يستدل بها لتبرير التهاون في أمر الله تعالى ، فإذا نصحته بفعل طاعة من الطاعات ،هو متكاسل عنها ، أو متهاونا في أدائها رد عليك قائلا : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، وكأن العبد هو الذي يحدد الوسع والاستطاعة ؟؟ بينما من معناها : أن الله تعالى لم يكلفك أيها المسلم بأمر إلا وهو يعلم أنه بمقدورك فعله، فإذا كلفك بصلاة الفجر مثلا ، فالله يعلم أن ذلك في وسعك ، أما أن تسهر هنا وهناك ، ثم تنام عن صلاة الفجر ، وتقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا)، فهذا فهم خاطئ ، وقلب للحقائق ، فلا تتعذر بعدم القدرة ، وأنت لم تأخذ بأسبابها ، فلم يكلفك ربك أيها الشاب بغض البصر ،وحفظ الفرج عن الحرام ،إلا وهو تعالى يعلم أنك تستطيع ذلك إن استعنت به سبحانه . ولم يكلفك أيتها الفتاة بضبط سلوكك ،وإعفاف نفسك ،إلا وهو يعلم أن ذلك بوسعك. وهكذا ، فليس لنا أن نعذر أنفسنا ،ونتملص من التكاليف التي بإمكاننا القيام بها ، وقد علمنا أنه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) .
الدعاء