خطبة عن خير الناس في الفتن وحديث: رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّى حَقَّهَا وَيَعْبُدُ رَبَّهُ)
سبتمبر 19, 2020خطبة حول حديث (لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ إلا بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ)
سبتمبر 26, 2020الخطبة الأولى ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (19) ،(22) ق
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً . واليوم إن شاء الله موعدنا مع آية من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (22) ق ، فقد جاء في تفسير الطبري : في المراد بهذا الخطاب ثلاثة أقوال : أحدها : أن المراد بذلك الكافر : وعلى هذا القول يكون المعنى : لقد كنت في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك. والثاني : أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ; لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، والدنيا كالمنام ، ويكون المعنى : كنت غافلاً عن أهوال يوم القيامة فكشفنا عنك غطاءك الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك. وقيل معناه: أريناك ما كان مستوراً عنك. والثالث : أن المخاطب بذلك هو النبي – صلى الله عليه وسلم : وعلى هذا التأويل الذي قاله ابن زيد (يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من الله لرسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ) أنه كان في غفلة في الجاهلية من هذا الدين الذي بعثه به, فكشف عنه غطاءه الذي كان عليه في الجاهلية, فنفذ بصره بالإيمان وتبيَّنه ،حتى تقرّر ذلك عنده, فصار حادّ البصر به ، وفي تفسير السعدي : يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام، توبيخًا، ولومًا وتعنيفًا له بسبب أنه كان يكذب بهذا اليوم، ولم يعمل له، فاليوم يكشف الله عنه الغطاء الذي غطى قلبه، فكثر نومه، واستمر إعراضه، { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي أنه يزوده الله ببصر قوي لكي يرى ما يزعجه ،ويروعه، من أنواع العذاب والنكال.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (22) ق، تذكير وتخويف من الله للعباد، بأن من لم تَزَلْ غفلتُه في الدنيا؛ فإن زوالها يوم القيامة لا ينفع؛ إذ لا يمكنُه أن يتدارك أمرَه؛ ولا أن يستدرك ما فاتَه. وقد قيل : أنه تعرض على الإنسان في الدار الآخرة ساعات أيامه ولياليه ،في هيئة الخزائن ،كل يوم وليلة أربع وعشرون خزانة ، بعدد ساعاتها، فيرى الساعة التي عمل فيها بطاعة الله خزانة مملوءة نورا ،فيفرح بذلك فرحا شديدا ،والتي عمل فيها بمعصية الله مملوءة ظلمة , والتي لم يعمل فيها بطاعة الله ولا معصية يجدها فارغة لا شيء فيها .فيعظم ندمه وحسرته إذا نظر إلى الفارغة، ويتمنى لو ملأها بذكر الله جل وعلا ، قال الله تعالى : ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ” (آل عمران : 30 ) ، ويقول الشعراوي في تفسيره : الآية تتحدث عن حال الانسان أثناء موته ،فعند لحظة احتضاره يرى الأنسان موضعه من الجنة أو من النار ، وقد أثبت العلم الحديث أن هناك غطاء أو غشاوة تغطي الحدقة ، لا تنكشف إلا ساعة الاحتضار ، حيث يرى الإنسان المحتضر ما لا يرونه الحاضرون معه ، فيرى الملائكة ، ويرى مقعده من الجنة ، أو النار ، ويرى الشيطان ، ويكون بصره قوياً بدرجة لا تتصور ، ولذلك قد قرأنا وسمعنا عن كثير من العلماء ، وبعض العامة الصالحين أو الشهداء الأبرار ، أنهم يقولون عند الاحتضار: نحن نرى مخلوقات لم نرها من قبل ، ويقول البعض : والله إنني أرى موقعي من الجنة ، نسأل الله من فضله ، ويتشهد ويبتسم ، ويضيء وجهه ويشرق بحسن الخاتمة ….. بينما الفساق تسود وجوههم ، وتظلم بسوء الخاتمة ، ويتجهمون ويصرخون بالويل والثبور ، ويظهر عليهم الخوف والرعب ، ولا يتمكنون من نطق الشهادتين ، فهم يشاهدون ملائكة العذاب ، أو موقعهم من جهنم ، والعياذ بالله ، وهذا نسمع به حتى في عصرنا الحاضر .
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى :(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (22) ق ، يقول : د/ سلمان العودة : المعني: أن الإنسان أحاطت الغفلة به من كل جانب، ويصدق على الكافر، وإن كان المؤمن ربما تقع منه غفلة، أو يكون بعيداً عن التصور؛ لأن الإنسان ربما يؤمن بالأشياء، لكن إذا رآها اختلف الأمر ،وليس الخبر كالمعاينة ،كما في قصة موسى عليه الصلاة والسلام لما أخبر عن قومه أنهم عبدوا العجل، مع أن الله أخبره بذلك، لما جاء ورآهم قد عبدوا العجل غضب ، قال الله تعالى : ( وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ) [الأعراف:150]، فالإنسان أحياناً لما يسمع بالشيء غير لما يراه، وخاصةً لما يكون أمراً هائلاً ضخماً عظيماً مثل أحداث يوم القيامة. لذلك كانت الغفلة من أشد الأمراض التي تصيب الإنسان، وتأمل فيما ذكره العلامة ابن الجوزي رحمه الله حين قال : “كأنك بالعمر قد انقرض، وهجم عليك المرض، وفات كل مراد وغرض، وإذا بالتلف قد عرض أخاذاً، {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} ، شخص البصر وسكن الصوت، ولم يمكن التدارك للفوت، ونزل بك ملك الموت، فسامت الروح وجازى {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، عالجت أشد الشدائد فيا عجباً، مما تكابد كأنك قد سقيت سم الأساود فقطع أفلاذاً، {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، …. بلغت الروح إلى التراقي، ولم تعرف الراقي من الساقي، ولم تدر عند الرحيل ما تلاقى، عياذاً بالله عياذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، ثم درجوك في الكفن، وحملوك إلى بيت العفن، على العيب القبيح والأفن، وإذا الحبيب من التراب قد حفن، وصرت في القبر جذاذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، وتسربت عنك الأقارب تسرى، تقد في مالك وتفري، وغاية أمرهم أن تجري دموعهم رذاذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} ، قفلوا الأقفال وبضعوا البضاعة، ونسوا ذكرك يا حبيبهم بعد ساعة، وبقيت هناك إلى أن تقوم الساعة، لا تجد وزراً ولا معاذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، ثم قمت من قبرك فقيراً، لا تملك من المال نقيراً، وأصبحت بالذنوب عقيراً، فلو قدمت من الخير حقيراً صار ملجأ وملاذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، ونصب الصراط والميزان، وتغيرت الوجوه والألوان، ونودي شقي فلان بن فلان، وما ترى للعذر نفاذاً {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا}، كم بالغ عذولك في الملام، وكم قعد في زجرك وقام، فإذا قلبك ما استقام، قطع الكلام على ذا {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا} “.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (22) ق ، أي : لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان، فكشفنا عنك غطاءك الذي غطى قلبك فزالت الغفلة عنك، فبصرك اليوم فيما تشهد قوي شديد ، وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) حَالاً بَعْدَ حَالٍ ، قَالَ هَذَا نَبِيُّكُمْ – صلى الله عليه وسلم – ) ، لقد كنت في الدنيا غافلاً عن القيامة والوقوف بين يدي الله، فكشفنا عنك اليوم حجاب الغفلة، فبصرك اليوم قوي نافذ، فأبصرت الحق وأيقنت، ولكن هيهات هيهات فات الأوان، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12] ، إن الغافل ينسى أن الله تبارك وتعالى مطلع عليه؛ وينسى أن الله تعالى قادر عليه، ولكل مرض نتيجة مستقبلية ،إن لم يُتدراك الإنسان بالدواء الشافي النافع، وكلما كان المرض خطيراً كانت النتيجة خطيرة، ولما كان مرض الغفلة من أشد الأمراض وأخطرها ، كانت نتيجته من أخطر النتائج وأشدها على الإنسان ، يقول الله تبارك وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يونس (7) ،(8) ،فيخبر تعالى أن من لا يرجو لقائه فلا يخاف عقاباً ولا يرجو ثواباً بل هو يرضى بالحياة الدنيا بديلاً عن الآخرة، ويطمئن بها، ويظن أنه خالد فيها، فلا يعمل ليوم يموت فيه، وينقطع عنها، وهو عن آيات الله تبارك وتعالى كلها غافل لاه؛ فإن هذا النوع من الناس مأواه النار – عياذاً بالله تعالى – على سوء عمله وقبحه.فيا أيها الغافل انتبه ، إنها جنة أو نار، فاختر لنفسك أي الدارين شئت ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} لقمان 33، فعلى الإنسان أن يعود إلى رشده، وأن يتذكر أن الله تعالى مطلع عليه، وأن يصحب من يعينه على طاعة الله تبارك وتعالى، ويذكره به.
الدعاء