خطبة عن (مِنَ الْهُدْهُد نتعلم): (فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)
سبتمبر 23, 2017خطبة عن (قصة مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنَ: دروس وعبر)
سبتمبر 23, 2017الخطبة الأولى ( مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (6):(8) الانفطار
إخوة الإسلام
بعد أن استمعنا إلى هذه الآيات المباركات ، والتي تهتز لها الأبدان ، وتنخلع عند سماعها القلوب ، ففي البداية : تعالى بنا نستمع إلى أقوال أهل التفسير في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) ، قال ابن كثير في تفسيره:
هذا تهديد ، لا كما يتوهمه بعض الناس ،من أنه إرشاد إلى الجواب ، حيث قال: ( الْكَرِيمِ ) ، حتى يقول قائلهم غره كرمه ، لا ، بل المعنى في هذه الآية ، ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم : أي العظيم ،حتى أقدمت على معصيته ، وقابلته بما لا يليق ، بل وكيف اجترأت عليه ، ولم تخفه ، فأضعت ما وجب عليك، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد الّذي يأمن مكر اللّه تعالى. قال الله تعالى : ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الاعراف (99) ،وفي المعجم الكبير للطبراني : (عن عبد الله بن عكيم قال سمعت عبد الله بن مسعود ، قال : ما منكم من أحد إلا أن ربه سيخلو به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول : ابن آدم ما غرك بي ؟ ابن آدم ما غرك بي ؟ ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ وقال ابن أبي حاتم : أن عمر رضي الله عنه سمع رجلا يقرأ: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فقال عمر: غره والله جهله. غره والله جهله فالذي غر الإنسان بالله تعالى هو الجهل به سبحانه ، ونفسه الأمارة بالسوء، وشيطانه ، فلو علم الإنسان عظمة الله وقدرته لما عصاه ، ولو فهم عداوة نفسه وشيطانه لما أطاعهما ، قال قتادة: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ،أيُ شيءٍ غرَّ ابن آدم غير هذا العدو الشيطان.
أيها المسلمون
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (6):(8) الانفطار ، وفي هذه الآيات يذكِّر المولى تبارك وتعالى الإنسان بنعمته الأولى عليه ؛ نعمة الخلق في هذه الصورة الحسنة الجميلة السوية ، ويلمس قلبه لمسة فيها عتاب على غروره وغفلته وتقصيره (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) ، وينادي الله في الإنسان أكرم ما في كيانه ، وهو “إنسانيته” والتي تميز بها عن سائر الأحياء ثم أعقبه بذلك العتاب الجميل الجليل : (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؟ )
فما الذي غرك بربك ، فجعلك تقصر في حقه ، وتتهاون في أمره ، ويسوء أدبك في جانبه وهو ربك الكريم معك ومع غيرك ، وهو الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره واحسانه : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ؟ حيث أغلقت الأبواب ، وأرخيت الستور ، واستترت عن أعين الخلائق، فقارفت الذنوب والفجور؟ ،وماذا ستفعل وقد شهدت عليك جوارحك؟ فالويل كل الويل لنا معشر الغافلين، فالله يرسل لنا سيد المرسلين، وينزل عليه الكتاب المبين، ويخبرنا بهذه الصفات من نعوت يوم الدين، ثم يعرفنا غفلتنا، ويقول سبحانه : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) الأنبياء 1 : 3 ، ثم يلفت الله أنظارنا إلى قرب يوم القيامة فيقول سبحانه : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) القمر(1): (6) ، ويقول سبحانه : ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا) المعارج (6) ،(7) ، ويقول سبحانه : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) الأحزاب (63) ، نعم أيها الإنسان.. ما الذي غرَّك بربك الْكَرِيمِ حتى تجرَّأت على معصيته وتعديت حدوده؟ ،أهو تجاهل لنعمته؟ أم نسيان لرقابته وعظمته؟، وهذا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه كان إذا قرأ: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ [الانفطار: 6] قال: يعني الجهل، ويبكي. فبالله عليك، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك، وعظيم جرمك؟، وبأي قدم تقف بين يديه؟ وبأي طرف تنظر إليه؟ فكيف بك إذا قال لك: يا عبدي، ما أجللتني، أما استحييت مني؟ استخففت بنظري إليك؟ ،ألم أحسن إليك؟ ألم أنعم عليك؟ ما غرك بي؟ ،وتخيل معي أخي المؤمن هذا المنظر ليوم القيامة وكأنك تراه ، قال الله تعالى في وصفه له : ( إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ(5 ) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) الانفطار (1):(8) ، نعم ، يا له من نداء تهتز له القلوب ، وتقشعر منه الأبدان، يوم ينادى عليك أيها الإنسان الفقير الضعيف: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؟ ، وما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ ،وما الذي خدعك فاقترفت الآثام بالليل والنهار؟ ما الذي خدعك ففرطت في حدود الله؟ ،ما الذي خدعك فتهاونت في الصلاة؟ وما الذي خدعك فأطلقت بصرك في الحرام؟ ، ما الذي خدعك فلم تخش الله كما كنت تخشى الأنام ؟ (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) :أهو جهلك بالله العلي العظيم ، الذي يراك حين تقوم ، ويعلم السر وأخفى ،ويعلم ما تكسبون ؟ أم هي الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار لهو ولعب ، وأنها إلى فناء؟ أم هي الشهوات؟ ، ألم تعلم أنها إلى زوال؟ وقد زالت أم هو الشيطان ؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ وأقسم بالله قائلا : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (83) ص
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عُد أيها الانسان إلى رشدك ، وتفكر في عاقبة أمرك ، وصحح أخطاءك ، وفكِّر في لحظة تخرج فيها من هذه الدنيا بلا جاه ولا مَنصب ولا سلطان ، فكِّر في لحظة ستدخل فيها إلى قبرٍ ضيق يتركك فيه أهلكُ وَخِلاَّنَك وَأَحْبَابَكْ، ويتركوك مع عملك بين يدي الله ، فكر عندما يناديك رب العالمين : عبدي لقد ذهبوا وتركوك ، وفي التراب وضعوك ،ولو جلسوا عندك ما نفعوك ، واليوم ليس لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ، فكِّر في لحظة سيُنادى عليك فيها على رؤوس الأشهاد ، ليكلمك الله جل وعلا بدون ترجمان فكِّرْ في لحظةٍ ترى فيها جهنم والعياذ بالله، قد أُوتي بها لها سبعون ألف زمام مع كل زِمَامْ سبعون ألف ملك يجرونها ، تذكر ذلك كله : ، مثل لنفسك ايها المغرور …. يوم القيامة والسماء تمور
اذا كورت شمس النهار وأدنيت….حتى على رؤوس العباد تسير
واذا النجوم تساقطت وتناثرت….وتبدلت بعد الضياء كدور
واذا الجبال تقلعت بأصولها….فرأيتها مثل السحاب تسير
واذا العشار تعطلت وتخربت….خلت الديار فما بها معمور
واذا الوحوش لدى القيامة حشرت….وتقول للملائكة اين نسير
واذا الجليل طوى السماء بيمينه….طى السجل كتابه المنشور
واذا الصحائف نشرت وتطايرت…. وتهتكت للعالمين ستور
واذا الوليد بأمه متعلق….يخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جناية….فكيف المصر على الذنوب دهور
واذا الجحيم سعرت نيرانها….ولها على اهل الذنوب زفير
واذا الجنان تزخرفت وتطيبت ….لفتى على طول البلاء صبور.
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: لماذا نحب الدنيا ونكره الموت؟ قال : لأنكم عمَّرتُمْ دُنَيَاكُمْ وَخَرَّبْتُمْ أُخْرَاكُمْ، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب. فقال سليمان: فما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله. فقال: أين أجد ذلك؟ فقال: تجد ذلك في قوله تعالى: { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار:13-14] قال: فأين رحمة الله؟ قال: إن رحمة الله قريب من المحسنين. قال: فكيف القدوم غدًا على الله؟
أما العبد المحسن ، فكالغائب يرجع إلى أهله، وأما العبد المسيء ، فكالآبِقْ يرجع إلى مولاه
الدعاء