خطبة عن (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)
مارس 2, 2019خطبة عن قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا)
مارس 2, 2019الخطبة الأولى ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (162) ،(163) آل عمران
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو النور المبين، وهو الحبل المتين ، وهو منهج الصالحين ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العظيم ، والذكر الحكيم ، نتدبرها ، ونتفهم معانيها ، ونتدارس مراميها ، قال الله تعالى : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (163) آل عمران ،وبداية : تعالوا بنا إلى نستطلع أقوال وآراء أهل التأويل والتفسير من علماء الأمة : قال أبو جعفر( الطبري ) : القول في تأويل قوله تعالى : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) ، أي : أنّ من اتبع رضوان الله ،ومن باء بسخَط من الله، مختلفو المنازل عند الله. فلمن اتبع رضوان الله، الكرامةُ والثواب الجزيل، ولمن باء بسخط من الله، المهانةُ والعقاب الأليم،وعن ابن إسحاق: قال ” أي: لكلٍّ درجات مما عملوا في الجنة والنار، فإنّ الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته. وأما قوله: ” والله بصير بما يعملون “، فإنه يعني: والله ذو علم بما يعمل أهل طاعته ومعصيته، لا يخفى عليه من أعمالهم شيء، يحصى على الفريقين جميعًا أعمالهم، حتى توفى كل نفس منهم جزاء ما كسبت من خير وشر، وفي تفسير ابن كثير : قال الحسن البصري : يعني : أهل الخير وأهل الشر درجات ، وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ وَمَنْ باء بسخط من الله مختلفو الْمَنَازِلِ عِنْدَ اللَّهِ، فَلِمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ الثَّوَابُ الْعَظِيمُ، وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ. وأما السعدى : فقال : { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} أي: كل هؤلاء متفاوتون في درجاتهم ومنازلهم بحسب تفاوتهم في أعمالهم. فالمتبعون لرضوان الله يسعون في نيل الدرجات العاليات، والمنازل والغرفات، فيعطيهم الله من فضله وجوده على قدر أعمالهم، والمتبعون لمساخط الله يسعون في النزول في الدركات إلى أسفل سافلين، كل على حسب عمله، والله تعالى بصير بأعمالهم، لا يخفى عليه منها شيء، بل قد علمها، وأثبتها في اللوح المحفوظ، ووكل ملائكته الأمناء الكرام، أن يكتبوها ويحفظوها، ويضبطونها.
أيها المسلمون
هكذا اقتضت حكمة الله البالغة ، ورحمته السابغة، أن يكون الناس درجات مختلفة ومتفاوتة ، وفي محكم التنزيل ، ذكر الله الفئات الثلاث، فقال الله تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر:32)، ومع التصريح بالاصطفاء والعبودية ووراثة الكتاب، فقد بدأ السياق بالظالم لنفسه، وهو الواقع في الذنوب والمعاصي، وثنَّى بالمقتصد، وهو الوسط الذي لم يسرف في الذنب، ولم يستكثر من الطاعة، وثلَّث بالسابق بالخيرات، ووعد جميعهم بقوله تعالى :{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (32) :(35) فاطر ، فإن هذا الوعد من الرحمن الرحيم ، والرب الكريم ، لهو من مواضع الوعد الطيب، والعطاء الكريم، من لدن الرب العظيم، وهو من أخصها جوداً وفضلاً، وأبلغها تأثيراً في النفس ، خاصة عند قوله تعالى: {الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} (35) فاطر ، فإن أهل الدنيا مهما أوتوا من ملذاتها ،وشهواتها ،ودرجاتها ومناصبها ،إلا أن الحزن يتسلّل إليهم، ومن الدرجات أيضا : ما جاء في صحيح السنة ، من حديث جبريل المشهور في السؤال عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، فهي أيضاً درجات ثلاث، وما أشبهها بسياق الآية الكريمة، فالإسلام هو العمل الظاهر، وكأنه مصحوب ببعض الذنب أو الغفلة، والإيمان هو العمل الباطن، وهو حاجز عن المعصية، ولذا جاء في الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ » ، والإحسان هو أعلى الدرجات وأسناها وأسماها، وهو مقام السابقين بالخيرات. وقد يكون المرء حيناً في مقام الإسلام ،وحيناً آخر في مقام الإيمان، ومرة في مقام الإحسان، فإن القلوب أشد تقلباً من القِدْر إذا اشتدت غلياناً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أحمد: أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلاَباً مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْياً ».
وإن من المشكلات القائمة افتراض أن يكون الناس على قدم واحدة في التقوى والالتزام والسنة، وحملهم على ذلك، والإلحاح الدائم عليه، لأنه مع مخالفته للسنة الكونية يضع للناس مستوى متعالياً قد لا يطيقه أكثرهم، فإذا لم يكن أمامهم خيارات أخرى دونه انقطعوا وتركوا العمل، أو اختاروا طريقاً آخر غير طريق الاستقامة. نعم نحن نسعى للترقي والنضج والكمال للفرد والمجتمع ، فهذا مطلب جيد، ولكن بطريقة لا تلح عليه؛ حتى تجعله شيئاً لا بد أن يكون، وقد تحدث من الشقاق والعداوة في النفوس والمجتمعات ما هو أشد وأنكى مما حاولت علاجه من الخطأ. ورحمة الله أوسع من نظر الناس، فقد يسبق إلى الجنة عبد أو أمة بلحظة أو بدمعة أو بخطرة نفس، أو بإحسان إلى محتاج أو إلى حيوان، أو بعمل يسير توفرت فيه النية، أو بحسن خاتمة، أو بازدراء للنفس. وقد يتأخر عن هذا المقام من شأنه الظاهر فوق ذلك، ولكنه غفل عن مراقبة القلب، أو داخله شيءٌ من العجب، أو تكبر على الناس، أو يرائي بعمله، أو شق على الناس فيما لم يفوضه الله إليه، أو ولغ في الأعراض، أو ظلم، أو بغى، أو أساء معاملة الأهل والقرابة.. ورحمة الله وفضله لهؤلاء وهؤلاء خير من أعمالهم، فلو أن الله عذّب أهل أرضه وأهل سماواته لعذّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً من أعمالهم، كما في الحديث الذي رواه أبو داود وأحمد، (عن أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ : لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْراً مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَو أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَباً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَدَخَلْتَ النَّارَ).
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (163) آل عمران ، فهذه الآية لو اتخذناها كمنهاج حياة ،لطافت بنا بعد رحمة الله في النعيم دنيا وأخرى ، دُنيا : لأن النفس متعتها المُنافسة ،وأخرى: لأن درجات عليين أُعِدت في نهاية ركبِ المتسابقين ، فلكل درجة ومكانة تتناسب مع فعل صاحبها في الدنيا ، وهذا التدرج هو سنة من سنن الله ،وهو واقع ، فكما أن العقول تتباين ، فالقلوب أيضا تتباين في حبها لله وسبقها لرضاه ، ولذلك جاء جبريل يعلمنا : الإسلام و الإيمان و الإحسان ، ثم إن الإيمان يتشعب ،والعبرة بالإخلاص ، و بذل الوسع ، نعم بذل الوسع ، ففي سنن الترمذي بسند صحيح : (أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا) ، فهم لم يتكلموا بالأرقام ، ولكن بالوسع، ( كل المال ، أو نصف المال ) ، وفي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :« إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَىَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى قُحَافَةَ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ، سُدُّوا عَنِّى كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِى بَكْرٍ » .وقال صلى الله عليه وسلم أيضا لسيدنا بلال بن رباح (فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَىَّ فِي الْجَنَّةِ » واه البخاري ، فالأمور لا تُقاس بالظواهر ،وإنما ما عُقدت عليها البواطن ، فها نحن نرى الناس سُجدا ، وما بين كُل ساجد وساجد، منازل و درجات ،بحسب إخلاصهم : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) ، ومن الناس من هو مؤمن ،ولإيمانه درجات ،ومنهم من هو مسلم ،ولإسلامه درجات ، ومنهم البارٌ لوالديه ، وللبر درجات ، ومنهم العاصي وللمعصية درجات . وبِحسب إمراءٍ أن يضع هذا في ما هو غادٍ ،وما هو آت ، لارتقى لأعلى تلك الدرجات : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) الانعام (132)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
عندما زار أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب بلاد الشام.. ذهب لزيارة أخيه أبي الدرداء ليلاً.. فدفع الباب فإذا هو بغير غَلَق, فدخل في بيت مظلم لا ضوء فيه, فلما سمع أبو الدرداء حسه قام إليه, ورحب به وأجلسه. فجسّ عمر وسادَ أبي الدرداء فإذا هو بردعة, وجسّ فراشه فإذا هو حصىً.. وجسّ دثاره فإذا هو كساء رقيق لا يفعل شيئا في برد دمشق الشديد.. فقال له: رحمك الله ألمْ أوسع عليك؟ ألم أبعثْ إليك؟! فقال له أبو الدرداء: أتذكر- يا عمر- حديثا حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال وما هو؟ قال ألم يقل: (ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب) ؟ قال: بلى. قال: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟! فبكى عمر, وبكى أبو الدرداء.. نعم : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) وبينما كانت روح عبد الرحمن بن عوف – الذي كان محظوظا في التجارة الى حدّ أثار عجبه قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ :” فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَراً لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً ” فحينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة ،كانت عيناه تفيضان من الدمع ،ولسانه يتمتم ويقول:” اني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال”.. ولكنه يتذكر قول عائشة : أما اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قَدْ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْواً » رواه أحمد .
أيها المسلمون
وقوله تعالى :(هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (163) آل عمران ، فقد روى أحمد في مسنده : (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ فَزِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَأَخَذَ دِرْعاً حَتَّى أَدْرَكَ بِرِدَائِهِ فَقَامَ بِالنَّاسِ قِيَاماً طَوِيلاً يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ – قَالَتْ – فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ مِنِّى قَائِمَةً وَإِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ أَسْقَمُ مِنِّى قَائِمَةً فَقُلْتُ إِنِّي أَحَقُّ أَنْ أَصْبِرَ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ مِنْكِ). لعلمها بأنهن: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ)، وفي سنن أبي داود : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطَرِينَ » ، فتسابق لذلك المتسابقون لعلمهم بأنهم : (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) ، فهل تريد أخي أن تلحق بالركب ، وتسابق في الدرجات ، فتدبر قول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين ، بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (57): (62) المؤمنون ، فالسبق السبق ،فالسلعةُ غالية ، فكلما خبت قوتك ،أو وهنت عزيمتك، أو ثبطت هِمتك، فتذكر قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (163) آل عمران
الدعاء