خطبة عن قوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)
أغسطس 25, 2018خطبة عن الصحابي: (عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ)
أغسطس 25, 2018الخطبة الأولى ( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (44) ،(45) القلم ، وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (182)، (183) الاعراف
إخوة الإسلام
اليوم -إن شاء الله- لنا وقفة مع قول الله تعالى: { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } .. ففي هذه الآية الكريمة وعيد وتهديد من الله تعالى للظالمين ، ويحذر بها سبحانه الفجرة والمفسدين ،والمكذبين بيوم الدين ، وقد جاء في تفسير البغوي: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾، أَيْ: أُمْهِلُهُمْ ، وَأُطِيلُ لَهُمْ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ ، لِيَتَمَادَوْا فِي الْمَعَاصِي، ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾، أَيْ: إِنَّ أَخْذِي قَوِيٌّ شَدِيدٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَكْرِي شَدِيدٌ. وقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ في ليلة واحدة. وقيل أيضا في تفسيرها : (وَأُمْلِي لَهُمْ ) أي بالموت فلا أعاجلهم به ، ثم إنه إنما سمى إحسانه كيدا ،كما سماه استدراجا ؛ لكونه في صورة الكيد ، ووصفه بالمتانة ؛ لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك ،ولا شك أن هذا التهديد والوعيد إنما وقع بعقاب الآخرة ، فوجب أن يكون المراد من الاستدراج والكيد المذكورين عقيبه هو عذاب الآخرة ، أو العذاب الحاصل عند الموت ،
أيها المسلمون
إن عاقبة الظلم والكفر والفساد وخيمة، وقد حذر الله من ذلك، وبين عظيم جرمه، وجسامة خطره، كما بين عاجل عقوبته، فالله – سبحانه – يملي ويمهل للظالم والمفسد والفاجر ، فإذا أخذه لم يفلته، كما جاء في الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود 102، وقد بين الحق – تبارك وتعالى – أن كيده متين، أي قوي شديد ،فلا يدفع بقوة ولا حيلة، وهذا ظاهر في مثل هذه الأمم الفاجرة الظالمة، التي بغت، وظلمت، وتطاولت على الله ،وعلى عباده ،كيف أن الله أمهلهم ، ثم كاد لهم – عز وجل – فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، يقول الحق تبارك وتعالى: { فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ } [غافر:21]. وقال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (48) الحج ، وقال الله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (45) ،(46) الحج ، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: ( إن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة). ويقول أيضاً: ( إن جماع الحسنات العدل، وجماع السيئات الظلم وهذا أصل جامع عظيم). وروى مسلم في صحيحه ( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ». فهذا الظالم والمفسد والفاجر ؛ كم من مظلوم ظُلم، وكم من مقهور قهر، وكم من ضعيف سلب، وكم من شريف أهان ، فحاق بهم دعاء المظلومين، وتضرع المقهورين، فحاق بهم ما كانوا يظلمون، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ :« اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ » . وقد حق لنا في هؤلاء الطغاة ، أن نتأمل عاقبتهم ، ونتدبر ما حل بهم ، فقد قال الله تعالى : { فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف:103]، وقال الله تعالى :{ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ } [يونس39]، [القصص:40].
أيها المسلمون
هكذا اقتضت سنة الله تعالى وعدله ،وهو الحكم العدل :هلاك الظالمين ،ومحق المعتدين ، وقطع دابر المفسدين، سواء أكان الظالم فرداً ،أو جماعة، أو حزباً ، أو طائفة، أو أمة ودولة ،قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته”،وفي إبادة الظلمة ، وتساقط الطغاة ، دلالة واضحة على عظيم قدرة الله ، وفي حكمته في إمهاله لهم، مع ظلمهم وبطشهم، ثم أخذهم بهذه العزة والاقتدار منه، ليذكرنا بقوله : {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183]،[القلم:45]، وقوله تعالى : {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [الطور:45].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن العجب ، بل ومن الجهل ، أن الكثير من الناس يربط هلاك الظالمين والمفسدين بأسباب مادية أرضية، ويغفل عن القدرة الإلهية، وينسى أن هذا ما هو إلا مكر من الخبير العلام، وانتقام من الملك الديان، قال الله تعالى { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [البروج:12-13]. وقال الله تعالى : { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:45]. فمن السنن الإلهية ،أن الظلم مهما طال أمده ، واسودت لياليه ،وطالت اذرعه ،واشتد فساده ، وانتشر في ربوع الارض ،حتي يضرع المظلمون الي ربهم ،يقولون : أما لهذا الليل من آخر ؟؟ ، ويتساءلون متي تنقشع هذه الظلمة؟؟ ،وينبلج فجر العدل؟ : فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ،ونهاية الظالمين أليمة، والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة، ولا يبالي الله في أي واد يهلكون، ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وقد جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره ، ففي سنن الترمذي بسند صحيح ) عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ » ، فعلى الباغي والظالم تدور الدوائر ،فيبوء بالخزي ،ويتجرع مرارة الذل والهزيمة ،وينقلب خاسئاً وهو حسير، لم يبلغ ما أراد ،ولن يظفر بما رجا، واعلموا أن أقرب الأشياء صرعت الظلوم ،وأنفذت السهام ، هي دعوة المظلوم.
الدعاء