خطبة عن الخصومة يوم القيامة ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
فبراير 13, 2021خطبة عن اليمين وكفارته ،وحديث (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)
فبراير 13, 2021الخطبة الأولى ( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (7) ،(8) طه
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) طه (7) ، يقول الامام الطبري في تفسيرها : وإن تجهر يا محمد بالقول، أو تخف به، فسواء عند ربك الذي له ما في السموات وما في الأرض ( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ ) لا يخفى عليه ما استسررته في نفسك، فلم تبده بجوارحك ولم تتكلم بلسانك، ولم تنطق به وأخفى.(وأخْفَى) وما هو أخفى من السرّ، وهو ما حدّث به المرء نفسه ولم يعمله. فما أخفى ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله، فالله يعلم ذلك، فعلمه فيما مضى من ذلك، وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة ،وعن ابن عباس ، في قوله ( يعلم السر وأخفى ) قال : السر : ما يكون في نفسك اليوم ، وأخفى : ما يكون في غد وبعد غد ، لا يعلمه إلا الله . وقال السعدى : في الآية شاهد على أن علمه تعالى محيط بجميع الأشياء، دقيقها، وجليلها، خفيها، وظاهرها، فسواء جهرت بقولك أو أسررته، فالكل سواء، بالنسبة لعلمه تعالى.فلما قرر سبحانه وتعالى كماله المطلق، بعموم خلقه، وعموم أمره ونهيه، وعموم رحمته، وسعة عظمته، وعلوه على عرشه، وعموم ملكه، وعموم علمه، نتج من ذلك، أنه المستحق للعبادة، وأن عبادته هي الحق التي يوجبها الشرع والعقل والفطرة، وعبادة غيره باطلة ، وفي شرح تفسير ابن كثير للراجحي : قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] ، قال : فيها بيان سعة علم الله عز وجل، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو سبحانه يعلم ما كان في الماضي، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو لا يخفى عليه شيء، وحتى الشيء الذي لا يكون (فهو يعلمه لو كان ) فقد أخبر الله عن المنافقين الذين يخرجون مع المسلمين للجهاد ماذا يفعلون؟ فقال سبحانه: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} [التوبة:47] ماذا سيعملون؟ ، قال تعالى : {مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47]. وقال سبحانه عن الكفار الذين تمنوا أن يردوا إلى الدنيا: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28]. وقال سبحانه: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] ، فكل هذه الآيات فيها بيان علمه سبحانه بما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو سبحانه يعلم السر الذي يخفيه الإنسان في نفسه، وأخفى من ذلك ما سيعمله في المستقبل، أو ما سيسره غداً، أو ما توسوس به نفسه، فكل ذلك يعلمه سبحانه وتعالى، والآية شاملة لكل هذه المعاني. كما أن قدرته سبحانه وتعالى شاملة لكل شيء، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو الذي خلق الخلائق كأنها نفس واحدة: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ} [لقمان:28]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أي: إعادة الخلق وبدؤهم هين على الله سبحانه.
أيها المسلمون
ومن ثمرات علم العبد المسلم بسمعه تعالى ، وبصره ، وعلمه ، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، وأنه يعلم السر وأخفى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، فكل ذلك يثمر له حفظ لسانه ،وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضى الله ، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح .. ومعرفة العبد بجلال الله وعظمته وعزه، تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة .. وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها، وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة ،فالله تعالى مطلع عليك ، يعلم جهرك وسرك ، قال الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } المجادلة7
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول العلماء : ومن الإعجاز العلمي في قوله تعالى : (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) (طه : 7)، أن الآية تستعرض سعة ملكه سبحانه وتعالى ، وعظيم علمه سبحانه، وتدلل على سعةِ علمه، وإحاطته سبحانه بأقوال خلقه وأفعالهم، وهنا تشير الآية إلى ثلاث مراتب من التعبير: الأول : الجهر : وهو ما يعلمه صاحبه، وكذا مَنْ حوله، ويعلمه الله سبحانه وتعالى. الثاني : السر: وهو ما يحدث به الإنسان نفسه في خفاء ، فيعلمه بذلك هو ومن حَدَّثَ، ويعلمه الله سبحانه، وقد يستأثر الإنسان أحياناً بأمور لا يُحَدِّثُ بها أحداً، لتبقى سِرَّاً لا يعلمه إلا هو، وكذا خالقه سبحانه. الثالث : الأخفى: أي الأخفى من السر. يقول الدكتور – (ميسرة طاهر) أستاذ علم النفس بجامعة الملك عبد العزيز : إن النوع الثالث الذي تذكره الآية هو ما لا يعلمه الناس، ولا يعلمه حتى الشخص ذاته، والله يعلمه، ويضيف: إن 60% من أفعالنا وأقوالنا وسلوكنا مصدرها (الأخفى)؛ بمعنى أننا لا نعلم السبب الحقيقي وراء حوالي 60% من سلوكنا البشري، ولكن إذا سُئِلْنا عن سبب هذا التصرف، فسيكون هناك مبرر فعلي . و(الأخفى) من وجهة نظر علم النفس الحديث هو ما يسمى علمياً (باللاشعور)، أو (العقل الباطن)، وهو يشمل المهارات والمكتسبات المتعلَّمة التي تعلمها الإنسان في الوعي، ومن ثَمَّ وبعد أن أتقنها انتقلت إلى الأخفى، وصارت عادة، سواء ما يتعلق منها بعادات الطعام و الشراب، أو الجلوس و المشي …الخ. ومن الجدير بالذكر أن (الأخفى) يقبل كل ما يرد إليه من أفكار ومعتقدات من العقل الواعي بدون مناقشتها أو مراجعتها؛ لأن ذلك ليس من وظائفه، فوظيفة المناقشة والتدقيق هي من اختصاص العقل الواعي، وليس (الأخفى)، ولذلك كانت الأوامر النبوية بضرورة إنكار المنكر، سواء باليد أو باللسان أو بالقلب، وذلك لأنه إن مَرَّ من العقل الواعي بدون إنكار، فسيدخل إلى اللاوعي (الأخفى)؛ ليستقر فيه، ويتحول بعد فترة إلى عادة، أو سلوك بشري غير مبرر، بل وغير مسيطر عليه أحياناً. ثم يقول الدكتور (ميسرة طاهر) : ومن الدلالات على وجود العقل الباطن أو (الأخفى) : أولا : أحلام النوم. ثانيا : تصرفات الأطفال أثناء اللعب بألعابهم؛ إذ يقومون بتصرفات تدل على ما بداخلهم. ثالثا : المخاوف غير المبررة، فكثيراً ما نرى كباراً أو صغاراً يخافون مما لا ينبغي الخوف منها؛ كالظلام، القطط، الفئران، الأماكن المرتفعة، ومثل هذه التصرفات إنما تدل على وجود معلومات، أو تجارب سابقة، قد يكون الإنسان ذاته نسيها، ولكنها خُزِّنت في العقل الباطن (الأخفى)، وتترجم كسلوك بشري لا يعرف الإنسان ذاته سببه، ولكن الله سبحانه بعلمه المحيط يعلمه.
الدعاء