خطبة عن حديث (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِه)
يوليو 14, 2018خطبة عن (أمير المؤمنين هارون الرشيد)
يوليو 14, 2018الخطبة الأولى ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (… وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة (282)
إخوة الاسلام
جاء في كتب التفسير في قول الله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282]، قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، هذا وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه : أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه ،وقد يجعل في قلبه ابتداء فرقاناً أي فيصلاً يفصل به بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29]. وقال الفخر: قوله تعالى: { وَاتَّقُواْ اللّهَ } يعني فيما حذر منه هاهنا، وهو المضارة، أو يكون عامًا، والمعنى اتقوا الله في جميع أوامره ونواهيه. ثم قال: {وَيُعَلّمُكُمُ الله} والمعنى: أنه يعلمكم ما يكون إرشادًا واحتياطًا في أمر الدنيا، كما يعلمكم ما يكون إرشادًا في أمر الدين {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} إشارة إلى كونه سبحانه وتعالى عالمًا بجميع مصالح الدنيا والآخرة. وقال ابن عاشور: {واتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. أمر بالتّقوى لأنّها مِلاك الخير، وبها يكون ترك الفسوق. وقوله: {ويعلمكم الله} تذكير بنعمة الإسلام، الذي أخرجهم من الجهالة إلى العلم بالشريعة، ونظام العالم، وهو أكبر العلوم وأنفعها، ووعدٌ بدوام ذلك ، فالله سبحانه وتعالى ينير بصائر أهل التقوى فيفقهون في الدين ,قال الله تعالى : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (122) التوبة ، كما في صحيح البخاري : أنه (صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِى ،وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ » ، فبالتقوى يهيّأ الله للإنسان حسن الفهم وحسن الإدراك فيفهم معاني القرآن و معاني السنة كما في قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (28) الحديد ، فالله يعطي المتّقي بصيرة وفهما للعلم ، كما في قوله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (108) يوسف ، وعندها يسهل عليه فقهه في الدّين ،ويدرك معاني النصوص ؛حين يتلقاها من طرق شرعية
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وقد شاع في لسان العامة أن قوله تعالى : (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ) من الباب الأول حيث يستدلون بذلك على أن التقوى سبب تعليم الله ،وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط فلم يقل (واتقوا الله ويعلمكم) ، ولا قال (فيعلمكم) وإنما قال تعالى (اتقوا الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله ) فأتى بواو العطف ، وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني ،فليس المقصود من الآية كما فهم البعض خطأ :( أنه حين يتقي العبد الله ، يعلمه الله بلا تعلم ،ولا مدارسة ،ولا مجالسة علماء ،ولا قراء الكتب ، فإذا حصلت التقوى حصل العلم اللدني، أو أنّه يأخذ من اللوح المحفوظ مباشرة ) ، ففي هذا الفهم ضلال واضلال ، فيظنّ بعض الناس أنّ لديهم كشوفات ،وعلوم لدنية من اللوح المحفوظ لم يتعلموها من أحد ، ودون واسطة ، ودون أن يأخذوا بوسائل العلم ) ،وهذا القول يتعارض مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ » ، ولكن المعنى المقصود من الآية هو : أنّ الله يوفق هذا الإنسان ويعينه و يساعده و يفتح عليه , يفهم القرآن , يفهم السنة , يحفظ القرآن , يحفظ السنة , يأخذ بالأسباب ويوجهه الله لأسباب الخير فيستفيد من هذه التقوى .
الدعاء