خطبة عن (من مقاصد الصلاة وثمراتها)
يناير 5, 2019خطبة عن حوض النبي وحديث (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ)
يناير 5, 2019الخطبة الأولى ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (100) التوبة
إخوة الاسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله ، وفيها يبين الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين منزلة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبداية تعالوا بنا نستعرض أولا ما جاء في كتب أهل التأويل والتفسير من العلماء في معنى هذه الآية الكريمة : فقد جاء في (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) للواحدي: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ يعني: الذين شهدوا بدراً ﴿ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ يعني: الذين آمنوا منهم قبل قدوم الرَّسول عليهم فهؤلاء السُّبَّاق من الفريقين ،وقيل: أراد كلَّ مَنْ أدركه من أصحابه فإنَّهم كلَّهم سبقوا هذه الأمة بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته ﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ يعني: ومن اتبعهم على مناهجهم إلى يوم القيامة ممَّن يُحسن القول فيهم. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: قال : (وَاخْتَلَفُوا في السابقين، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ سَيْرَيْنَ وَجَمَاعَةٌ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ. وَقَالَ عَطَاءُ بن أبي رياح: هُمْ أهْلُ بَدْرٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وقال محمد بن كعب القرظي: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ﴾ (التوبة: 100) ، فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أُبي بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (سورة الجمعة آية: 3)، وفي سورة الحشر: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ (الحشر آية: 10) الآية، وفي الأنفال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ ﴾ (الأنفال آية: 75) ، وفي التفسير الميسر : هم الذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام، والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار، والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم، وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم، وثناء عليهم؛ ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان. وقال السعدى : السابقون هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللّه. وفي الوسيط لطنطاوي : فهذه الآية الكريمة قد مدحت ثلاث طوائف من المسلمين المعاصرين للعهد النبوي ،الطائفة الأولى ( والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين ) وهم الذين تركوا ديارهم وأموالهم بمكة ، وهاجروا إلى الحبشة ، ثم الى المدينة من أجل إعلاء كلمة الله واستمروا فى المدينة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أن تم الفتح ودخل الناس فى دين الله أفواجا . والطائفة الثانية : السابقون الأولون من الأنصار ، وهم الذين بايعوا النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل أن يهاجر اليهم إلى المدينة بيعة العقبة الأولى والثانية . ثم يلى هؤلاء أولئك المؤمنون من أهل المدينة الذين دخلوا في الإِسلام على يد مصعب بن عمير ، قبل وصول الرسول – صلى الله عليه وسلم – اليها ،ثم يلى هؤلاء جميعا أولئك الذين آمنوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – بعد مقدمه إلى المدينة . والطائفة الثالثة : ( والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ ) أي : الذين اتبعوا السابقين في الإسلام من المهاجرين والأنصار ، اتباعا حسنا في أقوالهم وأعمالهم وجهادهم ونصرتهم لدعوة الحق . وروي عن حميد بن زياد قال : قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي ، ألا تخبرني عن الصحابة فيما كان بينهم من الفتن؟ فقال لي : إن الله – تعالى – قد غفر لجميعهم ، وأوجب لهم الجنة في كتابه ، محسنهم ومسيئهم ، فقلت له : وفى أي موضع أوجب لهم الجنة ، فقال :ألم تقرأ قوله تعالى – : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) الآية فقد أوجب الله سبحانه لجميع الصحابة الجنة ،وشرط على تابعيهم أن يقتدروا بهم في أعمالهم الحسنة ،وألا يقولوا فيهم إلا حسنا لا سوءاً .
وقوله : ( رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) بيان لسمو منزلتهم ، وارتفاع مكانتهم .أي : رضى الله عنهم في إيمانهم وإخلاصهم ، فتقبل أعمالهم ، ورفع درجاتهم وتجاوز عن زلاتهم ، ورضوا عنه ، بما أسبغه عليهم من نعم جليلة ، وبما ناله منه . سبحانه . من هداية وثواب . ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان ما هيأه لهم في الآخرة من إكرام فقال الله تعالى : ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلك الفوز العظيم ) .أي : أنه – سبحانه – بجانب رضاه عنهم ورضاهم عنه في الدنيا ، قد أعد لهم – سبحانه – في الآخرة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار خالدين فيها خلودا أبديا وذلك الرضا والخلود في الجنات من الفوز العظيم الذى لا يقاربه فوز ، ولا تدانيه سعادة . وقال الإِمام ابن كثير : فيا ويل من أبغضهم ، أو سبهم ، أو أبغض أو سب بعضهم ، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول ، وخيرهم وأفضلهم أعنى الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبى قحافة ، وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضى الله عنه ، ويسبون من سبه الله ورسوله ، ويوالون من يوالى الله ، ويعادون من يعادى الله ، وهم متبعون لا مبتدعون ، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون ، وعباده المؤمنون . وبهذا نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان ، وذلك لقوة إيمانهم ، وصفاء نفوسهم وإيثارهم ما عند الله على هذه الدنيا وما فيها .
أيها المسلمون
(المهاجرون والأنصار) ، فهذا وصف عظيم، وشرف جليل، فهم أولئك النفر الكرام الذين تنزلت آيات الله – تعالى – في مدحهم، والشهادة بفضلهم، والتصريح برضوان الله العظيم عنهم، وهم من نصر نبي الإسلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونصر دين الله – تعالى -، وبذل في سبيل ذلك النفس والنفيس. هم من هجروا الديار، وفارقوا الأهل والمعارف والأصحاب ،في سبيل دين الله – عز وجل -، وتصديقاً برسوله – صلى الله عليه وسلم -، وهم من آخى بينهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إخاء امتدت جذوره إلى أعماق القلوب، وغمر أهله روح البذل والتضحية في أسمى معانيها، فباعوا كل شيء من متاع الدنيا وراحتها، وملاذ الدنيا وشهواتها، وأخذوا مقابل ذلك رضا الله – تعالى -، ومحبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولهذا ورد في فضلهم والثناء عليهم نصوص كثيرة يتبين من خلالها أن هؤلاء النفر هم خير هذه الأمة، والذين يجب على العبد المسلم أن يتولاهم ويحبهم، وقد أثنى الله – تبارك وتعالى – عليهم ، فقال الله تعالى : {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر 8، ومن هذه الآية نأخذ عدة أمور منها: -أن الله – عز وجل – أثبت لهم صفة النصرة لله – تبارك وتعالى -، ولرسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -. -وأن الله – عز وجل – أثنى عليهم بأنهم يطلبون فضل الله ورضوانه، وأنهم لا يريدون إلا وجه الله. -وأثنى عليهم بالصدق فقال تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ، أي فيما يقومون به من الأعمال في سبيل إعلاء كلمة الله، ونصرة الدين، والرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -. هذا في حق المهاجرين، وأما الأنصار ، فقال الله تعالى فيهم : {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر 9، ومن هذه الآية نأخذ أموراً ذكرها الله – عز وجل – فيهم منها: -أن الأنصار هم السباقون إلى الإيمان والتصديق بالرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله وسلم -، فهم حازوا شرفين: شرف سبقهم إلى الإيمان، وشرف استضافتهم للإيمان، وأهله في أرضهم. -وأنهم اتسموا بسمة حبهم لمن يأتي مؤمناً بالله – تبارك وتعالى -، وبرسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -. -وأنهم مع هذا كله لا يجد أحدهم في نفسه شيئاً على أخيه؛ لأنهم يطمعون فيما عند الله – تبارك وتعالى -، ولا ينظرون لحطام الدنيا الفانية. -وأنهم اتصفوا بصفة كريمة وهي أنهم آثروا إخوانهم على أنفسهم حتى ولو كان بهم حاجة شديدة {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فرضي الله عنهم وأرضاهم. وقد أعلى الله – عز وجل – شأنهم، ورضي عنهم جميعا ، فقال الله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة (100)، وقال الله تعالى : {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة ( 117)، فهذا تصريح من الله – تبارك وتعالى – على أنه: رضي عنهم .أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وأنهم خالدين فيها. وأن الله – عز وجل – تاب عليهم، ومن تاب الله عليه غفر زلته إن كان أخطأ.
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى الصنف الثالث من الأصناف التي ذكرهم الله تعالى في الآية الكريمة وهم : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ) ، فقد اختلف العلماء في المراد بالتابعين ، ولهم قولين: الأول: “هم الذين دخلوا في الإسلام بعد أن صارت مكة دار الإسلام يؤيده قوله – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري : (عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ جَاءَ مُجَاشِعٌ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ هَذَا مُجَالِدٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ . فَقَالَ « لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ ، وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ » ، الثاني: هم سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ التابعون، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان، وبعد أن أثنى الله على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان، فقد حدد الله – عز وجل – الجزاء فقال الله تعالى : {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100، فبين الله تعالى – في هذه الآية الكريمة بأن الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان داخلون معهم في رضوان الله – تعالى -، والوعد بالخلود في الجنات والفوز العظيم، وبيَّن في مواضع أخر أن الذين اتبعوا السابقين بإحسان يشاركونهم في الخير كقوله – جل وعلا -: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجمعة 3، وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الحشر 10، وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الانفال 75، ولا يخفى أنه – تعالى – صرح في هذه الآية الكريمة أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وهو دليل قرآني صريح في أن من يسبهم ويبغضهم ضال مخالف لله – جل وعلا -، حيث أبغض من رضي الله عنه؛ ولا شك أن بغض من رضي الله عنه مضادة له – جل وعلا -، وتمرد وطغيان”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وحين ذكر الله سبحانه وتعالى – الجزاء الذي أعدَّه لهؤلاء، وحين كانت نفوسهم زاكية راقية؛ قابلوا الجزاء بالشكر، والتزود من الطاعة، فذكر سبحانه أنهم {رَضُواْ عَنْهُ} ، وفي هذه الآية الإخبار بأن الله رضي عنهم، ورضوا عنه، ولم يبين زمن هذا الرضوان أهو سابق في الدنيا، أم حاصل في الجنة، وقد جاءت الآية تبين أنه سابق في الدنيا وهي قوله – تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، فقوله – تعالى -: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، ثم يأتي بعدها {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ}، فهو في قوة الوعد في المستقبل، فيكون الإخبار بالرضى مسبقاً عليه، وكذلك آية سورة الفتح في البيعة تحت الشجرة إذ قال الله فيها: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح 18، وهو إخبار بصيغة الماضي وقد سميت بيعة الرضوان” ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم. كما ذكر الله سبحانه الجائزة التي أعدها لهؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والانصار ومن تبعهم وسار على دربهم وطريقتهم إلى يوم الدين فقال الله تعالى :{وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} التوبة 100، فهذه هي الجائزة التي أعدها الله – تبارك وتعالى – جزاء ما قاموا به من الأقوال والأعمال طلباً لمرضاة الله – سبحانه وتعالى -، فأولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم، وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، ذلك هو الفلاح العظيم، الذي ليس بعده فلاح. ووصف – سبحانه وتعالى – جائزة هؤلاء الذين رضي الله عنهم {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} و”زاد الحق في ترغيبهم ،فقال تعالى : {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، إنه النجاة من النار، ودخول الجنة، فلا فوز أعظم منه قط، هذا ولكم علاوة على ذلك الربح العظيم وهي ما جاء في آية أخرى حين أخبر – تعالى – عنها بقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} أي وفائدة أخرى تحبونها: نصر من الله أي لكم على أعدائكم، ولدينكم على سائر الأديان، وفتح قريب لمكة ولباقي المدن والقرى في الجزيرة وما وراءها، وقوله – تعالى -: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي وبشر يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا، وبوعدنا ووعيدنا، بحصول ما ذكرناه كاملاً، وقد تم لهم كاملاً ولله الحمد والمنة” وهذا الوعدُ الكريم من رب العالمين هو الذي يستبشر به أولئك المسلمون، إنه جنات تجري الأنهار، تحت أشجارها ينعمون فيها نعيماً أبدياً، وأيّ فوز بعد هذا الفوز
أيها المسلمون
وبعد أن قام هؤلاء بالجهاد في سبيله، واجتمع الإيمان بالله والجهادَ في سبيله بالمال والنفس؛ أصبحت تجارة رابحة؛ لأن المجاهدين نالوا الفوز بالدنيا، فيظفر واحدهم بالنصر، والغنائم، وكرائمِ الأموال، والثواب العظيم في الآخرة إذ يحظى بالغفران، ورضوان الله، والخلود في جنات عدن، فهذه هي التجارة الرابحة، وأيّ فوز أعظم من هذا. إنهم طراز فريد من البشر, اصطفاهم الله لصحبة نبيه ونصرة دينه, و هم جميعًا وإن تفاوتت أقدارهم, و تنوعت مقاماتهم إلا أنهم جميعًا في مراقي الفضل و رفعة الدرجات. وما أحوجنا إلى إحياء القدوة الصالحة أمام أبنائنا وبناتنا والتي تمثلت أعظم ما يكون- بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيل الصحابة أجمعين, الذين قال الله فيهم: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22) ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :( إن الله نظر إلى قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير القلوب فاصطفاه لنفسه، فابتعثه الله برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء. وقال: من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا. اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه. فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. نسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يجعلنا ممن قال فيهم: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10،
الدعاء