خطبة عن اسم الله ( الْمُهَيْمِنُ )
أكتوبر 28, 2017خطبة عن الصحابي ( عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ )
أكتوبر 28, 2017الخطبة الأولى ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (128) الاعراف ، وقال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83) القصص، وقال الله تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
إخوة الاسلام
الْعَاقِبَةُ: هي كل ما يعقب أمراً، ويقع في آخره من خير أو شر، إلا أنها غلب استعمالها في أمور الخير، فَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ : تعني أن التقوى تجيء في نهايتها عواقب خير. ولذا إن تدبرنا الآيات السابقة نجد أن الآية الأولى جاءت على لسان سيدنا موسى عليه السلام وهو يبشر قومه الذين آمنوا به، بحسن العاقبة لهم في الدنيا قبل الآخرة، والتمكين في الأرض إن هم لازموا التقوى، وهو ما حدث بالفعل بعد غرق فرعون . وفي قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83) القصص ، فقد جاءت تعقيبا على قصة قارون ، وردا على من فتن بما آتاه الله من نعم ، وملك وجاه وسلطان ، ثم دعاه ذلك كله إلى الكفر والغرور والفساد ، فكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض وأصبح من الخاسرين ، فبين الله لنا أن الدار الآخرة وما فيها من جنات النعيم لا يسكنها المتكبرون ، ولا المفسدون ، وإنما هي دار المؤمنين المتقين (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) … (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، فمن الملاحظ أن بعض المسلمين اليوم قد فتنوا بحضارة الغرب كما فتن من قبلهم بكنوز قارون وملكه ، وذهب هؤلاء يبحثون عن موطئ قدم خارج دائرة بلاد الإسلام، غرباً أو شرقاً، بحثاً عن المال والجاه والمناصب ، بل واعتنق بعضهم مبادئ أخرى، ومذاهب مختلفة، لا تمت إلى الإسلام بصلة، والمؤلم في أمثال هؤلاء أنهم لم يروا من حضارة الشرق أو الغرب إلا الجانب الإيجابي والحسن، وعميت أبصارهم، أو تعاموا عن الجوانب المظلمة ـ وما أكثرها ـ! فهذه الحضارة اعتنت بالجسد، وأهملت الروح، وعمرت الدنيا وخربت الآخرة، وسخّرت ما تملكه من أسباب مادية في التسلط على الشعوب المستضعفة، وفرض ثقافتها، وأجندتها على من تشاء! ألا فما أحوج المسلمين في بقاع الأرض إلى أن يتدبروا أخبار من كانوا قبلهم من أمثال قارون وغيره ، وأن يتأملوا جيداً في العواقب التي جناها مخالفوا التقوى في الأنظمة والحكم والسلوك، ومن تدبر مجيء قوله تعالى ـ على لسان موسى وهو يخاطب قومه المضطهدين عدة قرون : {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين} [الأعراف: 128] ، علم أن وعد الله لا يتخلف لمن اتقاه دولاً كانوا أو شعوباً ،أو أفرادا
أيها المسلمون
وفي قول الله جل وعلا: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}، قوله تعالى :{وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} بيان أن العاقبة الحميدة لأهل التقوى, متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا أعداءه وجاهدوا هذه النفوس , فالعاقبة لهم في الدنيا والآخرة , كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت 69، فأنت ـ أيها المسلم ـ في أشد الحاجة إلى تقوى الله، ولزومها، والاستقامة عليها، ولو جرى ما جرى من الامتحان, ولو أصابك ما أصابك من الأذى أو الاستهزاء من أعداء الله, أو من الفسقة والمجرمين ،فلا تبالِ , واذكر الرسل – عليهم الصلاة والسلام – , واذكر أتباعهم بإحسان , فقد أوذوا، واستهزئ بهم، وسخر بهم، ولكنهم صبروا فكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، فأنت يا أخي كذلك اصبر وصابر” واعلم يقينا أن كل من لم يكن تقياً في أحواله، أو أفعاله، فلا عاقبة له حسنة، وإن أمهل زماناً، أو تُركَ دهراً، وهذه سنة الله في خلقه،
أيها المسلمون
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) فقد وَعَدَ الله بِالنَّصرِ مَن يَنصُرُهُ، وَكَتَبَ التَّمكِينَ لِمَن يَعبُدُهُ وَلا يُشرِكُ بِهِ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالهِدَايَةَ لِلمُجَاهِدِينَ، وَقَضَى بِالمَعِيَّةِ لِلمُحسِنِينَ وَالثَّبَاتَ لِلذَّاكِرِينَ، قَالَ – سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ الحج (40)، (41) …. (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، فعليك بالتَّفَرُّغَ لِلعِبَادَةِ وَلُزُومَ الطَّاعَةِ، وَالاستِقَامَةَ في طَرِيقِ الهُدَى وَالإِكثَارَ من ذِكرِ اللهِ، فهِيَ زَادُ المُبتَلَى الصَّابِرِ وَهي حِليَةُ المَنصُورِ الظَّافِرِ، بها يُستَجلَبُ الخَيرُ وَيُستَدفَعُ الضُّرُّ، وَبِسَبَبِهَا تَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ، وَمَنِ استَوعَبَ عُمُرَهُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ وَاشتَغَلَ بِذِكرِهِ، رَزَقَهُ اللهُ الصَّبرَ وَجَمَّلَهُ بِالرِّضَا، وَأَعَانَهُ وَحَفِظَهُ وَيَسَّرَ أَمرَهُ، وَمَلأَ قَلبَهُ غِنىً وَوَسَّعَ رِزقَهُ، قَالَ تَعَالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ البقرة 153 … (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فإِنَّ التَّمَسُّكَ بِالحَقِّ وَاقتِفَاءَ السُّنَنِ وَالوُقُوفَ عِندَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَتَنوِيعَ القُرُبَاتِ وَالإِكثَارَ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ، كُلَّ ذَلِكَ لَهُوَ حِليَةُ المُؤمِنِينَ المتقين الصَّادِقِينَ، وَزَادُ المُصلِحِينَ المُخلِصِينَ، فَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَعُودُوا إِلى رُشدِكُم، وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم، وطَهِّرُوا القُلُوبَ ممَّا اعتَرَاهَا، وَأَنقِذُوا النُّفُوسَ ممَّا اعتَلاهَا، وحَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ للهِ مَحَبَّةً لَهُ وَخَوفًا مِنهُ وَرَجَاءً، وَإِخلاصًا لَهُ وَتَوَكُّلاً عَلَيهِ، وَإِيَّاكُم وَالاستِهَانَةَ بِالمَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثمِ وَبَاطِنَهُ، وَجَانِبُوا المُجَاهَرَةَ وَالزَمُوا الحَيَاءَ، تَنَاصَحُوا وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، هي سنة من السُّنَنِ الرَّبَّانيَّةِ التي لا تَتَبَدَّلُ ولا تَتَحَوَّلُ ـ فالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ـ ولكن حتى تكونَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ لا بُدَّ من تحقيقِ بعضِ الأمورِ, ومنها : أولاً: يجبُ على أهلِ التَّقوى حتى تكونَ العاقبةُ لهم, أن يستعينوا باللهِ والصَّبرِ والصلاةِ, قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾ آل عمران 200. وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون﴾ النحل 128. ثانياً: يجبُ على أهلِ التَّقوى حتى تكونَ العاقبةُ لهم, أن يتوكَّلُوا على اللهِ تعالى, قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ الطلاق 3. وقال تعالى مُخبراً عن قولِ سيِّدِنا موسى عليه السلامُ لقومِهِ: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (84) :(86) يونس. ثالثاً: يجبُ على أهلِ التَّقوى حتى تكونَ العاقبةُ لهم, أن يُلِحُّوا على اللهِ تعالى بالدُّعاءِ, قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (186) البقرة . وأهلُ التَّقوى لا تضيقُ صُدُورُهم من الأحداثِ مهما اشتدَّت وضاقَت, لأنَّ اللهَ تعالى يقول: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (5) ،(6) الشرح. ولأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» رواه الإمام الحاكم عن الحسنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. نعم, لقد عاشَ المسلمونَ في أيَّامِ فرعونَ ظُروفاً صعبةً وعصِيَّةً, مِلؤُها الخوفُ والأذى, وَوَصَلَ بهمُ الأمرُ أن يُسِرُّوا بصلاتِهِم ويتَّخذوا بُيوتَهُم مساجدَ, قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِين﴾ يونس 87. ولكن رَغمَ الشِّدَّةِ والظُّروفِ الصَّعبَةِ التي مَرَّت عليهم, جاءَ الأمرُ من اللهِ تعالى بقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين﴾. فَأَبشرُوا يا عبادَ اللهِ بعدَ إقامتكم للصلاةِ التي تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ, بالفَرَجِ العَاجَلِ لهذِهِ الأمَّةِ المظلومَةِ المَقهُورَةِ, وأبشروا فكلَّما ضاقت فرجت وإن مع العسر يسرا . فالعاقبةُ للمتَّقينَ مهما طَغَى الطَّاغُونَ, وأَجرمَ المُجرمونَ, وقَتَلَ القَاتِلونَ, وسَفَكَ الدِّماءَ البريئةَ السَّافِكونَ, ورَوَّعَ الناسَ المُروِّعونَ, لأنَّ اللهَ تعالى قالَ عَقِبَ قِصَّةِ سيِّدِنا نوحٍ عليه السلامُ الذي لَبِثَ في قومِهِ ألفَ سنةٍ إلَّا خمسينَ عاماً, ودعاهُم إلى اللهِ تعالى ليلاً ونهاراً: ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين﴾ هود 49.
الدعاء