خطبة عن (لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلاَ تَنْظُرُوا فِى ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ)
يونيو 19, 2021خطبة عن شهود يوم القيامة ( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)
يونيو 19, 2021الخطبة الأولى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (88): (93) مريم
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) (88) :(91) مريم ، يقول ابن كثير : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا } ، قال ابن عباس: أي : شَيْئًا عظيماً، فإن الشرك فزعت منه السماوات والأرض والجبال وجميع الخلائق ، إلا الثقلين، وكادت تزول منه لعظمة اللّه، ويقول الامام القرطبي : (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) أي : يكاد يكون ذلك ، عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم ، إعظاما للرب وإجلالا; لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده ، وأنه لا إله إلا هو ، وأنه لا شريك له ، ولا نظير له ، ولا ولد له ، ولا صاحبة له ، ولا كفء له ، بل هو الأحد الصمد : وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، ويقول الشيخ السعدي: ” وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولدا، كقول النصارى: المسيح ابن الله، واليهود: عزير ابن الله، والمشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. ( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) أي: عظيما وخيما. من عظيم أمره أنه (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ) على عظمتها وصلابتها ( يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ) أي: من هذا القول ( وَتَنْشَقُّ الأرْضُ ) منه، أي: تتصدع وتنفطر ( وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) أي: تندك الجبال “ { مَا يَنْبَغِي } أي: لا يليق ولا يكون { لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا } وذلك لأن اتخاذه الولد، يدل على نقصه واحتياجه، وهو الغني الحميد ، والولد أيضا، من جنس والده، والله تعالى لا شبيه له ولا مثل ولا سمي. { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } أي: ذليلا منقادا، غير متعاص ولا ممتنع، فالملائكة، والإنس، والجن وغيرهم، الجميع مماليك، متصرف فيهم، ليس لهم من الملك شيء، ولا من التدبير شيء، فكيف يكون له ولد، وهذا شأنه وعظمة ملكه؟”.{ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } أي: لقد أحاط علمه بالخلائق كلهم، أهل السماوات والأرض، وأحصاهم وأحصى أعمالهم، فلا يضل ولا ينسى، ولا تخفى عليه خافية. { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } أي: لا أولاد، ولا مال، ولا أنصار، ليس معه إلا عمله، فيجازيه الله ويوفيه حسابه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِى لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ » وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ » وفي رواية لمسلم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ ».
أيها المسلمون
واعلموا أن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فلا شيءٌ مثله، ولا شيءٌ يعجزه، ولا إله غيره، فقد قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (180) الأعراف، وهو سبحانه تقدس عن الزوجة والولد، وعن الشريك والند والمثيل، قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (1) :(4) الإخلاص . وقال الله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) (3) الجن ،فهو سبحانه : ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾؛ أي: لم يتخذ ولدًا؛ لأن ذلك يقتضي زيادة بعد نقصان، وهو سبحانه مستغنٍ عن الولد؛ فمن احتاج للولد فهو ناقص، ومن يلد فهو زائل وفان ، وأيضًا يلزم أن تكون له صاحبة؛ أي: مماثلة ومجانسة، وهو ما أبطله سبحانه في قوله تعالى : ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]،
واعلموا أن توحيد الله في الاعتقاد توحيدًا شاملًا، وترجمة هذا التوحيد عمليًّا في سلوك الأفراد وعلاقات المجتمع وشؤون الدولة – إنما يكون بإفراد الله سبحانه في العبودية بتلقي التشريع؛ أي: التحليل والتحريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصرًا فيما بلغنا إياه من قرآن كريم وسنة شريفة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84]. ولأنه سبحانه وتعالى هو أهل الكمال المطلق، وأهل الثناء والمجد، استحق العبودية له سبحانه دون أحد من خلقه، لا يحتاج إلى واسطة في الوصول إليه، ولا إلى شريك للدخول عليه، فهو سبحانه قريب من عباده، يسمع نجواهم ويجيب دعائهم، فمن جعل مع الله سبحانه وتعالى واسطة في العبادة من صنم أو شخص معظم وظن أن في هذا الشخص خصوصية يشفع له عند الله، وأنه يتقرب به إليه سبحانه فقد أشرك في عبادة ربه، لأن العبادة حق الله سبحانه وتعالى وليست لأحد من خلقه، فمن صرف حق الله لغيره فقد أشرك بعبادة ربه، كما فعل المشركون الأولون، وكما يفعله الجاهلون في قبور الأولياء والصالحين، حيث يتقربون بهم إلى الله تعالى ويتخذونهم وسائط تقربهم إليه .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولقد ضل كثير من الناس في حق الله سبحانه وتعالى، فهناك طوائف نسبت لله الولد كاليهود والنصارى، وطائفة جعلت له البنات كبعض مشركي العرب، وطائفة نسبت الخلق لغيره، فجعلوا خالقاً للخير وخالقاً للشر، وهم المجوس، وطائفة نفت وجود الله ونفت خلقه لأي شيء في الوجود، وهناك طوائف نسبت لله النقائص كاليهود الذين نسبوا لله البخل، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إن الله لما خلق الخلق تعب فاستراح تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .، أما نحن – المسلمين – فإن سُئلنا : من إلهكم.؟ قلنا : هُوَ اللَّهُ .وإن سُئلنا : صفوه لنا .؟ قلنا : اللَّهُ أَحَدٌ (1) .وإن سُئلنا : انسبوه لنا.؟ قلنا : (اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)) .وإن سُئلنا هل له سمي أو شبيه أو عدل أو مثيل.؟ قلنا : لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) .فمن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد كان أحد بحق، ومن كان كذلك كان الصمد بحق، ومن كان كذلك كان هو الله الحق. فهو الحي القيوم بذاته، القائم على شئون عبيده وملكه، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، ولا تغيره الحوادث، ولا تنال منه الدهور ، فلا يمسه اللغوب، ولا يلحقه الخور، ولا يقع منه الفتور، قوي شديد المحال، عزيز لا يغالب، المستغني بكمال ذاته عن غيره، وأن ما سواه مفتقر اليه ،الكامل في سؤدده وإحسانه، وهو الملجأ والملاذ لكل أحد، فهو يطعم ولا يطعم، ويجير ولا يجار عليه، الدائم الباقي بعد فناء خلقه، فهو الوارث لهم، رفيع الدرجات، ليس لاحد عليه امر فهو الكبير المتعال.
الدعاء