خطبة عن قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
سبتمبر 1, 2018خطبة عن (طارق بن زياد)
سبتمبر 1, 2018الخطبة الأولى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (22) (24) الصافات
إخوة الإسلام
إن كلام الله خير كله، ففيه من المواعظ والحكم ،والبشارة والنذارة ، والترغيب والترهيب ما لو عَمِلَ الخلق بها لاستقام حالهم ، ولصلحت دنياهم وأخراهم ، ولنا اليوم -إن شاء الله- وقفة تأمل وتدبر مع قوله تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (24) الصافات ، فقوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) أي : قفوهم حتى يُسألوا عن أعمالهم ،وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدار الدنيا كما قال الضحاك ، عن ابن عباس : يعني احبسوهم إنهم محاسبون . وروى مسلم في صحيحه : (في حديث الساعة عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (…ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ – أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ – مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ – نُعْمَانُ الشَّاكُّ – فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ – قَالَ – ثُمَّ يُقَالُ أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَمْ فَيُقَالُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ – قَالَ – فَذَاكَ يَوْمَ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا وَذَلِكَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ». وروى الترمذي في سننه والدارمي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ دَاعٍ دَعَا إِلَى شَىْءٍ إِلاَّ كَانَ مَوْقُوفًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَزِمًا لَهُ لاَ يُفَارِقُهُ وَإِنْ دَعَا رَجُلٌ رَجُلاً ». ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ). وقال الله تعالى في محكم آياته : (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) ، فالإنسان لن يترك هملا ، يعمل فلا يحاسب ، ويفسد فلا يعاقب ، وإنما هو مسئول أمام الله عن الصغيرة والكبيرة ، والعظيمة والحقيرة ، وعن القليل والكثير ، والنقير والفتيل والقطمير ،وعَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ » رواه الترمذي ،وفي رواية لابن حبان : (إن الله سائل كل راع عما استرعاه احفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) .. (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) ، فهذا توجيه من الله عز وجل لملائكته الأطهار ، في ذلك اليوم المهيب والموقف الشديد، والخطب الجسيم ، في ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين في مقام واحد ، قلوبهم واجفة ، وأبصارهم خاشعة ،الجميع ينتظر ماذا يقال له ؟ وعن أي شيء سيسأل؟ وبماذا سيجيب ؟وما هي تبريراته وأعذاره التي قد تكون له منجى وملاذا من عذاب أليم؟.. (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) :عن مشاعرهم ، وعن كلماتهم , وعن أماناتهم ،وعن أبنائهم ، وعن أرحامهم ، وعن أموالهم ، وعن مجتمعاتهم ، وعن دينهم ، وعن رسولهم ، وعن ربهم . (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ): عن زلاتهم وغدراتهم ، وعن أخطائهم وفجراتهم، وعن خلواتهم وجلواتهم ، وعن حركاتهم وسكناتهم ، وعن أقوالهم وأفعالهم ، وعن إيحاءاتهم وتعبيرات وجوههم وسماتهم . (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) : عن تجبرهم وطغيانهم، وعن بغيهم وفسادهم ، وعن ظلمهم لرعاياهم ، وعن عبثهم في بلدانهم . (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) ، لأن المسؤولية أمانة ، وعدم القيام بها حق القيام خيانة ، وهي يوم القيامة خزي وندامة
أيها المسلمون
لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لعبادته ، وأمرنا بتوحيده ، وقد حمّلنا أمانة الدين بعد أن أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها ، فالجميع مسؤول أمام الحق تبارك وتعالى ، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، كل في دائرة اختصاصه ، وفي إطار مهمته ، وحيز صلاحياته ، قال الله تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) (6) :(9) الاعراف ، وقال الله تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) (8) الاحزاب، والموؤدة أيضا تسأل ،من باب تأكيد شناعة الفعل ، قال الله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (8) ،(9) التكوير ، ومن يعش في النعيم ويتقلب في حياة الترف والرغد ،سيسأل عن النعيم قال الله تعالى : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) التكاثر (8 ) ،وقد أخذ الله جل وعلا العهد على جميع مخلوقاته ،وأمرهم بالوفاء به ،وأنهم سيسألون عنه ، قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (34) الاسراء ، والعبد مسؤول أيضا عن ضبط جوارحه ،واستخدامها فيما يرضي الله تعالى ،قال الله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (36) الاسراء
فهل تأملت – أخي المسلم ، وأختي المسلمة – عظم المسئولية ، وخطر الأمانة والمهمة التي كلفنا بها ؟، وهل قدرت وفهمت معنى المسؤولية الحقيقة في حياتك ، ألا وهي الالتزام بطاعة ربك جل وعلا ، والعمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وترك ما نهى عنه الله وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ، ألا ترى مما سمعت أن وقوفك سيطول في ذلك اليوم كلما زادت مساحة مسؤولياتك؟ ، وعظم حجم أمانتك ؟. (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) ، فهذا السؤال أمر عظيم ، ونحن بحاجة فعلا لنعود إلى ما حملنا من مسؤوليات وأمانات ، ففي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ » ، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ )، فدعوني أوجه هذا السؤال لكل مسؤول أيا كان موقعة ، ومهما كان حجم مسؤولياته ، إلى كل مسؤول لم يراع حق تلك المسؤوليات ،ولم يجتهد ويصبر في حمل الأمانات ، وأقول له ناصحا أمينا : أين أنت من ربك جل وعلا ؟ أين مراقبتك له ؟ لماذا انتهكت محارمه ؟ وتعديت حدوده ؟ وتماديت في عصيانه ومخالفة أمره ؟ ألا تعلم أن أعظم الخيانة خيانتك لربك جل وعلا ؟؟ قال الله تعالى :” عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ” البقرة 187 قال ابن قتيبة: أي تخونتها بالمعصية ،فكيف تبغي حماية الله لك وأمنه ،وأنت لم ترع ما بينك وبينه ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (38) الحج ، فالإنسان أمام الله محاسب ،ومسئول يوم القيامة ، ويتحمل مسؤولية نتائج عمله سلبا أو إيجابيا ، قال الله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (111) النحل،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلا بد أن نتذكر وقفتنا أمام الله يوم الحساب ، وسؤالنا عن أعمالنا ، فهذه الوقفة التي حسب لها سلفنا الصالح ألف حساب، فهل نحن وضعناها في بالنا وفي حساباتنا؟! فهذا رجل من أسلاف الأمة وهو (هارون الرشيد) هذا الخليفة العظيم الذي كان يحج عاما ويغزو عاما، هذا الخليفة كان ممن جعل ذلك اليوم نصب عينيه. ففي ذات يوم جاء إليه يهودي، فقال له يا هارون: اتق الله ،فإذا بهارون لا يحس بنفسه إلا وقد سقط على الأرض، فهرع أصحابه إليه وقالوا له : يا هارون ما بك سقطت على الأرض إنه رجل يهودي؟ فقال هارون: لقد قال اليهودي لي: اتق الله فتذكرت قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206] فخشيت إن لم أسجد لقول اليهودي أن يجعلني الله من أبناء جهنم :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206] ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ،وقال الحسن البصري رحمه الله: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته ، ومن أقواله أيضا :المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، وقال ميمون بن مهران : لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، وعندما سُئِل سهل بن عبد الله التستري عن أي شيء أشد على النفس؟ ، قال: الإخلاص، لأن المخلص يتقن الأعمال الموكلة إليه خوفاً من الحساب، ومن هنا يظهر لنا أسباب ثبات الخليفة عمر بن عبد العزيز ، فقد توجه إليه ابنه عبد الله يوم توليه الخلافة وقال له: يا أَبَتِ إنك سوف تسأل يوم القيامة ويسأل معك أهل بيتك، فأمش على الحق، ولو وضِعْنَا في قدور تغلي بنا، فلا تترك الحق يا أَبَتِ. فقال عمر: الحمد لله الذي جعل من أهل بيتي من يذكرني.
فلينتبه المسلم وليكن مستعدا لذلك اليوم العظيم، لذلك اليوم الذي لا ندري أنكون فيه من أهل الجنة ، فنكون من الفائزين ، أم نكون من أهل النار ، فنكون من الخاسرين ،وعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) ، قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: (أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) رواه ابن ماجه.
الدعاء