خطبة عن (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ في زمن الغربة والبهتان)
يناير 13, 2018خطبة عن اسم الله ( المعِزُّ المذِلُّ )
يناير 13, 2018الخطبة الأولى ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (71) المؤمنون ،وقال الله تعالى :(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (41) الروم
إخوة الإسلام
لقد أَرادَ اللهُ تبارك تعالى ِبَرحمَتِه لِهَذه الأَرضِ أَنْ تَكونَ صالِحَةً لِهَذا الإِنسانِ، ولِما تَحتَ يَدِهِ مِن حَيوانٍ، وسَخَّرَها لَهُ ليَحرُثَها ويَستَثمِرَها، ويَزرَعَ فيها ويَغرِسَ، فَيَأكُلَ مِنها ويَطعَمَ ويُطعِمَ أَنعامَهُ؛ وما زالَ النَّاسُ مُنذُ وُجِدوا عَلى ظَهرِ الأَرضِ يَمشُونَ في مَناكِبِها ويَسعَونَ، ويَأكُلونَ مِن رَزقِ اللهِ، ويَبتَغونَ مِن فَضلِه، النِّعَمُ عَلَيهِم مُتواليَةٌ، والخَيراتُ فيهِم واسِعةٌ، أَرضُهُم مُطيعَةٌ لِرَبِّها، قائِمَةٌ بِأَمرِهِ، غَيرَ جاحِدَةٍ لِمَا أَودَعَها، ولا شاحَّةٍ بِما أَمَرَها بِإِخراجِه؛ ولَكِنَّ البشر هُمُ الَّذينَ يُفسِدونَ فيها ويُفسِدونَها، ويَحرِمونَ أَنفُسَهُم مِنَ الخَيراتِ المُودَعَةِ فيها، وذَلِكَ حينَ يَحيدونَ عَنِ الطَّريقِ، ويَميلونَ عَنِ الجادَّةِ، ويَكتَسِبونَ الذُّنوبَ، ويَقترِفونَ المَعاصي ، ويَجتَرحونَ السَّيِّئاتِ، ومِن ثَمَّ تَنزِلُ عَلَيهِمُ العُقوباتُ، وتَحُلُّ بِهِمُ المَثُلاتُ، وتُصيبُهُمُ القَوارِعُ بما صَنَعوا، وهَكَذا لا تُرفَعُ الرَّحمَةُ، ولا تُنزَعُ البَرَكَةُ، ولا يَقِلُّ الخَيرُ، ولا يَكثُرُ الشَّرُّ، ولا يَذهَبُ الأَمنُ، ولا يَحُلُّ العَذابُ – إِلاَّ بِالفَسادِ في الأَرضِ، واتِّباعِ الأَهواءِ، والتَّنكُّرِ لِلحَقِّ،
أيها المسلمون
وقد خلق الله تبارك وتعالى الإنسان ، وميزه على غيره من الدواب التي أوجدها بنعمة العقل ، فبالعقل يستطيع الانسان أن يميز الصحيح من السقيم ، والضار من النافع، غير أن مدارك هذا العقل حدودة ، ولا يمكنه تجاوزها، وبه من القصور ما لا يمكن تلافيه وتقليل مخاطره إلا إذا أذعن لما أمره به خالقه ومصوره، فقال تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (71) المؤمنون ، ففي هذه الآية دليل ساطع على أن الأمور لو نفذت وفق رغبات البشر وأهوائهم ، لاختل نظام الكون، الذي قام على أساس الإيمان والعدل. فلو أجابهم الله لتشريع ما أحبوا تشريعه، وإرسال من اقترحوا إرساله، بأن جعل أمر التشريع وإرسال الرسل ونحو ذلك تابعاً لأهوائهم الفاسدة، لفسدت السموات والأرض، ومن فيهن، لأن أهواءهم الفاسدة وشهواتهم الباطلة، لا يمكن أن تقوم عليها السماء والأرض ، وذلك لفساد أهوائهم واختلافها. وقد ذكر الحق تبارك وتعالى الآيات الدالة على أن أهواء البشر لا تصلح أن تكون محددة للحق ولا يمكن أن تكون متبعة في ذلك، منها قوله تعالى: ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) [الزخرف:31]، وقوله تعالى: ( قُلْ لَوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا ) [الإسراء:100]، وقال جل في علاه:( أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ) [النساء:53]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «ففي هذا كله تبيين عجز العباد، واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتدبيره لخلقه سبحانه وتعالى علواً كبيراً» وقالَ الإِمامُ ابنُ القَيِّمِ – رحمه الله -: “ومَن لَهُ مَعرِفَةٌ بِأَحوالِ العالَمِ ومَبدَئِهِ، يَعرِفُ أَنَّ جَميعَ الفَسادِ في جَوِّهِ ونَباتِهِ وحَيَوانِهِ وأَحوالِ أَهلِهِ حادِثٌ بَعدَ خَلقِهِ بِأَسبابٍ اقتَضَت حُدوثَهُ، ولم تَزلْ أَعمالُ بَني آدمَ ومُخالَفَتُهُم لِلرُّسُلِ تُحدِثُ لهم مِنَ الفَسادِ العامِّ والخاصِّ ما يَجلِبُ عَلَيهِم مِنَ الآلامِ والأَمراضِ ، والأَسقامِ والطَّواعينِ، والقُحوطِ والجُدوبِ، وسَلبِ بَركاتِ الأَرضِ وثِمارِها ونَباتِها، وسَلْبِ مَنافِعِها أو نُقصانِها – أُمورًا مُتَتابِعَةً يَتلو بَعضُها بَعضًا… ”
أيها المسلمون
وفي تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب لقوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (71) المؤمنون ،قال : فالحق واحد ثابت , والأهواء كثيرة متقلبة . وبالحق الواحد يدبر الكون كله , فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض , ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة . ولو خضع الكون للأهواء العارضة , والرغبات الطارئة لفسد كله , ولفسد الناس معه , ولفسدت القيم والأوضاع , واختلت الموازين والمقاييس ; وتأرجحت كلها بين الغضب والرضى , والكره والبغض , والرغبة والرهبة , والنشاط والخمول . . وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسؤال الذي يخطر على البال : لماذا يكره الناس الحق ؟؟ والاجابة : إن كراهة أكثرهم للحق ناشئة عن كون الحق مخالفاً أهواءهم، فسجل عليهم أنهم أهل الهوى، والهوى شهوة ومحبة لما يلائم غرض صاحبه،وإنما يجري الهوى على شهوة دواعي النفوس ، وبسبب اتخاذ البشر أرباباً مشرعين من دون الله، واستبدال القرآن بغيره شرعاً ثم خضوع نتيجة التشريع إلى أهواء الناس تفرض قوانين وأنظمة لا تزيد المشكلات إلا تعقيداً ، وطمأنينة المجتمع ورخاؤه إلا ضيقاً وضنكاً. فمن الفساد الذي نعيشه هذه الأيام استجابة الساسة والمشرعين لرغبات كل الشرائح الاجتماعية ، بما فيها الشواذ خلقياً وجنسياً من المخنثين وغيرهم ،الذين انتكست فطرهم وأصبحت كالكوز مجخياً، ولماذا حصل هذا؟ ، لأنهم يشكلون نسبة لا بأس بها من المجتمع فلابد من أخذ ما يطالبون به من حقوق!! ففي البرنامج الانتخابي للمرشح أو الحزب حتى لا يخسر أصواتهم فلابد أن يستجيب لمطالبهم فشرعوا في بلادهم زواج المثلين من الذكور والإناث ،و… وقس على ذلك باقي الأمور من برامج التعليم وما يجب أن يسمح به أو لا يسمح من المجلات والأفلام الخليعة والاتجار بجسد المرأة وغيرها من الأمور التي تدل على المستوى المنحط الذي تصل إليه فطرة الإنسان عندما لا يضبطها إلا ضابط الرغبة والشهوة، وعندما تتصرف بعيداً عن الوحي الذي يمثل السياج الذي يقيها من الوقوع في حمأة المضار التي تهوي بها في دنياها وآخرتها. ومن المفاسد التي تتخبط فيها البشرية اليوم نتيجة أتباعها لأهوائها: انتشار الظلم وفشوه على المستوى العالمي وأصبح الشعار المطبق (لا مكان للضعفاء)، و(البقاء للأقوى)، يتجلى ذلك في المنظمات التي توسم بالدولية أو الأممية مثل الأمم المتحدة وغيرها، وكيف أن حفنة من الدول أو دولة واحدة تتحكم في أنظمة سير تلك المؤسسات والقرارات التي تصدر عنها، فتعرقل ما لا ترغب في تمريره، ومالا يحقق هوى مصالحها، وتفرض في المقابل ما يخدم مصالحها حتى وإن أفنى – ذلك القرار – وأباد شعوباً وأمماً بأكملها، أفبعد هذا الذي جرى ويجري يمكن أن يستند البشر إلى تشريع بشر أمثالهم ليتحقق الأمن والرخاء والعدل والسلام تحت مظلة نظام عادل مستقر، سبحانك هذا بهتان عظيم وحقا ما قال ربنا : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (71) المؤمنون
الدعاء