خطبة عن الصحابي: (أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ)
فبراير 24, 2018خطبة عن ( كن داعيا إلى الله )
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى عن قوله تعالى ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) 21، 24 الانفال
إخوة الاسلام
إن شر ما دب على الأرض – من خلق الله- عند الله – هم الصم الذين انسدت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون, والبكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون, وهؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، وهؤلاء . لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ . مواعظ القرآن وعبره ،حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه, ولكنه سبحانه وتعالى علم أنه لا خير فيهم ، ولا رجاء منهم ، وأنهم لا يؤمنون, ولو أسمعهم -على الفرض والتقدير- لتولوا عن الإيمان قصدا وعنادا بعد فهمهم له, وهم معرضون عنه, لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه. وقال الله تعالى في مثل هؤلاء وأشباههم : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (105) ،(106) يوسف ، فهناك صنف من الناس يعرفون الصدق ويكذبون، ويعلمون العدل ويظلمون، ويفهمون الأمانة ويخونون، ويفقهون الدين ويمرقون، و يرون الحق ويبطلون، والقرآن يلعنهم حتى وهم يتلون ، فهم إذا عاشوا لُعِنوا من الحجر والشجر، ومن الشمس والقمر، ومن السماء والأرض، ومن المحيط والبحر، ومن الحيوان والإنسان، وإذا ماتوا فلا تتسع لهم القبور، ولا تبش لهم الأرض، ولا تبكي عليهم السماء .( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ) ، فهم منزوعو الخيرية، ملعونو البرية، ممقوتو ربِّ البرية؛ لماذا؟ لأنهم ليس عندهم خير مطلقًا، رغم أن الكافر قد يُجازى بعمله فقط في الدنيا! ففي صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ ».
(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ) ، فأشرار الكفار، وأتباعهم من الفجار، قد علم الله أنه لا خيرَ فيهم، ولا قابلية لهم، ولا هدى معهم، ليس فيهم مَن يهتدي، وليس منهم مَن يُرتضى، وليس معهم مَن يقتدي ،﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ فهؤلاء طائفة من المشركين، توغَّلوا في الشر والفساد، وتسلَّحوا بالظلم والاستبداد، وتعمقوا في الكبر والعناد، فحُرِموا لذلك هدايةَ الله تعالى، لم يؤمنوا لعلم الله تعالى أنه لا خيرَ فيهم، وكيف لا؟! وهو خالقهم وخالق طباعهم! كيف؟ وهو القائل سبحانه وتعالى : ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ) ، فلو علم الله – بعلمه الأزلي – أن فيهم – وهم بهذه الحال – ما يكون خيراً لأنفسهم وللناس وللحق، لأسمعهم سماع هداية يوصل الحق إلى عقولهم، ولو سمعوه وفهموه لانصرفوا عن الاهتداء، فهؤلاء شر عند الله من جميع الدواب، لأن الله أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، ليستعملوها في طاعة الله، فاستعملوها في معاصيه وعدموا – بذلك – الخير الكثير، فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية ،فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية، وقد قامت حجة الله تعالى عليهم بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته. ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون ﴾ [الأنفال: 23]. فمن يُلبسُ على الناس الحقَّ بالباطل، ويَخلِطُ بين المعروف والمنكر، ويَهتِكُ أعراض الناس بالغيبة، ويعمل على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا هؤلاء : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ ومنعهم وهداهم، ومَن يعاند السماء، ويسفك الدماء، ويُبعثِرُ الأشلاء، ويُمثِّلُ بالشهداء ، هؤلاء : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ ومنعهم، ومَن يبثُّ الرعب في البلاد، وينشر الخوف في العباد؛ فتَتساقَطُ دموعُ الثَّكالى، وتتعالى صرخاتُ الأيتام، وتَتَصاعَدُ آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين ، فكل أولئك ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ وحفظهم من الانزلاق في هذا الإجرام! وكذلك مَن يَهزَأُ بدين الله، ويتآمر على دعوة الله، ويستبيح حرمات الله ، هؤلاء : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ وأرشدهم! ومَن يُداهِنُ الحكام، وينافق المحكومين؛ لينال من عرض الدنيا، ومَن يَكذِبُ على الله في دينه ورسله، في بلاده وعباده ،هؤلاء :﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ وهداهم إلى الصدق، والظالمون الذين يُصادرون الأموال، وينهبون الأغراض، ويهتكون الأعراض ، هؤلاء : ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾، نعم لأسمعهم الحق وهداهم إليه، ومنعهم الباطل وصدَّهم عنه، لكنهم ليسوا أهلاً! ، فقد ظلموا الناس فأضلَّهم الله على علم، وزاغوا ، فأزاغ الله قلوبهم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والذين تحالفوا مع الشيطان، فأضلَّهم الرحمن ، قال الله تعالى : ﴿ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]، إنهم يحاربون الخير، ويعارضون الحقَّ، كيف؟ لقد قال الله تعالى في شأنهم : ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32] ،وهذه الآية نزلت في النضر بن الحارث ،ومَن على شاكلته من المجابهين للحق، والمناهضين للدين. قال ابن عباس: لما قصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنَ القرون الماضية، قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين – أي: ما هذا إلا ما سطره الأوَّلون في كتبهم – فقال له عثمان بن مَظْعُون رضي الله عنه: اتقِ الله؛ فإن محمدًا يقول الحق، قال: فأنا أقول الحق، قال عثمان: فإن محمدًا يقول: لا إله إلا الله، قال: وأنا أقول: لا إله إلا الله، ولكن هذه بناتُ الله – يعني: الأصنام – ثم قال: اللهم إن كان هذا الذي يقولُ محمدٌ هو الحقَّ من عندك – و “الحقَّ” نصب بخبر كان، و “هو” عماد وصِلَة – ﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ كما أمطرتها على قوم لوط، ﴿ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾؛ أي: ببعض ما عذَّبْتَ به الأمم، وفيه نزل قوله تعالى : ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [المعارج: 1].
أيها المسلمون
فسبحان الله وتعالى ، شاء حكمته وعدله ألا يحاسب عباده بما علمه منهم أزلاً، بل يحاسبهم سبحانه وتعالى بما يحدث منهم واقعاً وفعلا، فهو القائل سبحانه في كتابه الكريم : {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} [العنكبوت: 11] .فسبحانه وتعالى العالم أزلاً، ولكنه شاء أن يعلم أيضاً علم الشهادة ، علم الإقرار من العبد نفسه؛ لأن الله لو حكم على العباد بما علم أزلاً، لقال العبد: كنت سأفعل ما يطلبه المنهج يا رب. لذلك يترك الحق الاختيار للبشر ليعلموا على ضوء اختياراتهم ،ويكون العمل إقراراً بما حدث منهم. فسبحانه سبحانه : {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23] .
الدعاء