خطبة حول حديث (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
يناير 22, 2022خطبة حول حديث ( إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ )
يناير 28, 2022الخطبة الأولى ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (42) إبراهيم ،وقال الله تعالى : (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (131) ،(132) الانعام ،وقال الله تعالى : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هود (123)
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر لقوله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون) يتبين له أنها تحمل في كلماتها ومعانيها تهديدا ووعيدا ، ولكن من أعظم ما فيها أنها تحمل البشرى للمؤمنين ، لما فيها من شفاء لقلوب المظلومين ، وتسلية لخواطر المكلومين، فكم ترتاح نفس المظلوم ويهدأ خاطره حينما يسمع هذه الآية ، ويعلم علم اليقين أن حقه لن يضيع ، وأنه سوف يقتص له ممن ظلمه ولو بعد حين، وأنه مهما أفلت الظالم من العقوبة في الدنيا ، فإن جرائمه مسجله عند من لا تخفى عليه خافيه ، ولا يغفل عن شيء، والموعد يوم الجزاء والحساب، يوم العدالة، يوم يؤخذ للمظلوم من الظالم، ويقتص للمقتول من القاتل ،فتخيل وأنت تقرأ هذه الآية مصير الطغاة الظلمة ممن انتهكوا أعراض المسلمات ، وسفكوا دماء الأبرياء ، وقتلوا الأطفال ، وشردوا النساء، وهدموا المساجد ، والمنازل، وتذكر الطغاة الذين يحاربون دين الله ، ويحاربون أهل الدين، ويسيمونهم سوء العذاب ، من أجل أنهم قالوا ربنا الله، تذكر أن الله فوقهم ، وأنه سبحانه وتعالى سوف يقتص منهم ، وسيرينا فيهم ما يثلج صدورنا إن شاء الله- ويتحقق لنا موعود ربنا تبارك وتعالى إذ يقول سبحانه :{ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. المطففين(34) :(36) ، كما أن الله تبارك وتعالى يجبر خاطر رسوله صلى الله عليه وسلم : فما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون , ولكن لهم أجل هم بالغوه, فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فكل شيء هو محيط به ، ولا يعزب عنه شيء منه، وهو سبحانه لهم بالمرصاد، فلا يحزنك إعراضهم عنك ، ولا تكذيبهم بما جئتهم به من الحقّ، وامض لأمر ربّك، فإنك بأعيننا. وفي قوله تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) ختمت الآيات الكريمة بالأمر بالعبادة ، والتوكل على الله ، وهو تأكيد على وجوب الاستقامة، والاعتماد على الله ،ودعائه بالثبات على الاستقامة ، وهو من أعظم أسباب الثبات عليها ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ « نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ » ،ومن لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} هود (123) ،قال : عمَّى عن قلوبهم العواقبَ، وأخفى دونهم السوابق، وألزمهم القيامَ بما كَلَّفهم في الحال، فقال: {فَاعْبُدْهُ} فإنْ تقسَّمَ القلبُ وتَرَجَّمَ الظَنُّ وخيف سوءُ العاقبة.. فتوكَّلْ عليه أي اسْتَدْفِعْ البلاَءَ عنك بِحُسْنِ الظَّنِّ، وجميل الأمل، ودوام الرجاء.{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}: أحاط بكل شيءٍ عِلْمًا، وأمضى في كل أمرٍ حُكْمًا.
أيها المسلمون
ولقد أكد القرآن الكريم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض ومن فيهن ، وأنه سبحانه مطلع على كل أعمال العباد ، الشر والخير ، وأنه تعالى لا يغفل عن أعمال الظالمين وأفعالهم التي يقومون بها من ظلم في أرض الله. وقوله تعالى : «ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ، إنّما يُؤخّرهُم ليومٍ تَشْخَصُ فيهِ الأبصارُ» ، إبراهيم : 42، فقد ذكر العلماء أن سبب نزول الآية : أنّ المؤمنين كانوا مستضعفين في بداية الدعوة ، فكانوا يتزعزعون في بعض الأحيان ، فيقولون إن صاحبكم يعدنا بفتح بلاد الروم وكسرى ، ونحن لا نأمن على أنفسنا دخول الحمام ، وهذا كان في غزوة الخندق ، التي مرت على المسلمين بأوقات عصيبة صعبة ، فزلزلت الأنفس الضعيفة فيها. وأوضح المفسرون أن المُخَاطَب في هذه الآية الكريمة هو النبي صلى الله عليه وسلم والخطاب عامٌّ لجميع الأمة؛ أي: لا تظننّ – يا محمد – أنّ ربّك ساهٍ عمّا يفعله المشركون من قومك، بل هو عالمٌ بهم، وبأعمالهم محصيها عليهم ليجزيهم بها. وتؤكد الآية أنّ تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم؛ بل سُنّة الله في إمهال العُصَاة مدّة، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود 102. قال ميمون بن مهران : “هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد جاءت هذه الآيات تحمل شفاء لقلوب المؤمنين الموحّدين، وجبرًا لخواطر المكلومين ، في زمن كُثر فيه الظلم والعدوان، وتداعتْ علينا أذلّ وأحقر أمم الأرض! ،وإنّ المرء لتخنقه العَبَرات، وتحرقه الزفرات والآهات، حتى يكاد يموت كمداً وهَمّاً ،لما يحدث للمسلمين في بقاع الأرض؛ فيسمع هذه الآيات ، فتكون بلسماً شافياً ، لتذكره أنّ حقه لن يضيع، وأنه سوف يقتصّ ممّن اعتدى عليه وظلمه، وأنّ الظالم مهما أفلتْ من العقاب في الدنيا؛ فإنّ جرائمه مسجّلة عند مَن لا تخفى عليه خافية، ولا يغفل عن شيء، فسبحان مَن حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده مُحرّماً، وانتصر لعباده المظلومين ولو بعد حين ، قال الله تعالى : (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (127) :(129) الأعراف
الدعاء