خطبة عن عدم موالاة الكافرين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ)
نوفمبر 7, 2020خطبة عن صفات المؤمنين ، وقوله تعالى ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا )
نوفمبر 7, 2020الخطبة الأولى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (115) التوبة
إخوة الإسلام
اليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (115) التوبة ، فقد جاء في التفسير الميسر في تفسير هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز : وما كان الله ليضلَّ قومًا بعد أن مَنَّ الله عليهم بالهداية والتوفيق ، حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به، وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل شيء عليم : فقد علَّمكم ما لم تكونوا تعلمون، وبيَّن لكم ما به تنتفعون، وأقام الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته. وفي الوسيط لطنطاوي، قال : وما كان من شأن الله – تعالى – في لطفه وعدله . . أن يصف قوما بالضلال عن طريق الحق ( بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ) إلى الإِسلام ، لمجرد قول أو عمل صدر عنهم عن طريق الخطأ في الاجتهاد ،وإنما يصفهم بذلك ،بعد أن يبين لهم ما يبج اتقاؤه من الأقوال والأفعال ، فلا يطيعون أمره ، ولا يستجيبون لتوجيه – سبحانه – .وقال ابن كثير : إنه سبحانه لا يضل قوما بعد بلاغ الرسالة إليهم ، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة ، كما قال الله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) [ فصلت : 17 ] ويقول ابن عاشور : الله تعالى ليس من شأنه ،وعادة جلاله أن يكتب الضلال لقوم بعد إذ هداهم بإرسال الرسل إليهم ،وإرشادهم إلى الحق ،حتى يبين لهم الأشياء التي يريد منهم أن يتقوها ، أي يتجنبوها ، فهنالك يبلغ رسله أن أولئك من أهل الضلال ،حتى يتركوا طلب المغفرة لهم كما قال الله تعالى لنوح – عليه السلام – (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (46) هود ، ولا كان من شأنه – تعالى – أن يكتب الضلال لقوم بعد إذ هداهم للإيمان واهتدوا إليه لعمل عملوه حتى يبين لهم أنه لا يرضى بذلك العمل . ولفظ الآية صالح لإفادة معنى أن الله لا يؤاخذ النبيء – صلى الله عليه وسلم – ولا إبراهيم – عليه السلام – ولا المسلمين باستغفارهم لمن استغفروا له من قبل ورود النهي وظهور دليل اليأس من المغفرة ; لأن الله لا يؤاخذ قوما هداهم إلى الحق فيكتبهم ضلالا بالمعاصي حتى يبين لهم أن ما عملوه معصية ، وقال مقاتل والكلبي : إن قوما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، ولم تكن الخمر حراما ، ولا القبلة مصروفة إلى الكعبة ، فرجعوا إلى قومهم وهم على ذلك ثم حرمت الخمر وصرفت القبلة ، ولا علم لهم بذلك ، ثم قدموا بعد ذلك المدينة فوجدوا الخمر قد حرمت والقبلة قد صرفت ، فقالوا : يا رسول الله قد كنت على دين ونحن على غيره فنحن ضلال؟ فأنزل الله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) يعني : ما كان الله ليبطل عمل قوم قد علموا بالمنسوخ حتى يتبين لهم الناسخ . (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (115) التوبة ، وهذا الآية الكريمة توضح ما نعرفه في عرف التقنين البشري أنه لا جريمة إلا بنص، ولا عقوبة إلا بتشريع، فنحن لا نعاقب إلا بعد تحديد الفعل الذي يعاقب عليه، وأن يكون النص المحدد للجريمة والعقوبة سابقاً على الفعل.
إذن: فلا عقوبة بتجريم، ولا تجريم إلا بنص، والذي لم يبلغه النص؛ لأنه مات قبل أن يوجد النص؛ لأنه لا رجعية في القانون السماوي، إنما الرجعية فقط عند البشر؛ ولذلك نجد الحق يقول في كثير من الآيات: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ … } [النساء: 22] ،وقد اتفق أهل السنة والجماعة والأئمة المشهورون المتبعون لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم على أنه من ثبت له عقد الإسلام ابتداء ، بالشهادتين ، أو بكونه ولد لأبوين أحدهما مسلما ، فإنه لا يزول عنه حكم الإسلام وإن خالف الشريعة في أي أمر كان ، إلا إذا كان أمرا مما حكم الشرع فيه بكفر صاحبه ، ويكون عالما بمخالفته للشرع في هذا الأمر ، أما إن خالف الشرع مع الجهل فلا يعاقب على تلك المخالفة ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وسواء في الفروع كانت المخالفة أم في الأصول ، بل يعذر بجهله ، وإن كان ملوما على تقصيره في طلب العلم الواجب عليه إن قصر ، فالله لا يعذب أحدا من خلقه حتى يبعث إليه رسولا ينذره ويحذره ،فيعصي ذلك الرسول ، أو يبلغه منهج الله على أدي الدعاة والمصلحين ،ويستمر على الكفر والمعصية بعد الإنذار والإعذار والبلاغ ، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة: 115]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زال حديثنا موصولا عن قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة: 115] ،فقوله تعالى : (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) ، فالتقوى التزام أمر الله ونهيه، فإذا وافقوا البيان هداهم هداية معونة، وإذا لم يوافقوا كانوا ضالين، وقد حكم الله بضلالة عم نبي الله إبراهيم، وما حكم الله بضلالته إلا بعد أن بين له منهج الهداية ، ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم ألا يستغفر له ، فالله لا يضل قوماً بعد إذا هداهم، هداية الدلالة والإرشاد: (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) [التوبة: 115] ،فيكون إضلالهم في هذه الحالة عقوبة على ترك الاهتداء، فأعرضوا فأعماهم، وصدوا فأضلهم ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يهدي، والله تعالى يهدي، ولكن هداية الرسول -صلى الله عليه وسلم- هداية دلالة وإرشاد، وهداية الله -تعالى- التي لا يملكها إلا هو، هداية التوفيق للحق، وفتح القلب له، وانشراح الصدر له، والإقبال عليه، واعتناق الحق، واتباع الحق، فهذه لا يستطيعها الدعاة، ولذلك قال الله تعالى : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) [البقرة: 272].، ولا يملكها الأنبياء، قال الله تعالى : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (55) ،(56) القصص
الدعاء