خطبة عن قوله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا )
يوليو 13, 2024خطبة عن (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)
يوليو 17, 2024الخطبة الأولى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (14) النحل
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : لا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك ، وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (14) النحل ، وقد جاء في تفسير بن كثير : يخبر الله تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج، ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه، وما يخلقه فيه من اللالئ والجواهر النفيسة، وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه، وقيل: تمخر الرياح وكلاهما صحيح، الذي أرشد العباد إلى صنعتها، وهداهم إلى ذلك إرثا عن نوح عليه السلام، فإنه أول من ركب السفن، وله كان تعليم صنعتها، ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل، يسيرون من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، لجلب ما هناك من الأرزاق، وفي التفسير الميسر : وهو الذي سخَّر لكم البحر؛ لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا طريًا، وتستخرجوا منه زينة تَلْبَسونها كاللؤلؤ والمرجان، وترى السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء، وتركبونها؛ لتطلبوا رزق الله بالتجارة والربح فيها، ولعلكم تشكرون لله تعالى على عظيم إنعامه عليكم، فلا تعبدون غيره. وجاء في الوسيط لطنطاوي : أي : وهو – سبحانه – وحده الذى ذلل لكم البحر ، بحيث مكنكم من الانتفاع به ، وأقدركم على الركوب عليه ، وعلى الغوص فيه ، وعلى الصيد منه ، لتأكلوا من أسماكه لحما . طريا غضا شهيا .ووصف – سبحانه – لحم أسماكه بالطراوة ، لأن أكله في هذه الحالة أكثر فائدة ، وألذ مذاقا ، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل .وقال بعض العلماء : وفى وصفه بالطراوة ، تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير ، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ، فسبحان الخبير بخلقه ، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع ، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته – تعالى – في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذى لا يشرب .وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء ، وهو الذى يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه ، والمراد من ميتة البحر في الحديث الذي صححه الترمذي :( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ». هو ما لفظه البحر لا ما مات فيه من غير آفة . وفي قوله تعالى ( وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) نعمة ثانية من نعم الله – تعالى – للإِنسان في تسخير البحر له ،والحلية – بالكسر – اسم لما يتحلى به الناس . والمعنى : ومن فوائد تسخير البحر لكم أنه سبحانه أقدركم على الغوص فيه ، لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما .كما يجوزُ للرَّجُلِ التَّحَلِّي بالجواهِرِ والأحجارِ الكريمةِ ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ وذلك لأن ظاهِر الآية في قَولِه تعالى : (تَلْبَسُونَهَا) أنَّه يجوزُ للرِّجالِ أن يَلبَسوا اللُّؤلؤَ والمَرجانَ، فهُما بنصِّ القرآنِ حلالٌ للرِّجالِ والنِّساءِ
أيها المسلمون
فمن نعم الله – جل في علاه – أنه ذلل البحر لنا حتى استطعنا أن نصطاد منه الأسماك وغيرها مما يؤكل من هذه اللحوم الطرية، وذلل لنا البحر لنغوص فيه فنجمع اللؤلؤ والمرجان وما يتخذ زينة. ومن نعمه أنه سبحانه وتعالى ذلل البحر لنا فنحن نركبه بالسفن العظيمة الجارية، والتي نسافر على ظهورها لتحصيل المنافع والربح، لعلنا بعد هذا كله نشكر الله سبحانه وتعالى. فسبحان من جعل مما في البحر لنا طعاما وزينة، وأجرى السفن العظيمة فوق الماء دون أن تغرق. وفي قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) (14) النحل ، يقول الدكتور نزار الدقر: إن بروتين السمك ذو قيمة غذائية عالية، سهل الهضم ولا يخلف بعد امتصاصه إلا القليل من الفضلات والأبيض منه أسهل هضماً من اللحم. ولذا فهو يعتبر غذاء مفيداً للمرضى المصابين باضطرابات في جهازهم الهضمي، كما يحتوي على جميع البروتيدات الكبريتية الرئيسية. ويتميز الدهن الموجود في السمك بغناه بالحموض الدسمة غير المشبعة، وهي حموض مفيدة وغير ضارة وتتصف بقدرتها على خفض مستوى الدهون في الدم ما يجعلها مفيدة في الوقاية من تصلب الشرايين وخاصة من أمراض الشرايين الإكليلية القلبية. فدهن السمك أسهل هضماً من دهن اللحم،
أيها المسلمون
وتشير هذه الآية الكريمة إلى إن المحيطات والبحار فوائدهما متعددة في الحرب والسلم، وهي إضافة إلى استخدامها للمواصلات البحرية وإمدادها بالماء العذب بعد إزالة الملوحة واستغلال طاقة المد والحصول على المواد الخام المعدنية ومصادر البروتين الحيواني، علاوة على الشعور بالجمال والارتياح عند رؤية الأمواج وهي تصطدم بالشاطئ في منظر رائع عند غروب الشمس. وفي الآية الكريمة أكثر من نعمة وأكثر من حكمة: ففيها حكمة خلق البحر بذاته وعلى الوضع الذي هو فيه، وحكمة كونه مالحاً، مع أن غيره من مياه البحيرات والأنهار جُعلَ عذباً. ونعمة امتلائه بالأسماك، التي هي من أعظم الأغذية للإنسان، بل من أعظم مخازن الطعام وأغناها، وأبقاها على الدهر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في كتاب خواطر في التفسير: واللـحم إذا أُطلِق يكون المقــصود به اللـحم المــأخوذ من الأنعام، أما إذا قُيّد بـ ” لحم طري ” فالمقصود هو السمك، وهذه مسألة من إعجازية التعبير القرآني؛ لأن السمك الصالح للأكل يكون طَرّياً دائماً. ونجد مَنْ يشتري السمك وهو يَثْني السمكة، فإنْ كانت طريَّة فتلك علامةٌ على أنها صالحةٌ للأكل، وإنْ كانت لا تنثني فهذا يعني أنها فاسدة، وأنت إنْ أخرجتَ سمكة من البحر تجد لحمها طَرِّياً؛ فإنْ ألقيتَها في الماء فهي تعود إلى السباحة والحركة تحت الماء؛ أما إن كانت ميتة فهي تنتفخ وتطفو. وكل هذه النعم هي من فضل الله الخالق العظيم الذي سخّرها للناس تفضلا منه وتكريما، دون أن يطلبوها منه ابتداءً، فالخيرات البحرية وصلت إلى موائد الناس جميعاً من كانوا يعيشون على ضفاف البحار والأنهار، ويشكلون 60 % من سكان الأرض، أم كانوا يعيشون في المناطق البعيدة، وكل ذلك يستدعي منهم شكراَ للمنعم المتفضل. وكل هذه الدلالات تدل على أن هذا القرآن الكريم، قد نزل من رب عظيم قدير، عالم بكل ما في الأرض من أسرار، حكيم في ما خلق، فهو الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، كما تدل على صدق خاتم المرسلين وإمام المجاهدين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه أنبياء الله ورسله أجمعين.
الدعاء