خطبة عن (إنظار المعسر) (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ)
ديسمبر 1, 2018خطبة عن قوله تعالى (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)
ديسمبر 1, 2018الخطبة الأولى ( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) الاسراء (11)
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- ، مع هذه الآية الكريمة المباركة من كتاب الله العزيز ، نتدبر معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونقطف من ثمار رياضها الغناء ، ونرتشف من سلسبيل رحيقها المختوم ،ومما جاء في كتب التفسير حول قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) الاسراء (11)، ففي التفسير الميسر : ويدعو الإنسان أحيانًا على نفسه ،أو ولده ،أو ماله بالشر، وذلك عند الغضب، مثل ما يدعو بالخير، وهذا من جهل الإنسان وعجلته، ومن رحمة الله به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر؛ لأنه يعلم منه عدم القصد إلى إرادة ذلك، وكان الإنسان بطبعه عجولا. وقال السعدي : هذا من جهل الإنسان وعجلته ،حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه – يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } يونس 11، وفي تفسير البغوي ، قال : يدعو الْإِنْسَانُ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ، ﴿ بِالشَّرِّ ﴾، فَيَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ وَأَهْلِكْهُ وَنَحْوَهُمَا، ﴿ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ﴾، أَيْ: كَدُعَائِهِ رَبَّهُ بِالْخَيْرِ أَنْ يَهَبَ لَهُ النِّعْمَةَ وَالْعَافِيَةَ وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَهَلَكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ بِفَضْلِهِ، ﴿ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا ﴾ بِالدُّعَاءِ عَلَى مَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ.
أيها المسلمون
هكذا يبين الله تبارك وتعالى لنا في هذه الآية الكريمة ، أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، قد يصيبه أحيانا أمرٌ أو وضع أو حال لا يرضيه، أو لا يستقيم مع ما يطمح إليه ويتمنَّاه ويريده ،وعندها يصاب بحالة من الإحباط واليأس والقنوط، فيترجم الإنسان عن حاله من خلال ما يصدرُ عنه من أقوال وأفعال، تُعبِّر عن سخطه وعدم رضاه، وعدم قناعته وصبره بحاله ووضعه، بل يتجاوز ذلك إلى إتيان أفعال وتصرفات وردود أفعال قد تجانب الصوابَ والمنطق والعقل والحكمة. ففي لحظات الضيق ، قد يسارع اللسان بما لا يستسيغه العقل ،ولا يقره القلب , فيسارع اللسان بالدعاء على النفس ،أو الولد ،أو المال ، ثم يندم المرء بعد ذلك ،ويتألم على ما فعل بسبب عجلته ، وضعف عقله . والله تعالى خلق الإنسان ،وهو أعلم بضعفه لذا قال الله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) يونس 11. فما أرحم الله ، وما ألطفه بعباده ، وما أعجل العبد ، وما أضعف عقله ، نعم: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) الاسراء (11) ،وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من لحظات الغضب ، والدعاء على النفس والمال والولد ، ففي صحيح مسلم : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ »
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى : (وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا ) ذكر سلمان الفارسي وابن عباس – رضي الله عنهما – قصة آدم ، عليه السلام ، حين هم بالنهوض قائما قبل أن تصل الروح إلى رجليه ، وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه ، فلما وصلت إلى دماغه عطس ، فقال : الحمد لله . فقال الله : يرحمك ربك يا آدم . فلما وصلت إلى عينيه فتحهما ، فلما سرت إلى أعضائه وجسده جعل ينظر إليه ويعجبه ، فهم بالنهوض قبل أن تصل إلى رجليه فلم يستطع وقال : يا رب عجل قبل الليل ، فكانت هذه الصفة في ذريته من بعده ، فهذه الصفةُ : صفة التعجُّل أو العجَلَة، وعدم الصبر والتأنِّي والتُّؤَدَة ، جبل الانسان عليها ، فالإنسانُ مجبولٌ على استِعجالِ ما يراه خيرًا له أو مصلحةً له، واستِعجالِ تركِ ما يراه شرًّا له أو مَفسَدة، حتى إنَّه يدعو بالشرِّ على أبنائه أو مَن هو قريبٌ منه إذا بدا منهم ما لا يُحِبُّه أو ما لا يُعجِبه؛ لذا أمر الله عباده بالتؤدة والصبر والتثبت قبل اتخاذ القرار، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (94) النساء ،وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات ، فالله – عزَّ وجلَّ – يحبُّ الأناة، وهي التثبُّت وترك العجَلَة؛ كما جاء في “صحيح مسلم” (قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : « إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ». وفي سنن البيهقي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالتأنِّي من الله؛ لأنَّه مُندَرِج في الحكمة التي يُؤتِيها الله – تعالى – بعض عباده، والحكمة خير كثير؛ كما قال الله عزَّ وجلَّ -: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. والتعجُّل في الأمور يكون من وَساوِس الشيطان، قال المناوي في “التيسير”: أي: هو الحامِل عليها بوسوسته؛ لأنَّ العجَلَة تمنع من التثبُّت والنظَر في العَواقِب، وذلك وقَع في المَعاطِب، وذلك من كَيْدِ الشيطان ووَسوَستِه؛ وقال عمرو بن العاص: “لا يَزال المرء يجتَنِي من ثمرة العجلة النَّدامة”؛ وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم – التُّؤَدَة جزءًا من النبوَّة ، ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الْمُزَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ » فالتُّؤَدَة والتأنِّي من شَمائِل الأنبِياء والمُرسَلِين – عليهم الصلاة والسلام – وفي هذا حَثٌّ على الاقتِداء بهم والتخلُّق بهذه الصفة الحميدة. ومن المعلوم أن مدْح التُّؤَدة والتأنِّي خاصٌّ بأمور الدنيا فحسب، أمَّا أمور الآخِرة والتقرُّب إلى الله – تعالى – فالواجب فيها الإسراعُ والتعجُّل؛ ففي سنن البيهقي (قَالَ الأَعْمَشُ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ ». وقال الله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) البقرة 148، وقال تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (114) آل عمران ،وقال تعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (90) الانبياء ،وقال تعالى :(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (60) ،(61) المؤمنون
الدعاء