خطبة عن (تحية الإسلام السلام: فضائلها، وآدابها)
فبراير 27, 2017خطبة عن (مجالسة أهل الباطل ،وأضرارها)
فبراير 28, 2017الخطبة الأولى ( يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) الزمر 54، 57 ، وروى الترمذي في سننه بسند فيه ضعف : (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ ». قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ ازْدَادَ .. وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ نَزَعَ ».
إخوة الإسلام
في هذه الآيات ، يذكر الله عباده ويأمرهم بالتوبة والانابة والرجوع إليه ، والاستسلام لأمره ، والعمل بكتابه ، من قبل أن يفاجئنا الموت ونحن على معصيته ، فيحل بنا العذاب ، وتلحق بنا الحسرة والندامة على ما فرطنا في طاعة الله ، وما حل بنا من عقابه ، فالله يناديهم بهذه الآيات ، ليتداركوا أحوالهم ،ويقبلوا على الله الواحد القهار : (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) ،إنها النفس الظالمة ،إنها النفس الآثمة ، إنها النفس المفرطة في الحقوق والواجبات ، والمضيعة للفرائض والواجبات ، والمرتكبة للمعاصي والمنكرات ، أنها النفس العصية ، إنها النفس المتكبرة والمتجبرة والمسرفة في طاعة رب البرية . إنها النفس التي لم تترك بابا من الذنوب إلا قرعته ،ولا بابا من الإساءة إلا ولجته ، هذه النفس (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) : وما أعظم الحسرة إذا خسر أصحابها ، فخرجوا من الدنيا صفر اليدين من رحمة الله ،وما أعظمها من خسارة إذا طويت الصفحات باللعنات ، وما أعظمها من خسارة يوم لا تنفع المعذرة ولا تغني الدموع ، ويوم يتقطع القلب من الألم ، ويوم يعتصر القلب من شديد الندم ، أن تقول نفس!!! ، ومتى تقول؟؟؟ يوم تنقطع المعاذير ،وتُغص السكرات في الحناجر، ويصير العبد ذليلاً حقيراً لله الواحد القهار ، يا حسرتى على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به ، وقصرت في الدنيا في طاعته . أن تقول نفس يا حسرتى، على طول السهر ، يا حسرتى على ضياع الأعمار ، يا حسرتى على الساعات و اللحظات التي أهدرت في غير الطاعات ،يا حسرتى على أصحاب لم ينفعوا ، وعلى أحباب لا يشفعوا ، وعلى عمر مضى و زمانٍ ولى وانقضى في غير طاعة ، يا حسرتى إذا كشف الديوان بخطيئة اللسان و زلات الجنان ، وإذا عرض الشباب وما فيه من الغدرات والفجرات ، والزلات والهفوات ، والسيئات والمنكرات ،يا حسرتى ، فقد ذهب الليل ، فما تمتعت عيني بالبكاء فيه من خشية الله ، ومرت الأيام ، وما تمتعت قدمي فيه بالوقوف بين يدي الله ، يا حسرتى ،على يوم مضى ليله ،وطلعت شمسه ،ولم تنعم جبهتي في السجود بين يدي الله ،يا حسرتى ،على صلاة أضعتها ، وعلى زكاة منعتها ، وعلى أيام في رمضان أفطرتها ، وعلى ذنوب فعلتها ، وعلى خطايا تلبثت بها ، يا حسرتى ، إذا كشف الديوان ، وتطايرت الصحف ، ونصبت الموازين ، ووزنت الأعمال ، وعظُم الوقوف بين يدي الواحد الديان ، وشهدت الأعضاء والجوارح بالأعمال ، يا حسرتى ، على يوم لم أشكر الله فيه على النعم ، ويوم لم اشكر الله فيه على دفع النقم ، ولم يلهج لساني فيه بذكره ، ولم يتلذذ لساني فيه بشكره ، يا حسرتى ، يوم فاز الفائزون ، وغنم الغانمون ، وتنعم المتنعمون ، وجئت أنا صفر اليدين مما هم فيه في الجنات يتنعمون، {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ } ، نعم ، يـاحسرتاه يوم أعرض على الله حافياَ عارياَ ، وياحسرتاه على ما فرطت في جنب الله لعظم حقه علي، و جزيل نعمته لدي، فكم أنعم وتفضل ،وكم وهب و أعطى وأجزل، سبحانه العلي الأكرم ، يا حسرتاه ، في يوم لم أعظمه حق تعظيمه ، ولم أمجده حق تمجيده، وياحسرتاه على التفريط في جنب الله ، ويوم فتحت لي أبواب الخيرات ففَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ، ياحسرتاه على ما فرطت في جنب الله يقولها المذنبون ، ويوقن بمعناها المسيئون المخطئون ، ياحسرتاه ،يوم ضحكت من المطيعين ،واستهزئت بعباد الله الصالحين، يا حسرتاه يوم رأيتهم ذاهبون إلى المساجد فقلت إلى أين هم ذاهبون، يا حسرتاه يوم رأيتهم مع كل راكع و ساجد فقلت لماذا هم يتعبون، ياحسرتاه إذ لم أقدر الله حق قدره واستهزأت من عباده ، واستهترت بأمره. ، وياحسرتاه ،يقولها العبد ولو كان مطيعا، و لذلك سمى ذلك اليوم بيوم التغابن، لأنه ما من نفس إلا و هي في غبن، فنفوس الصالحين، في غبن ،فهم يتحسرون ويندمون، لم لم يفوزوا بكثير من الخيرات، ولم لم يستكثروا من الطاعات، فكم نامت عيونهم والمتهجدون بالليل قوم ، وكم شبعت بطونهم ، والناس صوم ،وكم تخلفوا عن تكبيرة الإحرام ، وحمل الجنازات ، ورعاية الأيتام ، فأعمالهم من الخيرات قليلة ، وأحمالهم من السيئات كثيرة نعم : (يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ).
أيها المسلمون
فمن جهل قيمة العمر، ولم يعرف أهميته وضيَّعه وفرَّط فيه، فإنه سيندم أشد الندم ويتحسر أشد الحسرات في ساعة لا تنفع فيها الحسرة والندامة. فعند ساعة الاحتضار حين يستدبر الإنسان الدنيا، ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو منح مهلة من الزمن، وأُخِّر إلى أجلٍ قريبٍ ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فاته ، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100]. وفي الآخرة حيث توفَّى كلُّ نفسٍ ما عملت، وتجزى بما كسبت ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف ليبدءوا من جديد عملاً صالحاً، ولكن هيهات هيهات لما يطلبون، قال قتادة: والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولا بأن يجمع الدنيا، ويقضي الشهوات ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل ، فرحم الله امرءاً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار. وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[مريم: 39]، وقال ابن كثير رحمه الله: {وأنذرهم يوم الحسرة} أي: أنذر الخلائق يوم الحسرة {إذ قضي الأمر} أي: فُصِلَ بين أهل الجنة وأهل النار، وصار كلٌ إلى ما صار إليه مخلداً فيه {وهم} أي اليوم {في غفلة} عما أنذروا يوم الحسرة والندامة {لا يؤمنون} أي لا يصدقون به. وفي صحيح مسلم : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ – زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ – فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ – وَاتَّفَقَا فِى بَاقِى الْحَدِيثِ – فَيُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ – قَالَ – وَيُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا قَالَ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ – قَالَ – فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ – قَالَ – ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ ». قَالَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الأَمْرُ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [مريم: 39] ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما آن لنا أن نتنبه ونستيقظ من غفلتنا، أما آن لنا أن نندم على أيام وساعات ودقائق لم نستغلها في طاعة الله، أما آن لنا أن نعزم على استغلال ما بقي لنا من أعمارنا قبل أن نندم في ساعة لا ينفع فيها الندم. قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما ندمت على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد عملي”. فإن حالنا اليوم هو حال من اشتكى أمره إلى الحسن، فقال: سبقنا القوم على خيلٍ دهم، ونحن على حمر معقرة، فقال: إن كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم .
وقال بلال ابن سعد رحمه الله: يقال لأحدنا هل تريد أن تموت؟ فيقول: لا. فيقال له: لِمَ؟ فيقول: حتى أتوب وأعمل صالحاً، فيقال له: اعمل، فيقول: سوف أعمل، فلا يُحب أن يموت ولا يُحب أن يعمل، فيؤخر عمل الله تعالى ولا يؤخر عمل الدنيا. إنها دعوة إلى العودة والتوبة قبل أن يتحسر المرء في وقت لا تنفع فيه الحسرات ولا الآهات: إذا كنتُ أعلم يقيناً *** بأن حياتي كساعة … فلم لا أكون ضنيناً بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة … إنها دعوة للتوبة قبل أن يقول الإنسان كما وصفه المولى جل وعلا: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 56].
أيها المسلمون
(( ياحسرتا على مافرطت في جنب الله )) : فلو أمعنت النظر في قوله تعالى (جنب الله) لهزت مشاعرك وحركت قلبك نحو ربك أسفا وشوقا….فكم من الخلق فرط في جنب الله بترك أوامره وفعل معاصيه؟! …. وكم من الخلق من كفر ؟! وكم من الخلق من فجر؟! وكم من الخلق من أدبر واستكبر؟! … والله يقول (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر (53) ،فيحذرنا الله من موقف في يوم يشيب في الوليد من أهواله، فنقول فيه ياحسرتنا..ياحسرتي ، ونختم حديثنا بما بدأنا به ، بقوله تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الزمر(54) :(58)
الدعاء